ساحة جامع الفنا.. سفير بريطانيا يتقمص دور "حكواتي" لنقل حب تشرشل لمراكش

السفير البريطاني بساحة جامع الفنا
بشرى الردادي

في مبادرة جديرة بالثناء، تقمّص السفير البريطاني في المغرب، سايمون مارتن، دور "حكواتيّ ساحر" بساحة جامع الفنا الرمزية، ليروي لأهل مراكش، قصة الحب القوية التي جمعت رئيس الوزراء البريطاني الراحل، ونستون تشرشل، بالمدينة الحمراء، منتهزا مناسبة الدورة الأولى لمهرجان مراكش الدولي لفن الحكاية، الذي ينظمه "اتحاد الحكواتيين للإبداع الثقافي وفن الحكاية"، خلال الفترة ما بين 12 و20 فبراير الجاري، بالتعاون مع سفارة لندن في الرباط.

ولقي ظهور مارتن بهذا الشكل إقبالا واسعا، وإعجابا شديدا ممن تحلّقوا حوله، لسماع ما يقصه حول العلاقات التاريخية بين المغرب وبريطانيا، ومدى الحب الذي يكنه البريطانيون لمدينة مراكش، التي كانت بحاجة لمثل هذه المبادرات، حتى تسترد روحها السياحية، بعد أن خنقتها جائحة "كورونا".

وبدأ السفير البريطاني عرضه الذي رافقه فيه شخص مغربي تكلف بالترجمة، بطرح سؤال على الحضور حول هوية البلد الذي يمثله، انطلاقا من الزي الذي يرتديه، وهو ما خمّنه البعض بشكل صحيح، قبل أن ينتقل إلى التعبير عن الحب الذي يكنه الشعب البريطاني لمدينة مراكش، خاصة ونستون تشرشل، الذي قدمه للحضور بـ"قائد بريطانيا في الحرب العالمية الثانية".

وفي هذا السياق، تفاعلت الإعلامية المغربية سميرة سيطايل مع مقطع الفيديو المنتشر للسفير البريطاني بساحة جامع الفنا؛ حيث وجهت له رسالة قالت فيها: "الرقي. برافو سيمون مارتن.. إنك بريطاني للغاية!".

وبالإضافة إلى سفير بريطانيا بالمغرب، شهدت الدورة الأولى لمهرجان مراكش الدولي لفن الحكاية مشاركة حوالي أربعين من رواة القصص من القارات الخمس؛ حيث غادر هذا الموكب المقر الرئيسي لمؤسسة "دار بلارج" التي تعنى بالثقافة المراكشية، إلى ساحة جامع فنا، وهم يغنون ويرقصون على إيقاعات كناوة والأغاني المغربية الشعبية، وسط تصفيقات حشود من الناس على طول الأزقة؛ حيث سار هؤلاء الفنانون.

يشار إلى أن لتشرشل لوحة مشهورة اسمها "منارة جامع الكتبية"، وكانت اللوحة الوحيدة التي رسمها خلال فترة خدمته كرئيس وزراء خلال الحرب العالمية الثانية، وقد رسمها من شرفة "فيلا تايلور"، عندما كان في نزهة رفقة الرئيس الأمريكي، فرانكلين روزفلت، أثناء حضورهما مؤتمر كازابلانكا، في يناير عام 1943، لتحديد خطط الحلفاء المقبلة في حربهم ضد ألمانيا ودول المحور.

"لوحة "منارة جامع الكتبية
"لوحة "منارة جامع الكتبية

وأهدى تشرشل اللوحة حينها للرئيس الأمريكي كتذكار للقائهما، وظلت في حيازة عائلته، حتى باعها ابنه إليوت، في عام 1950، وظلت تتنقّل بين مالكين متعددين بعد ذلك، حتى وصلت إلى الممثلين العالميين، براد بيت وزوجته أنجلينا جولي، التي باعتها بمزادات "كريستيز"، في العاصمة البريطانية، في مارس عام 2021، بسعر قياسي بلغ نحو 10 ملايين دولار.

ولم تكن تلك اللوحة الوحيدة التي رسمها تشرشل عن المغرب، الذي وجد في طبيعته مادة غنية لممارسة هوايته في الرسم، منذ زيارته له، في عام 1935.

لقطة نادرة لتشرشل يمارس هوايته بالرسم في مراكش

وما لا يعرفه الكثيرون، تقول سليا سانديز، في مقدمة الدليل التعريفي لمعرض أقيم في لندن، في عام 2012، تحت عنوان: "لقاءات في مراكش"، وضم لوحات لتشرشل، وحسن الكلاوي، وصدر في كتاب مستقل لاحقا، هو أن حادثة حصلت بينهما عكست أثر تشرشل في مسار تطور الفن المغربي الحديث، عبر دوره في اكتشاف الفنان المغربي حسن الكلاوي ابن التهامي الكلاوي، زعيم قبائل الكلاوة الأمازيغية في الأطلس الكبير، وباشا لمراكش، والذي بات لاحقا من رواد الفن الحديث في المغرب، وأطلق عليه البعض لقب "عميد الفن المغربي".

وفي التفاصيل، أن التهامي الكلاوي لم يكن يفوّت فرصة وصول ضيف سياسي بارز إلى مراكش، دون أن يوجه له دعوة، وهو ما حصل ذات مرة، مع تشرشل، الذي بات صديقه فيما بعد.

وذات مرة، عرض التهامي الكلاوي على تشرشل بعض تخطيطات ابنه حسن، الذي كان يهوى الرسم، ويطمح لأن يكون رساما كبيرا، رغم رفض والده لهذا الأمر، كونه لا يليق بابن زعيم قبلي. فما كان من رئيس الوزراء البريطاني إلا أن أقنعه بضرورة إرسال حسن إلى باريس لدراسة هذا الفن، بعدما انبهر بموهبته.