قال والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، "يظل الاندماج الاقتصادي ضعيفا جدا في القارة الافريقية، فحصة التجارة البينية الإقليمية ضمن إجمالي المبادلات الدولية للبلدان الإفريقية لا تزال محدودة بحيث إنها لا تتجاوز 12 في المائة، عوض 60 في المائة في المتوسط في أوروبا وآسيا. ونتيجة لذلك، تظل القارة الإفريقية معتمدة بشكل كبير على الأسواق الخارجية، مما يزيد من هشاشتها أمام الصدمات، كما تبين خلال جائحة كوفيد - 19 أو مع الحرب في أوكرانيا.".
وأضاف الجواهري في كلمته في مؤتمر الأيام الداولية للاقتصاد الكلي والمالية بالداخلة، اليوم الأربعاء: "المفارقة أن إفريقيا تتمتع بإمكانات تنموية هائلة. فثروتها الأولى ليست سوى ساكنتها الشابة والسريعة النمو، حيث من المنتظر، وفقا لتوقعات الأمم المتحدة، أن تشكل ربع سكان العالم بحلول 2050. كما أنها تزخر بالعديد من الموارد الطبيعية من بين الأثمن في العالم وبأراضي خصبة شاسعة وكذا بتنوع بيولوجي أساسي لمستقبل الكرة الأرضية".
وأشار إلى أن "البلدان الإفريقية على وعي تام بمنافع الاندماج وقد أطلقت العديد من المبادرات في هذا الصدد والتي ساهمت على وجه الخصوص في إنشاء تجمعات اقتصادية إقليمية، تكلل بعضها بالنجاح، في حين لم يطرح بعضها الآخر ثماره بعد، مثل اتحاد المغرب العربي، الذي يشتهر للأسف، باعتباره من أقل المناطق اندماجا في العالم".
وتابع: "تبين عمليات المحاكاة التي أجراها صندوق النقد الدولي أن إنشاء هذه المنطقة، إذا ما صاحبته إصلاحات لتسهيل المبادلات يمكن أن يرفع متوسط المبادلات التجارية لإفريقيا مع بقية العالم بنسبة 15 في المائة ومع البلدان الإفريقية بنسبة 53 في المائة، مما سيساهم في زيادة الناتج الداخلي الإجمالي الوسيط للفرد الواحد بأكثر من 10 في المائة كما يربح، وفقا لنفس التقديرات، أن يتيح إخراج أكثر من 30 مليون شخص من الفقر المدقع".
ولفت الانتباه إلى أنه "رغم الإرادة السياسية، يواجه الاندماج على نطاق واسع في إفريقيا مجموعة من العقبات الهيكلية التي يتعين على القارة تجاوزها أولها بلا شك العجز الهائل في الرأسمال البشري، إذ تشير أرقام البنك الدولي إلى وفاة 2.9 مليون طفل دون سن الخامسة و 200 ألف من النساء الحوامل كل سنة. أما على مستوى التعليم، يبقى 50 مليون طفل دون تمدرس فيما يفتقر المتمدرسون إلى تعلم كاف".
وذكر أن "الهياكل الإنتاجية هشة لا يزال يهيمن عليها القطاع غير المهيكل الذي يمثل أكثر من 80 في المائة من مناصب الشغل. كما أن النمو الاقتصادي متقلب وغير كاف إلى حد كبير لتوفير فرص عمل لائقة للشباب ومستوى معيشي كريم للسكان. وحسب تقديرات مكتب العمل الدولي، فإن 26.1 في المائة من الشباب الأفارقة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 سنة لا يعملون ولا يدرسون ولا يتابعون أي تكوين".
ونبه إلى إن "الاندماج الاقتصادي لا يشكل دائما ضمانا لازدهار معمم. ولعل التأمل في طفرة العولمة، أهم حركة اندماج تجاري في التاريخ، كاف لإدراك ذلك. فمنذ بدايتها في ثمانينيات القرن الماضي، حققت العولمة مكاسب كبيرة من حيث تخفيض تكاليف الإنتاج وتطوير التجارة والنمو الاقتصادي وتقليص الفقر. لكنها أدت، في الوقت نفسه، إلى تفاقم التفاوتات بين البلدان وداخلها، تاركة شرائح واسعة من سكان العالم على هامش التنمية، لا سيما في قارتنا".
وأورد أن "اليوم، وبسبب عواقبها غير المرغوبة، والتي تفاقمت جراء التوترات الجيوسياسية المتنامية، تواجه هذه الظاهرة موجة من الرفض وبرزت حركة معاكسة لقواعد التجارة العالمية وتعددية الأطراف كما يلاحظ تصاعد في السياسات الحمائية المرتكزة على تعزيز السيادة الاقتصادية، والتي أدت إلى زيادة غير مسبوقة في تدابير السياسات الصناعية. وبذلك، أصبحنا أمام سيل من المفاهيم الجديدة التي تحل تدريجيا محل العولمة والتبادل الحر".
وشدد على أنه "في المغرب، تلك هي المقاربة التي كانت دائما معتمدة فاقتناعا منه بمزايا التبادل الحر المدروسة، حيث لا يكون السعي وراء النجاعة والتنافسية على حساب الاعتبارات وقواعد السوق، اختار بلدنا منذ الثمانينيات الانفتاح والليبرالية الاقتصادية الاجتماعية والتضامنية".