رئيس تراسبارنسي: الرشوة تكلف المغرب 50 مليار درهم.. و"الخط الأخضر" لا يصل إلى "الحيتان الكبيرة"

المصطفى أزوكاح

بدا رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، عند تقديم حصيلة حكومته خلال عامين ونصف، سعيدا بالتقدم الذي يعتبره حاصلا في تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، غير أن أحمد البرنوصي، الكاتب العام للجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، فرع "تراسبارنسي" الدولية، يعتبر أن الاستراتيجية لم تفعل كما يجب، مشددا، في هذا الحوار، على أن الرشوة متجذرة وتكبد المملكة خسائر كبيرة.

عرض رئيس الحكومة سعد الدين العثماني عند تقديمه لحصيلة نصف ولاية حكومته، للمبادرات التي اتخذت في محاصرة الرشوة، فقد بدا سعيدا بما تحقق على مستوى تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، فهل تشاطرونه ذلك الإحساس؟

نحن نعتبر أن الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة الحكومية، والتي ساهم فيها المجتمع المدني والقطاع الخاص، مازالت تراوح مكانها، ولم يفعل منها سوى النزر القليل. هذا ما يدفعنا إلى التأكيد على ضرورة تعاطي الحكومة بالجدية الواجبة مع الاستراتيجية، حيث لم تفعل العديد من القوانين والتدابير العملية الميدانية.

من حق رئيس الحكومة أن يقول ما يشاء، لكن المواطن يحكم على الواقع

ما هي القوانين التي يفترض تفعيلها من أجل ترجمة الاستراتيجية على أرض الواقع؟

كلنا نعلم أن قانون حماية المبلغين وضحايا الرشوة الذي اعتمد في 2011، تجب مراجعته، وقد صدرت تصريحات عن وزير الوظيفة العمومية وإصلاح الإدارة حول ذلك، لكنها لم تتجاوز مستوى التصريحات، وهناك مشروع القانون الخاص بالاغتناء غير المشروع المجمد في البرلمان، زد على ذلك أن الحكومة لم تعد مشروعا خاصا بتضارب المصالح. هذه نماذج من التشريعات التي يفترض تفعيلها في المغرب. وهناك العديد من المساطر التي يفترض تفعيلها أو إعادة النظر فيها، من قبيل تلك ذات الصلة بالتصريح بالممتلكات.

ما المشاكل التي يطرحها قانون التصريح بالممتلكات؟

هذا قانون غير فعال، لأن يستدعي أن يقوم بالتصريح بالممتلكات أكثر من 200 ألف من الموظفين على الأوراق، وهذا غير منطقي، لأنه يجب الاستعاضة عن التصريحات على الأوراق بالتصريحات عبر الإنترنيت، زد على ذلك، أنه يجب أن يشمل التصريح بالممتلكات الموظفين المسؤولين عوض فرض ذلك على أعداد كبيرة من الموظفين، لأن المجلس الأعلى للحسابات، الذي يدبر عملية التصريح بالممتلكات، لا يتوفر على الوسائل التي تخول له القيام بالتحريات الواجبة حول الممتلكات المصرح بها بالنظر لعدد الموظفين الملزمين بذلك، ثم إن تصريحات الأشخاص الذين يتقلدون مسؤوليات عمومية، يجب أن يكشف عنها للعموم، حتى إذا عمدوا إلى إخفاء بعض البيانات حول ممتلكاتهم، يمكن للمواطنين القريبين منهم أو الذين لديهم معرفة بهم، أن يخبروا بالحقيقة. فقانون الحق في المعلومة يستدعي مثل هذا التدبير. يجب على المغرب، بالنظر لما سبق، أن يصدر التشريعات ويتخذ التدابير الواجبة من أجل محاربة الرشوة، وإلا سيوجد في وضعية لا يحسد عليها على مستوى مؤشرات الرشوة.

يجب أن يشمل التصريح بالممتلكات الموظفين المسؤولين عوض فرض ذلك على أعداد كبيرة من الموظفين

لكن رئيس الحكومة يبدو مرتاحا لربح المغرب لـ17 مرتبة في مؤشر إدراك الرشوة الذي تصدره تراسبارنسي أنترناسيونال بين 2017 و2018؟

الترتيب على مستوى مؤشر إدراك الرشوة غير كاف، فقد تقدم المغرب بثلاثة نقاط على مائة، منتقلا من 40 نقطة إلى 43 نقطة، أي أقل من خمسين نقطة على 100، فهو مازال ضمن ثلث الدول التي تعتبر فيها الرشوة متجذرة. من حق رئيس الحكومة أن يقول ما يشاء، لكن المواطن يحكم على الواقع.

رئيس الحكومة يحيل على الواقع كي يؤكد بأن الخط الأخضر للتبليغ عن الرشوة، ساهم في ضبط الكثير من الحالات ومحاكمة مسؤولين. أليس هذا مؤشرا إيجابيا؟

صحيح الخط الأخضر موجود، وفي العام الماضي، ساعد على محاكمة حوالي 36 شخصا بتهمة الرشوة، لكن الخط الأخضر لا يعالج الرشوة الكبيرة التي تمارسها "الحيتان الكبيرة"، إنه خط يفضي إلى الوصول إلى حالات الرشوة البسيطة، مثل موظف في مستشفى أو مقاطعة قد يطلب مقابلا لخدمة عمومية أو للتوسط من أجل خدمة معينة، لكنه لا يحيط بالرشوة الكبيرة بالمغرب، والتي نقدرها بما بين 40 و50 مليار درهم في العام الواحد، أي تقريبا ميزانية وزارة التعليم بجميع أسلاكه. إذا كنا نريد محاربة الرشوة فعلا، فإنه يجب السعي للحيلولة دون ضياع ذلك المبلغ، الذي يمكن أن يساعد على توفير من الخدمات الاجتماعية.

الخط الأخضر لا يعالج الرشوة الكبيرة التي تمارسها "الحيتان الكبيرة"

أحدثت في ظل الحكومة الحالية اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، التي يعهد إليها بتتبع تنفيذ مشاريع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وعقدت اللجنة اجتماعين، ما تقييمكم لعمل اللجنة؟

عندما اجتمعت في الخامس عشر من فبراير الماضي، عبر ممثل "تراسبارنسي المغرب" في اللجنة، عن رفض التقرير الأول الذي وضع حول تنزيل الاستراتيجية، داعيا إلى إعادة النظر فيه، لأنه اعتبر أنه فيه الكثير من الإطناب ولا يتضمن سوى تصريحات ونوايا، بينما ما يهم المواطن هو الحصول على الحق في المعلومة مثلا. قبل أسابيع، عينت لجنة الحق في الحصول على المعلومة، فهل عين المسؤولون في جميع القطاعات؟ وهل أنجزت حملة للتواصل مع المواطنين الذي يجهلون بوجود القانون؟ يجب أن تكون التصريحات مطابقة للواقع؟ أنظر إلى البيان الأخير الذي أصدره المجتمع المدني المشارك في مبادرة الشراكة من أجل الحكومة المفتوحة، فقد أكدوا أن الحكومة لم تستوعب معنى المبادرة، حيث اشتكت الجمعيات من عدم جدية الحكومة في التعاطي مع هذا الأمر، وتجاهل المجتمع المدني.

يتولى اليوم محمد بشير الراشدي، الذي كان أحد مؤسسي تراسبارنسي المغرب، أمر الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، ما هي انتظاراتكم من الهيئة؟

نتمنى، كما وعد محمد البشير الراشدي، أن يعاد النظر في القانون المنظم للهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة، لأن الاختصاصات الممنوحة للهيئة في القانون الحالي ضعيفة ولا تسمح له بالتحري والإحالة الذاتية، كما أنه لا يمكنه إحالة الملفات مباشرة على القضاء، لأنه لا بد من المرور عبر رئاسة الحكومة. تعيين السي الراشدي واعد، إذا كانت الهيئة ستتوفر على الإمكانيات القانونية والبشرية.