بقلم: دة. إيمان الرازي
لا يختلف اثنان على حجم تأثير المناهج التربوية في الناشئة، خاصة تلك التي تعمل على تنمية السلوك المدني والحس الوطني، وهذا دور أساسي ومركزي تضطلع به المدرسة المغربية التي اتجهت منذ زمن إلى الاهتمام بالفرد وبناء الانسان المغربي عن طريق ترسيخ قيم المواطنة الحقة لدى كل الأجيال المتعاقبة.
وتعد المنظومة التربوية التي تنهل من القيم الوطنية الحقة، واحدة من الإطارات المنظمة للمجتمع حالها حال كل المنظومات الاجتماعية والسياسية والمدنية بالنظر إلى علاقتها البنيوية بتطور المجتمع ومؤسساته، إذ تؤدي تنمية السلوك الوطني إلى بناء علاقة ثقة رفيعة ومتبادلة بين كل من الأفراد وبين مؤسسات الدولة والمجتمع، وذلك برفع منسوب الثقة والوعي لدى المواطن بأهمية احترام الحقوق والواجبات انطلاقا من المبادئ العامة التي تنظم الحياة المشتركة بين الأفراد، لكن في الوقت ذاته، إذا تم النظر إليها ومراجعتها مراجعة شاملة لما فيه صالح لوحدتنا الترابية، ستسهم لا محالة، في بناء أجيال قادمة تربت بشكل صحيح وسليم على عدالة القضية الوطنية مسلحة بكل ما يدعم مغربية الصحراء من حجج قانونية ودلائل هوياتية وأحداث تاريخية وخطب ومراسلات ملكية ورسائل البيعة التي قدمتها القبائل الصحراوية التي لم يسجل عليها التاريخ يوما أي جنوح للانفصال أو نزوع نحو العصيان.
ولأن التاريخ لا يرحم...، وفيه من الدلائل ما يكفي لترسيخ عدالة القضية الوطنية عبر بعدين أساسيين هما:
البعد التربوي/ المدرسي، فاستنطاق نصوصه كفيل بضرورة إعادة النظر فيه، وتطعيمه بما يسهم في تعزيز المعرفة التاريخية لدى الناشئة والتي تستوجب توجيه كل الجهود نحو إدماج أكبر لقضية الوحدة الترابية في المناهج الدراسية، ما يسهم في تكريس فهم سليم وأعمق بالتاريخ المغربي وعلاقته بالصحراء المغربية، عبر تقديم كل الوثائق التاريخية التي تؤكد مغربيتها وهي كثيرة ومتاحة.
أما البعد الجامعي/ الأكاديمي، فالاستثمار فيه كفيل بمقاربة القضية الوطنية من بوابة الجامعة المغربية، التي هي مطالبة كذلك، بالانخراط الأكاديمي في هذا الورش الإصلاحي التعليمي من خلال دورها في التنشئة على المواطنة ما سيمكن من تعزيز وعي الطلاب الجامعيين بكل قيم المواطنة الحقة، وذلك أولا عبر مراجعة الملفات الوصفية لكل مواد تخصصات التاريخ والقانون وعلم الاجتماع، وثانيا، إضافة وحدة المواطنة والتربية لباقي التخصصات الجامعية كلها، لإعداد جيش نظامي من المدافعين على عدالة القضية، وسفراء نوعيين في المحافل الأكاديمية الدولية مدججين بكل الطروحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تدعم بدورها عدالة القضية، وكذا تنظيم أنشطة تثقيفية تركز على قضايا الوحدة الترابية عبر تنظيم ندوات فكرية وحملات توعوية دورية وليست مناسباتية فقط، تمكن من إشراك فعلي للشباب الجامعي في النقاش العام حول مآلات القضية الوطنية.
كل هذا لن يتأتى، إلا عبر مراجعة المناهج التربوية والجامعية، باعتبارها مشروعا إصلاحيا يهدف إلى المزيد من ترسيخ التربية على الوحدة الترابية، عبر عدة مداخل ممكنة كالتالي:
1. في الحاجة إلى مدرسة المواطنة ووعي السيادة:
لم تعد المدرسة المغربية مجرد فضاء للتحصيل العلمي، بل باتت مطالبة بالارتقاء إلى مستوى أداة استراتيجية لترسيخ قيم المواطنة، ووعي السيادة الوطنية. لأن معركة الوحدة الترابية ليست معركة الجغرافيا فحسب، بل هي معركة العقل والوجدان، إذ تعتبر المناهج التربوية هي خط الدفاع الأول في هذه المعركة الحاسمة.
2. من قضية سياسية إلى مشروع حضاري متكامل:
إن الوحدة الترابية ليست ملفًا دبلوماسيًا يعالج في أروقة السياسة وفقط، ولدى مؤسسات السيادة التي تدبره وتعمل على حلحلته، بل إنها جوهر الهوية الوطنية المغربية. تكاد تكون سؤالا وجوديا يتجاوز الزمن والمكان، ويجب أن يتحول بشكل سريع إلى عنصر مركزي في المشروع التربوي المغربي.
3. عرض تربوي يليق بالوطن:
لا يمكننا الحديث عن تربية وطنية حقيقية دون وضع عرض تربوي يتسم بالشمولية والانسجام، يُدمج قضية الصحراء المغربية في صلب المناهج، من التاريخ إلى الجغرافيا، ومن الفلسفة إلى التربية على المواطنة. لهذا فالحاجة ملحة اليوم، إلى مراجعة العرض التربوي مراجعة شاملة يضع قضية الوحدة الترابية في صلب أولويات كل الأنشطة التعليمية، أي أننا نحتاج لرؤية شمولية لمدرسة السيادة من خلال مراجعة المناهج التربوية، التي ليست مجرد عملية تقنية، بل هي مشروع سيادي شامل يربط التعليم بالتنمية، والوحدة الترابية بالمستقبل. بل إنها تكاد تكون بمثابة إعلان انخراط جماعي في الدفاع عن الوطن بأسلحة العقل والمعرفة.
4. الأستاذ: الحامل الأول لرسائل السيادة:
إن بناء وعي الأجيال بقضية الوحدة الترابية يمر بالضرورة عبر المدرّس من المدرسة فالجامعة، لذلك، فإن التكوين المستمر للأساتذة يجب أن يرتكز على تزويدهم بحجج علمية وقانونية تجعلهم سفراء أكفاء للوطن داخل الفصول الدراسية، والمدرجات الجامعية، وذلك عبر توظيف كل رسائل بيعة القبائل الصحراوية الوحدوية، وكل المعارك التاريخية التي خاصتها المقاومة الوطنية هناك، وكل الرسائل والخطب الملكية، وأيضا كل الخرائط القديمة التي يمكن اعتبارها صك إدانة لكل من يحاول أن يعبث بالتاريخ ويزور الحاضر والمستقبل.
5. الجامعة المغربية مختبر الدفاع عن القضايا الوطنية:
الجامعة المغربية ليست مجرد فضاء أكاديمي للتكوين والتأطير فقط، بل هي مختبر لإنتاج المعرفة الوطنية، إذ يجب أن تنخرط الجامعات المغربية العمومية والخاصة، في تقديم أبحاث علمية معمّقة، تمكن من تطوير خطاب أكاديمي يبرز عدالة قضية الصحراء المغربية، ويواجه كل الطروحات المغرضة التي تتناسل يوما بعد يوم محاولة السطو على الصحراء المغربية.
6. التربية على المواطنة: بناء الهوية الجماعية المغربية.
إن الوحدة الترابية ليست مجرد درس يُلقّن فقط، بل هي قيمة تُغرس في نفوس الناشئة، لأن التربية على المواطنة يجب أن تتحول من مجرد مادة تعليمية إلى ممارسة يومية تُعمّق الشعور بالانتماء وتُربي الأجيال على الالتزام الوطني تجاه كل قضايا الوطن وفي أولها القضية الوطنية.
في الختام، إذا راجعنا مناهجنا التربوية المدرسية والجامعية، وهي دعوة للوزارات الوصية وعبرها لكل الخبراء وأهل الاختصاص لتحمل المسؤولية التاريخية، سنؤسس لأجيال مستعدة للمعركة الحضارية، وأن الاستثمار في التربية والتعليم هو استثمار في معركة المستقبل لأن الوحدة الترابية ليست ملفًا ظرفيًا، أو تدبيرا سياديا فحسب، بل أنها معركة أجيال متعاقبة، وأن المدرسة المغربية هي القلعة التي ستصنع أولى انتصاراتها والجامعة حصنها المنيع الذي يقف شامخا في وجه الطارئين والعابثين.