لم يعد المزارع عبد الله العكزي ينتظر التساقطات المطرية التي يمكن أن تبشر بها الأرصاد الجوية، من أجل بث الروح في مزروعات الحبوب في حقله الواقع بمنطقة الشاوية، فهو يؤكد أن انحباس الأمطار في الأسابيع الماضية، وانخفاض دراجات الحرارة، لم يساعدا على نمو المزروعات.
ويشدد العكزي أنه لا أمل في محصول من الحبوب، بالمستوى الذي جادت به الأرض في الموسمين الماضيين، ما دفعه إلى تحويل حقله إلى مرعى لأغنامه التي يتطلع إلى أن يعوض بها الخسائر التي تكبدها هذا العام.
لا يشكل العكزي استثناء بين مزارعي الحبوب، فهذا محمد الإبراهيمي، المزارع بمنطقة برشيد، يرى أن التساقطات المطرية التي تبشر بها الأرصاد الجوية لن تكون كافية، من أجل تدارك الخصاص المسجل في الأسابيع الفارطة.
يبدي الإبراهيمي ثقة كبيرة في التطبيق الذي يكشف له عبر هاتفه عن التساقطات المطرية المتوقعة، فهو يشير إلى أنها لن تتجاوز ثلاثة مليمترات في يومي الأربعاء والخميس، ويشير بعد العودة إلى ما يكشف عنه التطبيق إلى أن انحباس الأمطار سيستغرق خمسة عشرة يوما.
ما حدث في الأسابيع الماضية يرسخ لدى الإبراهيمي نوعا من الاعتقاد السائد بين المزارعين بالمغرب، فالأمطار التي تأتي في بداية الموسم الزراعي، يجب أن تبعث على نوع من التفاؤل الحذر، فالتجربة الطويلة تفيد أن تلك الأمطار يليها انحباس الغيث. التجربة عنده أصدق أنباء من الأرصاد.
هو حاسم في معتقده الذي يوحي له بأن السنة ستكون كارثية بالنسبة له ولأمثاله من المزارعين، حيث أن عدم تساقط الأمطار في " الليالي حياني"، يعلن نهاية موسم الحبوب بالنسبة للمزارعين الذين يراهنون على ما تجود به السماء. ففي تلك الليالي يعز المزارع أو يهان، كما يقول، على اعتبار أن الغيث فيها يحيي الزرع وانحباسه فيها يحكم عليه بالموت.
يرى الإبراهيمي أن محصول الحبوب بمنطقة الشاوية لن يكون في مستوى انتظارات المزارعين، عكس منطقة الغرب، التي شهدت تساقطات مطرية، وصلت في بعض المناطق إلى 20 مليمترا، غير أن العديد من المزارعين يعتبرون أنه حتى في تلك المناطق لن تشهد محصولا في المستوى الذي عرفته في 2017 و2018.
شبح عام 2016
يعتبر مسؤول جهوي بوزارة الفلاحة والصيد البحري، في تصريح لـ"تيل كيل عربي"، أن الستة أيام المقبلة ستكون حاسمة في توضيح الرؤية حول مستوى محصول الحبوب، فهو يرى أن الغرب انفرد في الموسم الحالي بظروف مناخية ملائمة.
ويذهب إلى أنه إذا ما جاء الغيث في الستة أيام المقبلة، سينعش بعض المزروعات في بعض المناطق مثل الشاوية والسايس ودكالة، وإن كان يعتبر أن المردودية، لن تأتي في مستوى الانتظارات، خاصة أن " سوناكوس"، لم تصرف سوى حوالي نصف ما توفر لديها من بذور مختارة في الموسم الحالي، علما أن وزارة الفلاحة، كانت أعلنت عن عرض في حدود مليوني قنطار في الموسم الحالي.
عند سؤال مهنيين حول محصول الحبوب المتوقع، يجيبون بأنه سيكون دون ما راهنت عليه الحكومة عندما وضعت فرضيات قانون مالية العام الحالي.
وبنت الحكومة توقعاتها على محصول حبوب متوسط في حدود 70 مليون قنطار، وهو المستوى الذي تعتمده سنويا في مشروع قانون المالية، الذي تعرضه على البرلمان في أكتوبر من كل عام، وذلك في انتظار ما ستجود به السماء من تساقطات.
في العامين الماضيين، تجاوز محصول الحبوب توقعات الحكومة، وذلك بفضل التساقطات المطرية، المنتظمة التي عرفتها المملكة، فقد وصل ذلك المحصول، حسب وزارة الفلاحة والصيد البحري، إلى 98 مليون قنطار في 2017 و103 مليون قنطار في 2018.
ويذهب مهنيان في قطاع الحبوب، فضلا عدم الكشف عن اسميهما، إلى أن محصول الحبوب سيتراوح، في حال سجلت تساقطات مطرية مهمة ومنتظمة في الأسابيع المقبلة، بين 40 و50 مليون قنطار. ذلك سيناريو متفائل في نظرهما، مشروط بالأمطار، التي سيفضي انحباسها، إلى عودة سيناريو 2016.
الإحالة على موسم 2016، يجد مبرره في كون المحصول لم يتعد 33,5 مليون قنطار، بانخفاض بنسبة 70 في المائة مقارنة مع الموسم الذي قبله، وذلك بعد تسجيل خصاص كبير على مستوى التساقطات، التي لم يسعف توزيعها الزماني والمكاني، زراعة الحبوب.
فاتورة قمح.. وحقينة
من السابق لأوانه، الحديث عن تأثيرات محتملة لانحباس الأمطار، غير الوضع الحالي، ستفضي إلى إعادة النظر في توقعات النمو في اتجاه خفضها، خاصة من قبل المندوبية السامية للتخطيط، التي كانت ترقبت، 2,9 في المائة، مقابل 3 في المائة في العام الماضي.
ويعتبىر محمد الهاكش، الكاتب العام السابق للاتحاد الوطني الفلاحي، أن الثابت أن محصول الحبوب لن يكون في مستوى العامين الماضيين، ما يدفعه إلى التأكيد على أن ذلك سيفضي إلى ارتفاع مشتريات المغرب من القمح من الخارج.
فاتورة القمح المستورد ستكون جد مرتفعة في العام المقبل، حسب الهاكش، الذي يشير إلى أن مشتريات المغرب من القمح في العام الماضي، ناهزت المليار دولار، رغم الإعلان عن محصول قياسي.
ويلاحظ أنه إذا عرف المغرب تساقطات مطرية مهمة في الأسابيع المقبلة، فإن ذلك لن يكون له تأثير كبير على محصول الحبوب، غير أنه سيساعد على توفير نوع من الكلأ الطبيعي لمربي الماشية، ناهيك عن دعم مخزون المياه الجوفية وفي السدود.
ويتجلى أن مخزون المياه في السدود، استفاد في العام الحالي، من الرصيد الذي توفر في العام الماضي، فقد وصلت حقينة السدود إلى غاية اليوم الأربعاء السادس من مارس، إلى 9,58 مليار متر معكب، مقابل 7,29 مليار متر مكعب في الفترة نفسها من العام الماضي، ما يعني أن المخزون بلغ 63,1 في المائة.
ترقب الدعم؟
لايستبعد المزارع محمد الإبراهيمي لجوء الحكومة إلى تقديم نوع من الدعم للمزارعين الصغار، إذا ما ترسخ لديها اليقين بتحقق فرضية الجفاف هذا العام.
في عام 2016، أفضى تأخر التساقطات المطرية لمدة 98 يوما منذ بداية الموسم الفلاحي، إلى استقبال الملك محمد السادس لرئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، ووزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، حيث حثهما على اتخاذ التدابير اللازمة من أجل تقليص الأضرار التي لحقت بالمزارعين، ما دفع السلطات العمومية آنذاك إلى رصد 5 ملايير درهم لمخطط مكافحة الجفاف.
وسخر ذلك الغلاف المالي لتوفر الشعير، حيث أدرج ذلك ضمن المحور الأول الرامي إلى إتاحة العلف للماشية، والتأطير الصحي لها، بينما رام المحور الثاني تأمين سقي النباتات على مساحة 93 ألف هكتار، وتوخى المحور الثالث، تزويد المناطق النائية بالماء الصالح للشرب.