سوق الأحفوريات بالمغرب.. هكذا تنهب ثروة مغربية عمرها ملايين السنين

تيل كيل عربي

في المغرب، يتم استخراج وبيع وتصدير الأحفوريات (مثل هياكل الديناصورات مثلا) بدون رقابة حقيقية، الأمر الذي يفرغ بطن الأرض المغربية من كنوز عمرها ملايين السنين ولا تقدر بثمن.

أخيرا يطل عبد العزيز من حفرة عمقها 10 أمتار تم حفرها في هذه الصحراء الصخرية  في ضواحي "أّرفود" بالجنوب الشرقي للمغرب. بعد 20 يوما من الجهد تحت الشمس الحارقة، تمكن جامع الأحفوريات الهاوي البالغ من العمر 40 عاما، من إخراج حجرين ضخمين حمراوين بهما أثار حيوانات بحرية منقرضة. "بعتهما بـ3500 درهم.. يحدث ألا أجد شيئا طيلة شهور" يقول عبد العزيز، الذي يعيل أسرته، المكونة من زوجته وأبنائه الثلاثة، مما يعثر عليه في بطن هذه الأرض.

وتقول حسناء الشناوي، من "جميعة حماية الثرات الجيولوجي بالمغرب"، إن "أرفود مشهورة في العالم بأسره بتجارة الأحفوريات"، وتضيف أستاذة الجيولوجيا بجامعة الحسن الثاني، أن المغرب، الذي كان "مفصلا بين القارتين المكونتين إفريقيا وأمريكا، عرف محاولة فاشلة لميلاد محيط قبل ظهور الأطلسي. وبالتالي فالكثير من الحيوانات والنباتات تعرضت للانقراض المكثف وتحولت إلى الأحفوريات التي يتم العثور عليها اليوم". هذا المتحف المفتوح جذب تجارة غير منظمة مكنت من إخراج آثار نفسية جدا من المغرب، مثل هيكل الديناصور الذي ظهر في مزاد علني بباريس في بحر 2017، والذي تم استرداده وإعادته إلى البلاد بعد ذلك.

يوجد عبد العزيز في بداية السلسلة الطويلة لسوق الأحفوريات. إسوة بالآلاف من الحفارين غير المرخصين، يبيع ما يعثر عليه إلى تجار محليين بالجملة. ثم بعد ذلك يتم توزيع الأحفوريات على أصحاب البازارات الذين يعيدون بيعها للسياح بعشرة أضعاف ثمنها، أو يعمدون إلى تصديرها.

ولكن الصفقات المدرة لأكبر الأرباح هي تلك التي تتم مع المتاحف والجامعات الأجنبية الباحثة عن القطع والأحفوريات النادرة. وتشكل هذه المؤسسات الجزء الأكبر من زبناء سرج كزيري، تاجر الأحفوريات الملقب بـ"جْنون". ويُعرِّفُ هذا الفرنسي (54 عاما)، الذي يقيم في المغرب من ثلاث عقود، نفسه بـ"المهرب"، ويقدر أرباحه من هذه التجارة بحوالي 100 ألف دولار سنويا (حوالي 100 مليون سنتيم).

ويقول كزيري "أفضل البيع للمتاحف الدولية حيث ستجري دراسات على هياكلي العظمية (الاحفوريات). والواقع أن معظم مقتنياتها المغربية تأتي من السوق لأن الباحثين ليس لديهم الوقت الكافي ولا الإمكانيات الضرورية للتنقيب في عين المكان". بكلمة "السوق" يعني هذا التاجر الفرنسي مجالا يستغل فيه العشرات من المصدرين غياب قانون واضح. "أقوم بعرض الصناديق المليئة بالعظام على وزارة المعادن التي تعطي موافقتها لوزارة التجارة" يقول كزيري، مشيرا بشكل ضمني إلى أنه لا يوضح أن تلك الصناديق تضم هياكل عظيمة كاملة لحيوانات منقرضة تحتاج فقط للتجميع. ويضيف "كل القطع تخرج بفاتورات شركتي المغربية أو الأمريكية. هذا ليس قانونيا ولكنه كذلك لا يخرق أي قانون". تجار أخرون يفلحون في إخراج الأحفوريات بشكل غير منظم، وعلى دفعات، وغالبا من ينقلون القطع في سياراتهم على أنها مجرد حجارة وعظام لا قيمة لها، مستغلين غياب التكوين لدى رجال الجمارك.

يقول أحمد بلخديم، مدير مديرية الجيولوجيا في وزارة المعادن "هناك مرسوم وزاري يعود إلى 1994، ويحدد البضائع التي لا يمكن تصدريها، مثل تلك القطع التي لها قيمة أثرية" وبالتالي فـ"لا يمكن أن تكون هناك موافقة على خروج العينات النادرة، مثل العظام وأثار الزواحف، أو الطيور، أو الثدييات". ولكن سرج كزيري يؤكد أنه لم يسبق أن تم منعه من إخراج أي من قطعه الأثرية. "ليس لدينا تشريع خاص بتصدير الإرث الجيولوجي" يقول متأسفا يوسف النظيفي، رئيس "جمعية حماية التراث الجيولوجي بالمغرب".

ويرد بلخديم بأنه "يجري إعداد" مشروع قانون لتنظيم التنقيب عن الأحفوريات والمتجارة فيها وتصدريها، وحظر المساس بالعينات النادرة. وينتظر التاجر الفرنسي مثل هذا القانون بفارغ الصبر لأن الالتباس القانوني الحالي يقلق زبناءه ويؤثر سلبا على أعماله. إذ تسبب هذا التنظيم المتوقع للقطاع في ركود كبير بسوق الأحفوريات. أما عبد العزيز فقد صار خبازا لضمان مداخيل منتظمة لإعالة أسرته.

بتصرف عن "ليبراسيون" الفرنسية