في تطور سياسي لافت قد ينعكس على التوازنات الإقليمية داخل القارة الإفريقية، أعلن حزب uMkhonto weSizwe" (MK)"، الذي يتزعمه الرئيس الجنوب إفريقي السابق، جاكوب زوما، دعمه العلني لسيادة المغرب على الصحراء، معتبرا خطة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط "حلا واقعيا ومتوازنا" لإنهاء النزاع المستمر منذ عقود، حسب مجلة "Te Africa Report".
ويمثل هذا الموقف قطيعة واضحة مع النهج التقليدي الذي تبناه حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) الحاكم، والذي ظلّ لعقود يدعم جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، ويدعو إلى "استقلال الصحراء" عن المغرب.
وثيقة سياسية جريئة
وجاء موقف حزب "MK"، في وثيقة سياسية تمتد على 17 صفحة، نُشرت بعنوان: "جنوب إفريقيا والمغرب: شراكة استراتيجية من أجل وحدة إفريقيا، والتحرر الاقتصادي، والسلامة الترابية"، وتضمنت رؤية الحزب لمستقبل العلاقات بين البلدين، مع تسويغ تاريخي وسياسي لموقفه من النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
وأكدت الوثيقة أن "الصحراء كانت جزءا من المغرب قبل الاستعمار الإسباني في أواخر القرن التاسع عشر، وأن المطالبة المغربية تسبق الحقبة الاستعمارية، وتستند إلى ولاءات قبلية تاريخية للعرش المغربي".
وأضاف الحزب أن خطة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط تمنح الصحراويين "حُكما محليا موسعا" ضمن السيادة المغربية، وتشكّل بديلا عمليا يُوازن بين مطالب السكان المحليين واعتبارات وحدة التراب الوطني المغربي.
ثالث قوة برلمانية تُحرّك المياه الراكدة
وأصبح حزب "MK"، الذي فاجأ الجميع بعد فوزه بـ58 مقعدا في الانتخابات التشريعية الأخيرة، القوة السياسية الثالثة في برلمان جنوب إفريقيا؛ ما يمنحه موقعا مؤثرا في تشكيل التحالفات، وفي توجيه الخطاب السياسي تجاه القضايا الخارجية.
ووفق المجلة، فإن الوثيقة أثارت "ضجّة كبيرة" داخل قيادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC)، الذي بات يواجه تحديات متزايدة داخل البرلمان وخارجه، خصوصا في ما يتعلق بملفات السياسة الخارجية المرتبطة بالمغرب والجزائر.
دلالات اللقاء الملكي
ويُعيد هذا التحول إلى الواجهة اللقاء الذي جمع بين الملك محمد السادس، والرئيس السابق، جاكوب زوما، عام 2017، خلال قمة الاتحاد الإفريقي – الاتحاد الأوروبي في أبيدجان؛ حيث وصفت وسائل إعلام مغربية ذلك اللقاء بأنه "اختراق دبلوماسي" في جدار الموقف الجنوب إفريقي، الذي كان يُصنّف ضمن أشدّ معارضي الوحدة الترابية للمغرب.
تحوّل إفريقي متسارع
ويتقاطع الموقف الجديد لحزب "MK" مع توجه متزايد في إفريقيا نحو دعم المقترح المغربي بشأن الصحراء؛ حيث أعلنت كل من غانا وكينيا في الأيام الأخيرة دعمها الصريح لمبادرة الحكم الذاتي، في سياق دبلوماسي يعكس انحسار التأثير الجزائري وتراجع الدعم التقليدي للبوليساريو داخل الاتحاد الإفريقي.
ويرى مراقبون أن هذه التحوّلات قد تمهد لإعادة ترتيب أوراق المواقف الرسمية داخل دول إفريقية رئيسية، خصوصا في ظل تشابك الملفات الاقتصادية والطاقية والأمنية، التي باتت تلعب دورا محوريا في تشكيل التحالفات الإقليمية.
تراجع جزائري مقابل تصاعد مغربي
وتكشف هذه التحولات عن تآكل تدريجي في محيط الدعم الإفريقي التقليدي لجبهة البوليساريو والراعي الإقليمي الأساسي لها، الجزائر، في مقابل توسّع رقعة التأييد للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، والتي باتت تُقدّم على نطاق واسع بوصفها الحل الأكثر واقعية ونجاعة لحلحلة النزاع، خصوصا في ظل الجمود الأممي.
وفيما تواجه الجزائر أزمة دبلوماسية متزايدة على خلفية تعقيدات جيوسياسية في الساحل الإفريقي والمحيط المتوسطي، ينجح المغرب في إعادة تموقعه كشريك موثوق في مجالات الأمن، والطاقة، والبنية التحتية؛ ما يجعله أكثر قدرة على جذب المواقف الإفريقية من خلال أدوات التأثير السياسي والتنمية الاقتصادية.
ويؤشر موقف حزب "MK"، رغم أنه لا يُعبّر بالضرورة عن السياسة الرسمية لجنوب إفريقيا في الوقت الراهن، إلى تصدّع في الإجماع الأيديولوجي القديم داخل القارة، ويفتح المجال أمام خطاب إفريقي جديد قائم على البراغماتية، والتكامل، واحترام السيادة الوطنية، وهي مرتكزات لطالما راهن عليها المغرب في سياسته الإفريقية خلال العقد الأخير.