شبح التقويم الهيكلي يقلق والي بنك المغرب

المصطفى أزوكاح

يبدي والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري نوعا من القلق من الدعوات التي تحث على التوسع في عجز الميزانية والتضخم واللجوء للاقتراض من الخارج من أجل ضح حيوية أكثر في الاقتصاد الوطني، حيث يستحضر سنوات التقويم الهيكلي، كي يرد عليهم، داعيا إلى تفادي توفير الشروط التي تفضي إلى الخضوع لإملاءات المؤسسات المالية الدولية.

شبح التقويم

يعتبر والي بنك المغرب أنه عندما تسقط في برنامج التقويم الهيلكي يفرض عليك البنك الدولي "شروط الخزيرات"، في إشارة إلى الشروط التعجيزية التي تضعها المؤسسة المالية من أجل المواكبة المالية للبلدان التي تعاني من صعوبات جراء اختلالات توازناتها المالية.

ويحيل استعمال لفظ "شروط الخريرات" في المغرب على مؤتمر "الجزيرة الخضراء" في 1906، والذي أفضى إلى الحملة الاستعمارية التي استهدفت المغرب، والتي انتهت بالحماية.

عكس المندوب السامي في التخطيط أحمد الحليمي، يبدو الجواهري مطمئنا للأهداف المتمثلة في حصر عجز الميزانية في حدود 3 في المائة، والتضخم في حدود 2 في المائة، والمديونية في حدود 60 في المائة، ذلك هدف يتطلع إليه رغم الصعوبات التي يجدها من أجل بلوغه.

عندما يثير سنوات التقويم الهيكلي، يستحضر الجواهري تصريحات المندوب السامي في التخطيط، أحمد الحليمي، الذي كان أبرز مسؤول يدعو إلى التفكير "خارج الصندوق"، فهو يرى أن يمكن السماح بتجاوز العجز مستوى 3 في المائة، والسماح بتضخم لا يتقيد بسقف 2 في المائة، علما أن التضخم لن يتعدى 0,8 في المائة في العام الحالي، ما يعتبره بمثابة "فضيحة"، فهو يرى أن الدراسة المقارنة تشير إلى أن العديد من البلدان تسمح بتضخم يصل إلى 7 في المائة.

ويتصور المندوب السامي أن المغرب في حاجة إلى ما سبق له أن سماه بالتضخم "الجيد"، الذي يمكن أن ينعش الاقتصاد، بل إن ذلك التضخم سيتيح للدولة الوفاء بالدين الداخلي للخزينة، الذي يمثل أكثر من 51 في المائة من الناتج الداخلي الخام.

ويعتقد الحليمي أن الدين الداخلي، بالنظر للمستوى الذي بلغه، يشكل عامل إزاحة بالنسبة للقطاع الخاص، الذي  يتعذر عليه الحصول على السيولة، في الوقت نفسه الذي لا يرى أي مانع من الاستدانة من الخارج، مادام ذلك الدين لا يمثل سوى 13 في المائة من مديونية الخرينة، غير أنه يؤكد على ضرورة توجيه الدين الخارجي نحو الاستثمار، الذي يمكن أن يساهم في إضفاء حركية جديدة على الاقتصاد الوطني، بما له من تداعيات إيجابية على مستوى الموارد الجبائية.

يبدي الجواهري، الذي كان وزيرا للمالية في فترة التقويم الهيكلي بين 1981 و1986، قلقه من مثل تلك الدعوات، حيث يشير إلى أنه، في التقرير السنوي الذي رفعه للملك، اعتبر أن البعض يدعو إلى سياسات نقدية وموازنة أكثر مرونة، مشيرا إلى أنه نبه إلى أنه يجب الحذر في ما يتصل بالدين العمومي، الذي يتجاوز 80 في المائة من الناتج الداخلي الخام.

وشدد على أنه لا يجب رهن مستقبل الأجيان القادمة عبر الإمعان في الاستدانة، قبل أن يضيف: "لقد عشت برنامج التقويم الهيلكي، وأتمنى ألا يعود  المغرب مرة أخرى إلى التقويم"، معتبرا، في الوقت نفسه أنه إذا تم السماح بارتفاع معدل التضخم، فإن ذلك سيضر بالقدرة الشرائية للمواطن، معتبرا أنه لا يوجد تضخم "جيد" بالنسبة لمن يبذل المال من جيبه.

وعند تناول أداء المالية العمومية، أشار إلى أنه يمكن بلوغ عجز موازني في 3,7 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهو عجز ينتظر أن يصل إلى 3,5 في المائة، مشددا على أن وزارة الاقتصاد والمالية ملتزمة باحترام مقتضيات خط الوقاية والسيولة الذي أبرمه المغرب مع صندوق النقد الدولي.

"الكاش" ينافس الودائع

أبدى الجواهري انشغاله بتباطؤ وتيرة نمو الودائع لدى البنوك، في مقابل إقبال كبير على "الكاش"، مؤكدا على أنه أثار الموضوع مع المجموعة المهنية للبنوك بالمغرب.

ولاحظ أن وتيرة نمو الودائع البنكية انتقلت من 6 في المائة سنويا إلى 3,5 في المائة، بينما ما فتئت مساحة "الكاش"، الذي يخرج من البنوك، تتسع، حيث ارتفع من 10 ملايير إلى 17 مليارا حاليا.

وأكد على أن تراجع وتيرة نمو الودائع هم المقيمين بالمغرب والمغاربة المقيمين بالخارج، مؤكدا على أنه طلب من المجموعة المهنية لبنوك المغرب تتبع ذلك في ما يتعلق بالمغاربة المقيمين بالخارج.

وذهب إلى أن انخفاض الودائع في البنوك المغرب يمكن أن يجد تفسيره في التشريعات والمراقبة ذات الصلة بغسيل الأموال ومحاربة الإرهاب، خاصة في بلدان الاستقبال التي أضحت أكثر تشددا في الإجراءات ذات الصلة بمصدر الأموال ووجهتها.

وأكد على أن الاستراتيجية الوطنية للإدماج المالي تروم، في جزء منها، تقليص تداول "الكاش"، مشيرا إلى أن تقدما يحدث على مستوى الأداء الإلكتروني.

 سيولة رهن إشارة الأبناك

لم يتخذ مجلس البنك المركزي، أمس الثلاثاء، قرارا بخفض سعر الفائدة الرئيسي، غير أنه ارتأى اتخاذ تدبير يساعد على ضخ سيولة دائمة تفوق بقليل 11 مليار درهم في البنوك.

واعتبر المجلس أن سعر الفائدة الرئيسي، المحدد في 2,25 في المائة، لا يزال ملائما وقرر إبقاءه دون تغيير،غير أن المجلس ارتأى، بالنظر لاستمرار المستوى المرتفع لحاجيات السيولة البنكية، تقليص نسبة الاحتياطي الإلزامي من 4 في المائة إلى 2 في المائة، ما سيمكن، حسب بلاغ للبنك، من ضخ سيولة دائمة تقوق بقليل 11 مليار درهم.

وقد أشار الجواهري إلى أن البنك المركزي يقوم ببحوث حول الطلب على القروض، مشيرا إلى أنه يجرى التعرف على مستوى العرض والطلب، غير أنه أكد على أنه عندما جرى خفض معدل الفائدة الرئيسي إلى 2,25 في المائة، لم ترتفع القروض.

وذهب إلى أنه عندما يجري خفض معدل الفائدة الرئيسي، تعمد البنوك إلى خفض معدلات الفائدة المطبقة على الودائع، بينما تتريث قبل عكس ذلك الخفض على معدلات الفائدة المدينة، وهذا يضر بالمدخرين.

وقال "مساهماتنا لا تنحصر في معدل الفائدة الرئيسي، نحن مستعدون لتوفير كل السيولة اللازمة التي تحتاجها البنوك من أجل تمويل الاقتصاد"، وأضاف أنه، في حال ارتفاع الطلب على القروض بنسبة 10 في المائة مثلا، وعدم اتخاذ نمو الودائع المنحى ذاته، فإن البنك المركزي سيضع السيولة اللازمة رهن إشارة البنوك، مشددا على أن المركزي المغربي يتوفر على العديد من وسائل التدخل.