لكاتب أمريكي أطروحة مفادها أن النخب الخيرية تساهم، بشكل كبير، في توسيع الفوارق بالطرق التي تراكم وتحمي وتنمي بها رأسمالها، حيث تزعم أنها تريد تغيير العالم دون تغيير النظام، لعدم فقدان امتيازاتها.
تعبر النخب الخيرية (Philanthropes) عن تطلعها إلى تغيير العالم، في الوقت الذي تتسع فيه الفوارق، غير أنها لا تقوم سوى بتحويل التغيير الاجتماعي لخدمة مصالحها تفاديا لنقض النظام الذي كرسها.
تغيير العالم دون فقدان الامتيازات
هذه هي الأطروحة التي يدافع عنها الكاتب الأمريكي، أناند جيريدهاراداس (Anand Giridharadas)، أن فاعلي الخير يساهمون في تأبيد أو تدعيم الفوارق، معتبرا أن العديد من الأغنياء عندما يدركون أنهم يعيشون في عالم من الفوارق والغضب، يسعون إلى تكريس جزء من وقتهم وأموالهم من أجل تغيير الأمور، غير أنهم يستعملون نفس الوسائل التي تسببت في المشاكل الاجتماعية التي يريدون محاربتها.
ويدافع في كتابه "Winners Take All"، عن أطروحة مفادها أن النخب الخيرية تساهم، بشكل كبير، في توسيع الفوارق بالطرق التي تراكم وتحمي وتنمي بها رأسمالها، حيث تزعم أنها تريد تغيير العالم دون تغيير النظام؛ أي دون فقدان امتيازاتها. هذا يدفعها إلى وضع ميثولوجيا حقيقية من أجل شرعنة ممارستها.
ينطلق الكاتب الأمريكي، ذو الأصول الهندية، من ملاحظة تتمثل في صعود الفوارق. إذا كانت الولايات المتحدة عرفت في القرن الماضي والقرن الحالي الرخاء والتقدم والابتكار، فإن هذه العناصر لم تستفد منها سوى فئة من الساكنة، تاركة في الخلف السواد الأعظم من الناس. فقد تضاعف منذ الثمانينات دخل 1 في المائة من الأغنياء قبل احتساب الضريبة، بينما لم تتحسن إيرادات نصف الساكنة الأكثر فقرا؛ أي حوالي 117 مليون أمريكي.
في ظل هذا الوضع، تبحث النخب عن حلول لتغيير العالم من أجل تقليص الفوارق، ويعتبر الكاتب أنها تقوم بذلك مدفوعة بثلاثة أسباب، والتي تتمثل أولا في رغبتها في التخلص من الإحساس بالذنب، وثانيا، إعطاء العالم صورة جيدة عن نفسها، وثالثا، احتواء غضب الناس واحتواء الثورات.
فخ "رابح- رابح"
ومن أجل ذلك يقدم فاعلو الخير أنفسهم كقادة للتغيير الاجتماعي عبر نسج ميثولوجيا تسمح لهم بفرض رؤيتهم للأمور، وهم يقومون بذلك عبر قصص وحكايات وروايات وفنتازيا وأحلام، ساعين إلى نشر ميثولوجيات بين الساكنة التي يسعون إلى التأثير فيها عبر نبوءات، كما يرغبون في نزع الطابع الأناني عن خطاباتهم عبر نوع من الغيرية، التي يريدون تأكيدها من خلال الحديث عن الإنسانية والتضامن وحتى الحب، بل إنهم ينزعون إلى تصوير فكرة العمل المقاولاتي كأحد أشكال العمل الإنساني. إنهم يقدمون عالما كاملا من أجل راحتهم.
هذه الميثولوجيا تستند على نظرية يسميها الكاتب "رابح- رابح" التي توحي بتغيير العالم دون تغيير النظام وأن تعيش في رخاء مع العالم أفضل. إنها نظرية تندرج ضمن فكرة طورتها مؤسسة "كارينجي" في بداية القرن العشرين، ومفادها أن رخاء الأقلية يفيد الجميع، وبأن الفوارق المؤقتة هي حتمية ضرروية لتقدم الجميع. ويعتبر الكاتب أن "رابح- رابح"، تساعد هذه النخب على تفادي الاختيار بين ربح المال وفعل الخير.
ويتصور الكاتب أن فكرة العالم دون قلب النظام (Système) لها علاقة بكون النخب هي جزء من المشكل، مادامت تساعد في الحفاظ على الفوارق وتدعيمها عبر الطرق التي تربح وتراكم بها المال. هكذا، فإن تغيير النظام؛ أي الوصول إلى إعادة توزيع أكثر عدلا يعني بالنسبة لهؤلاء الرابحين القيام بتضحيات، والحال أن هؤلاء يريدون تغيير العالم دون فقدان أي شيء من طريقة عيشهم وامتيازاتهم والحفاظ على الوضع القائم، إذ يجب أن يكون التغيير صوريا.
نخب مفيدة للشعوب؟
وتتمثل إحدى العناصر المركزية في تصدي النخب الخيري للتغيير الاجتماعي في السعي إلى إضفاء طابع فردي على المشكل عبر تقنية تقوم على تحميل المسؤولية للأفراد العزيزة على الإيديولوجية النيوليبرالية. فإضفاء الطابع الفردي على المشكل يتجلى عند تناول قضية الجنس؛ إذ عوض تناول هذه المسألة من زاوية السلطة والهيمنة الذكورية يجري اختزلها في مسألة تطوير ثقة النساء بأنفسهن.
هذه الطريقة تفضي إلى تفتيت المجمتع وتمنع الأفراد من التكاثف. فقد لاحظت مؤسسة "سوروس"، أن بعض الشباب الفقراء لا يتمنون الدفاع عن حقوقهم، بل يفضلون التحول إلى "مقاولين اجتماعيين". إنه عالم "جميعا مقاولون"، الذي يدفع الأفراد إلى التسليم بأوضاعه وتحميلهم المسؤولية، بينما يتعلق الأمر بقضايا يمكن الدفاع عنها اجتماعيا، حسب أناند جيريدهاراداس.
تقدم هذه النخب نفسها على أنها مفيدة للشعوب ضد الحكومات، مانحة لها إمكانية التحول إلى "مقاولين خلافا للسلطات العمومية التي تتعامل معهم كأطفال. فهؤلاء الرابحون لا يريدون الظهور بمظهر الأقوياء، إنهم يقللون من حجم سلطتهم ووضعهم، مفضلين أن ينظر إليهم باعتبارهم "متمردين". هكذا، يفشلون كل إمكانية للعمل الجماعي والمشاركة السياسية، وكذلك الصورة التي تكونها الساكنة عن السلطات السياسية.
التغيير بأدوات "البزنيس"
في مرحلة، حيث الرأسمالة تواجه خصما أقل وحيث الأفكار النيوليبرالية، تنتشر، بعيدا عن المقاولة، كي تأخذ حيزا متناميا في القطاع العمومي والقطاع ذي الأهداف غير الربحية، يتم التغيير الاجتماعي، حسب الكاتب، عبر فاعلين وأدوات "البزنيس"، التي تعتبر سبب المشكل.
ويرى الكاتب أن خطاب الرابحين حول التغيير الاجتماعي لا يركز على الجذور والأسباب، بل يتحدث عن الحلول بعبارات إيجابية. إنهم يتحدثون عن الضحايا دون يشير إلى المذنبين، ويضرب مثلا بالفقر، الذي لا تجري إثارته من زاوية الفوارق، لأن الفوارق علائقية وتحيل على المسؤولين.
ويلاحظ أنه يتم استعمال " البروتوكول"، الذي يعتبر أداة تتيح للمقاولات مقاربة وفهم ومعالجة المشكل، فالبرتوكول يهيىء Formate المشاكل عبر عقلنتها، وتبسيطها وإخراجها من سياقها واختزاله إلى أقصى الحدود، منصرفا عن تعقيد الواقع. ويعد الـ"باوربوينت" PowerPoint الوسيلة المفتاح للبروتوكولات.
ويشير إلى أن طريقة النخب في التعاطي مع التغيير الاجتماعي تستلهم "البزنيس"، عبر مفاهيم مثل التعظيم والمردودية والإنتاجية على حساب الإنساني، ويتعلق الأمر بالعمل في مواجهة مشكل الفوارق ومختلف أشكال الهيمنة على اقتراح حلول حلول سهلة، سريعة، قابلة للتطبيق، جاهزة وجذابة، فمن أجل محاربة الهشاشة، نخلق "تطبيقا"، بل الاهتمام بالأسباب البنيوية.
مفكرون لتسليع الأفكار
ويذهب إلى بلورة هذه الأساطير لم تكن ممكنة لولا الدورر المركزي للمفكرين القادة، الذين يزودون "الرابحين" بالأفكار. فأولئك المفكرون يأتون من العالم الأكاديمي وانتقلوا إلى "الضفة الأخرى"، كي يمنحوا الأقوياء مادة هيمنتهم، إنهم مختلفون عن الجامعيين الذين يحافظون على نظرة نقدية للمشاكل البنيوية.
إنهم " يبيعون" و"يسوقون" أفكارهم عبر المؤتمرات أو الكتب الأكثر مبيعات، ويقترحون رؤية اختزالية، لكنها جذابة، للواقع، مستندين على تمويل نخب عالم الأعمال، ومتكيفين مع انتظاراتهم، على حساب وجهات نظرهم النقدية.
هكذا يتم تكريس "تسليع" الإفكار. وإذا كان قادة الفكر يتمتعون، خلافا للجامعيين، بجمهور كبير، والاعتراف، والمال، فإن فكرهم يتعرض للتفقير. هذا يرسخ انتصار شكل من "الفكر الأحادي"، المتناعم، المناسب لما يريد "الرابحون" سماعه.
ويتجلى العمل الخيري كطريقة تنهجها النخب من أجل الالتفاف على التغيير الاجتماعي خدمة لمصالحهم، لأنهم يسعون إلى فرض رؤيتهم للتغيير الاجتماعي، هكذا يتجاهلون العالم، ويعملون دون الإنصات للمعنيين، والأشخاص على الأرض ومهنيي القطاع أو الفاعلين العموميين. ويذهب الكاتب إلى درجة الحديث عن "الاستعمار". فتلك النخث تسرق للساكنة مسألة التغيير الاجتماعية، حسب الكاتب.
عن قراءة لموقع: Laviedesidées.fr