رغم تعثر إخراجها منذ 14 سنة.. أبطال يحصدون الذهب دون لجنة بارالمبية

إدريس التزارني

رغم أن قانون التربية البدنية والرياضة 30.09 ينص على إحداثها، وبعد مرور 14 سنة على إصدراه في 24 غشت 2010، يظل إحداث اللجنة الوطنية البارالمبية المغربية أمرا مستبعدا، ويبقى السؤال المطروح الذي يحتاج إلى جواب إلى متى سيظل هذا التكتم عن أسباب فشل إحداث وهيكلة هذه المؤسسة؟

عرفت الرياضة البارالمبية اهتماما متزايدا في جميع دول العالم، لكونها تجسد قيم التحدي والإصرار والعزيمة لذوي الاحتياجات الخاصة، مما تطلب من العالم مسايرة إيقاع تطورها على المستوى العالمي بداية بإدماجها ضمن النسيج المجتمعي للدول، وإدراجها ضمن دورات الألعاب البارالمية التي تعقب كل دورة أولمبية.

وعلى المستوى الوطني، ورغم الطفرة الحاصلة على المستوى القانوني منذ العام 1956 عبر تأسيس أول جمعية رياضية لذوي الاحتياجات الخاصة، والنصوص التي تتالت بغية تطوير وتأطير الممارسة الرياضية، ومن جملتها القانون 30.09، غير أنه يلاحظ إلى غاية الآن غياب بوادرتأسيس فعلي للجنة الوطنية البارالمبية المغربية.

خلف النتائج بشاعة

تشكل المشاركات البارالمبية حافزا يدفع الجماهير الرياضية لتغييب التساؤل حول الهيكلة الحقيقة لمنظومة الرياضة، ويتم معها تغييب النقاش حول اللجنة البارالمبية المغربية، حتى أن تحقيق المغاربة 38 ميداليات منذ دورة سيول 1988 ضمنها 16 ذهبية و11 فضية و11 نحاسية، جعل الجميع يتحدث عن هذه الفئة دون دق زناد التأطير القانوني لهياكل المؤسسة المفترض أن تشرف على هذا التخصص.

وتؤكد الشهادات التي يتوفر عليها موقع "تيلكيل عربي" أن عددا من الأبطال انتهت تجربتهم دون أن تكون لهم أي استفادة من تألقهم العالمي، بل هناك من أصبح وضعهم المادي والاجتماعي صعبا بشكل كبير، خصوصا الفئات التي تتفاقم إعاقتهم مع مرور الوقت ومن ضمنهم الصم وضعاف البصر.

قوانين طالها الجمود

 ينص قانون التربية البدنية والرياضة 30.09 المتعلق باللجنة الوطنية البارالمبية المغربية، في مادته 45 على أنه تحدث لجنة وطنية بارالمبية مغربية تسري عليها أحكام الظهير الشريف رقم 376-58-1 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378 (15 نوفمبر 1958)، كما وقع تغييره وتتميمه والأحكام المنصوص عليها في هذا القانون وفي النصوص المتخذة لتطبيقه ونظامها الأساسي المصادق عليه من طرف الإدارة، وتكتسب الاعتراف بصفة المنفعة العامة بقوة القانون، ويتم الاعتراف المذكور بمرسوم.

 ورغم أن المادة 46 من النص القانوني تقول: "تتألف اللجنة الوطنية البارالمبية المغربية من أعضاء تنتخبهم المكاتب المديرية بالجامعات الرياضية الوطنية المعنية بالرياضات المدرجة في البرنامج الرسمي للألعاب البارالمبية، من بين أعضائها ويجب أن يكونوا كلهم مغاربة، ويكون كل مغربي عضو في اللجنة البارالمبية الدولية عضوا بحكم القانون في المكتب التنفيذي للجنة الوطنية البارالمبية المغربية، أو يشارك ممثل الإدارة بحكم القانون في اللجنة الوطنية البارالمبية المغربية، بصفة استشارية، فإن الجامعات البارالمبية غير مهيكلة هي الأخرى وتحل محلها الجامعة الملكية المغربية لرياضة الأشخاص في وضعية إعاقة، والوزارة الوصية".

وجاء في المادة 47 من القانون 30.09، أنه يفقد عضوية اللجنة الوطنية البارالمبية المغربية كل عضو من أعضائها فقد عضويته في المكتب المديري لجامعة رياضية بارالمبية وطنية، وأنه في حالة شغور منصب عضو من الأعضاء، يجب على اللجنة الوطنية البارالمبية المغربية العمل على أن يتم انتخاب عضو يحل محله في أجل لا يتعدى ثلاثة أشهر.

 مهام بدون لجنة

 جاء في النص القانوني الذي صادق عليه مجلسا النواب والمستشارين، وصدر في العدد 5855 من الجريدة الرسمية بتاريخ 25 أكتوبر 2010، أنه "تناط باللجنة الوطنية البارالمبية المغربية مهام تمثيل المغرب في الألعاب البارالمبية وفي المنافسات والتظاهرات البارالمبية الإقليمية أو القارية أو العالمية التي تنظم تحت إشراف اللجنة البارالمبية الدولية".

وأناط النص القانوني باللجنة مهاما، من قبيل القيام بتشكيل الوفد الرياضي المغربي المشارك في المنافسات والتظاهرات الرياضية المذكورة وبتنظيمه وإدارته وإعداد تقرير أدبي ومالي عن كل مشاركة مغربية في هذه المنافسات، والقيام باتفاق مع الإدارة وباقتراح من الجامعات الرياضية المعنية، بإعداد الرياضيين المشاركين في المنافسات والتظاهرات الرياضية البارالمبية الدولية، وتأطير الرياضات البارالمبية على المستوى الوطني.

 صدى تحقيق لم يخرج

 وفي الوقت الذي تسرب إلى بعض من العاملين داخل الوزارة أن موقع "تيلكيل عربي" بدء في جمع معطيات ووثائق تتعلق بأسباب غياب اللجنة البارالمبية المغربية، بدأت تحركات لرأب الصدع من أجل الاستفسار عن خطوات إنشاء اللجنة البارالمبية.

ونقلت مصادر الموقع، وجود تعليمات بعدم الكشف عن مضمون أي وثيقة قد يتم استغلالها لإظهار أسباب عدم إخراج البارالمبية المغربية إلى حيز الوجود، رغم 14 سنة من إصدار القانون المتعلق بالتربية البدنية والرياضة.

من يخاطب اللجان الدولية

توصل موقع "تيلكيل عربي" بمعطيات دقيقة ومراسلات تكشف أن المخاطب الرسمي للجنة البارالمبية الدولية هي الجامعة الملكية المغربية لرياضة الأشخاص في وضعية إعاقة، وأنها هي من تقوم مقام اللجنة البارالمبية المغربية كلما تعلق الأمر بالمشاركات المغربية خارجيا.

وأضاف مصدر الموقع، أنه كانت هناك محاولات لتأسيس اللجنة لكن لم تكلل بالنجاح، مؤكدا أن الأمر يحتاج إلى مزيد من العمل في هذا الجانب لنحدو حدو كثير من الدول التي لها لجان بارالمبية.

احتضان أو التهام

تنضوي تحت لواء عدد من الجامعات الملكية المغربية، رياضات بارالمبية وهو ما تعيشه جامعة التيكواندو التي يرأسها إدريس الهلالي ونائبه حسن إسماعيلي الذي يشغل منصب مدير تقني ومدرب منذ سنة 2000 إلى غاية ريو 2016، وشقيقه عزيز إسماعيلي، الذي يشغل مدربا للباراتيكواندو منذ 2015، كما أنه يتواجد رفقة المنتخب الوطني المدرب عزيز أشرقي، الذي يشغل مدربا خاصا للبطلة رجاء أقرماش في وزن +65 صنف k44.

وتنضوي رياضة الدراجات لذوي الاحتجاجات الخاصة تحت يافطة الجامعة الملكية المغربية للدرجات، كما هو الشأن بالنسبة للجامعة الملكية المغربية لتنس الطاولة، التي تحتضن رياضة بارا تنس الطاولة، والتي تعيش على وقع إشكالات بعد انسحاب عدد من الأندية المشاركة في البطولة الوطنية.

وفي مقابل هذا، تحتضن الجامعة الملكية المغربية لرياضة الأشخاص في وضعية إعاقة عدة رياضات أبرزها ألعاب القوى، السباحة، رفع الأثقال، البوتشية، كرة الطائرة جلوس، كرة السلة على الكراسي المتحركة، كرة القدم لمبتوري الأطراف، التنس على الكراسي المتحركة، الكرة الحديدية، كرة القدم للصم.

ويندرج تحت لواء الجامعة الملكية المغربية لرياضة المكفوفين وضعاف البصر، ألعاب القوى، وكرة القدم، وكرة الهدف.

وفي هذا الصدد قال رئيس الجامعة ياسر الحنشي، إن اللجنة البارالمبية المغربية لم يضعها المشرع في النص القانوني اعتباطا، وغيابها محرج لبلادنا على اعتبار أن هناك عدة دول لها لجان خاصة بها، ونحن مطالبون بالدفاع عن تواجدها لحماية مصالح الرياضيين، كما أنه يجب أن نكون من الأوائل خصوصا كلما تعلق الأمر بالمبادرات التي تهم الصالح العام.

اكتوى بنيران غيابها

يقول البطل الباراعالمي في رياضة الباراتكوتندو، والمدير الإداري السابق للمنتخب الوطني عبد نور فديني، في حديث لـ"تيلكيل عربي"، إن عدم تأسيس لجنة بارالمبية وطنية له عدة انعكاسات سلبية على الحركة البارالمبية الوطنية، بحكم الدور الكبير الذي تلعبه هاته اللجنة في تأطير وتتبع مختلف البارا-رياضات في وقت تعيش الرياضة المغربية في تخبط عشوائي في ظل غياب استراتيجية وطنية واضحة للرفع من مردودية هاته البارا-رياضات.

وأضاف فديني أن خير دليل على ما يقول هو أننا نتذيل ترتيب الدول المجاورة في سبورة الميداليات البارالمبية في حين أننا كنا سابقا نقوم بتقييم غير صحيح مبني على مقارنة الميداليات المحصلة في الألعاب البارالمبية بنظيرتها الأولمبية، وهي مقارنة لا تجوز في ظل خصوصيات كل صنف رياضي، ومما يؤكد أيضا تأثير غياب لجنة بارالمبية وطنية هو عدد البارا-رياضات الحاضرة بالألعاب البارالمبية بباريس والتي تقدر بـ 6 بارا-رياضات فقط، في حين أن الألعاب البارالمبية تضم 22 بارارياضة.

وتابع المدير الإداري السابق للمنتخب الوطني، أن قاعدة الممارسة أيضا ضعيفة بحيث من خلال بحثي المتواضع حول نموذج تطوير البارا-رياضات بالمغرب للتخرج والحصول على الماستر في التسيير الرياضي، فإن نسبة ممارسي البارا-رياضة من سكان المملكة المغربية لا يتعدى 1 بالمائة مما يدل على الوضعية الكارثية للبارا-رياضة بالمغرب، وبالتالي فتأسيس لجنة بارالمبية وطنية مغربية سيضع حدا للانتهازيين وستصبح البارا-رياضة المغربية جزء مهم في السياسات العمومية بالمغرب.

هضم حقوق الغير

ورد في ديباجة القانون 30.09، أن الرياضة تكتسي في الواقع أهمية بالغة بالنسبة لكل مجتمع يصبو إلى إشاعة قيم الوطنية والمواطنة والتضامن والتسامح، وعليه تشكل الرياضة رافعة للتنمية البشرية ولتفتح كل شخص لاسيما الأشخاص المعاقين، وعنصرا مهما في التربية والثقافة وعاملا أساسيا في الصحة العمومية.

وكشفت وثائق حصل عليها موقع "تيلكيل عربي"، أن غياب اللجنة البارالمبية تسبب في عدم توصل الأبطال المغاربة بالمكافأة المالية الخاصة بمنافسات بطولة العالم منذ سنة 2014 إلى غاية سنة 2024، الأمر الذي دفع الأبطال الرياضيين إلى مراسلة كل الوزراء الذين تعاقبوا على القطاع، دون تلقي أي رد رسمي من الوزارة الوصية على القطاع.

ووفق معطيات الموقع، فإن مجموع الأبطال الذين لم يتوصلوا بمستحقاتهم وصل إلى 26 رياضيا، كما أن المنح المالية محددة في 50000 درهم للميدالية الذهبية، و30000 درهم للفضية، 10500 درهم للنحاسية.

وجود ملتبس

يقود حميد العوني الجامعة الملكية المغربية لرياضة الأشخاص في وضعية إعاقة، منذ الموسم الرياضي 2017 في ثاني ولاية له، بعدما شكل صلة وصل ومخاطبا رسميا للمغرب عبر جامعته، لكن ووفق معطيات يتوفر عليها الموقع يخضع صرف مالية الجامعة إلى رقابة الوزارة الوصية وأحيانا إلى توقيع ثنائي، رغم الطفرة التي أحدثها الرجل برياضة الأشخاص في وضعية إعاقة.

 وتشير المعطيات المتوفرة لدى موقع "تيلكيل عربي"، أن الجامعة التي يقودها العوني ذو الإعاقة الحركية والتي كانت دافعا له لخدمة هذه الفئة، تم إغراقها بموظفين من وزارة التربية الوطنية دون فهم الغاية والأساس الذي دفع الوزارة إلى تبني هذه الخطوة.

ولأن القانون يسمح بتدبير المرافق الرياضية لولايتين، فإن أولمبياد باريس 2024 جاءت في آخر ولاية لحميد العوني كرئيس، مما سيترك فراغا تسييرا، علما أن الرجل سبر أغوار المنافسات الدولية والعلاقات الاجتماعية، مما سيعيد وبقوة سؤال اللجنة البارالمبية المغربية للواجهة.

تنزيل الرسالة الملكية

 

لقد وضعت الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في مناظرة الصخيرات سنة 2008، الأصبع على الجرح حين أكدت على أن الممارسة الرياضية أصبحت في عصرنا، حقا من الحقوق الأساسية للإنسان، وهذا ما يتطلب توسيع نطاق ممارستها، لتشمل كافة شرائح المجتمع، ذكورا وإناثا على حد سواء، وتمتد لتشمل المناطق المحرومة والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. وبذلك تشكل الرياضة رافعة قوية للتنمية البشرية وللاندماج والتلاحم الاجتماعي ومحاربة الإقصاء والحرمان والتهميش.

وأضافت الرسالة أن الوضع المقلق لرياضتنا الوطنية، على علاته الكثيرة، يمكن تلخيصه في إشكالات رئيسية، تتمثل في إعادة النظر في نظام الحكامة المعمول به في تسيير الجامعات والأندية، وملاءمة الإطار القانوني مع التطورات التي يعرفها هذا القطاع، وكذا مسألة التكوين والتأطير، ومعضلة التمويل، علاوة على توفير البنيات التحتية الرياضية، مما يقتضي وضع استراتيجية وطنية متعددة الأبعاد للنهوض بهذا القطاع الحيوي.

ورغم أن الرسالة الملكية كانت أكثر وضوحا، وبعد 16 سنة من انعقاد المناظرة الوطنية: ظلت الأعطاب التي وصفتها الرسالة الملكية بـ"التجليات الصارخة لاختلالات المشهد الرياضي، وما تتخبط فيه الرياضة من ارتجال وتدهور"، قائمة دون إيجاد صيغ حقيقية لمعالجة الإشكالات ومن جملتها هيكلة المؤسسات الرياضية وأبرزها اللجنة البارالمية المغربية.