شهدت مكاتب النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية بتمارة، في العاشرة من صباح اليوم (الجمعة)، مثول المجموعة الثانية (7 أشخاص) من المشتبه فيهم من أجل الانتماء إلى شبكة التهريب الدولي للكوكايين الخام التي فككها المكتب المركزي للأبحاث القضائية، أمام وكيل الملك، الذي قرر إحالتهم على قاضي التحقيق من أجل تعميق الأبحاث، وهو القرار الذي اتخذه أيضا، عصر أمس (الخميس)، في حق المجموعة الأولى المكونة من ستة مشتبه فيهم.
وكشفت مصادر قضائية لـ"تيل كيل – عربي" أن عملية تقديم المجموعة الثانية أمام النيابة العامة من قبل المكتب المركزي للأبحاث القضائية، سجلت خلالها هيأة الدفاع عن المشتبه فيهم، احتجاجها على "عدم إحضار" أحمد (ش) الملقب بروتردام، الموصوف بأنه زعيم الشبكة ويديرها من داخل السجن، رفقة مساعده الرئيسي "يوسف، د"، للمثول أمام النيابة.
وأحيل المشتبه فيهم على النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية بتمارة، وليس الوكيل العام للملك باستئنافية الرباط، بالنظر إلى أن التهم الموجهة إليهم تظل جنحا وليس جنايات، ويتعلق الأمر بخرق المبادئ الجمركية وحيازة مؤثرات عقلية وتشكيل عصابة للتهريب الدولي للمخدرات والاتجار فيها.
وجاء مثول المشتبه فيهم أمام النيابة العامة على دفعتين، لأن محققي المكتب المركزي للأبحاث القضائية، طالبوا النيابة العامة بتمديد الحراسة النظرية لسبعة من المشتبه فيهم، من أجل استكمال البحث معهم، سيما أنهم المعنيون بالتهم المتعلقة بالارتباط بعصابات "الكوكايين" في أمريكا اللاتينية، واستيراده منها، ثم نقله من جنوب المغرب، إلى ضواحي الرباط، ثم توجيهه إلى الناضور ومليلية فالدول الأوربية.
وكشفت المديرية العامة للأمن الوطني، الثلاثاء الماضي، أن المكتب المركزي للأبحاث القضائية، وبتعاون وثيق مع مصالح الشرطة القضائية في المديرية العامة للأمن الوطني، أوقف، بناء على معلومات وفرتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (المخابرات المدنية)، الاثنين الماضي، 10 أشخاص يشتبه في ارتباطهم بشبكة إجرامية منظمة تنشط في مجال الاتجار الدولي في مخدر الكوكايين، وحجز كمية قياسية من مخدر الكوكايين الخام بلغت 2 طن و588 كيلوغراما.
وأبرزت المعلومات التي أدلى بها المكتب المركزي للأبحاث القضائية، خلال ندوة صحافية، الأربعاء الماضي، أن الشبكة الأخيرة، تظل في الحقيقة، امتدادا للشبكة ذاتها التي تم تفكيكها ومحاكمتها في مراكش في 2014، إثر تعقب مصالح الأمن لأحد عمليات نقل الشبكة لكمية كبيرة من "الكوكايين" الخام من ميناء أكادير باتجاه مستودع بضيعة في ضواحي الرباط، ومداهمة الشاحنة في مدخل المدينة الحمراء.
ومكنت تلك العملية حينها، سيما التحقيقات التي أجرتها الشرطة القضائية مع "بارون" آخر اسمه "إدريس .ح"، ويلقب بـ"عمي"، من تحديد هوية رأس الشبكة، الملقب بأحمد "روتردام"، فتم إيقافه في 22 فبراير 2015 بمنزله بزنقة سيدي رضوان في حي سيدي عابد بالحسيمة، لتتم إدانته بـ10 سنوات سجنا نافذا، رفقة أشخاص آخرين، بينهم رجل شرطة بالمضيق، من أجل"تكوين شبكة متخصصة في الاتجار الدولي في المخدرات الصلبة، وتبييض الأموال، والتزوير في وثائق رسمية واستعمالها".
من يكون أحمد "روتردام"؟
ولم يتسرب بعد كل شيء عن كيفية تمكن "أحمد روتردام" من مواصلة تدبير نشاط شبكته من داخل زنزانته في سجن طنجة، لأن التحقيق مازال قانونيا محاطا بالسرية، لكن يسمح الأرشيف المتعلق بالتحقيق معه ومحاكمته في 2015، برسم ملامح "بارون" ريفي، له ارتباطات عابرة للقارات، هو الذي بدأ حياته مترجما في هولندا، ثم نادلا في مقاهي البيع القانوني للحشيش بروتردام، ثم تاجرا كبيرا للمخدرات مالكا لضيعات، وعقارات، ومستغلا لـ1000 هكتار من الأراضي السلالية عن طريق عقد كراء من وزارة الداخلية !
وتفيد معطيات التحقيق مع "روتردام" أثناء سقوط سقوط "شبكة مراكش"، الحامل للجنسية الهولندية، أنه كان يعمل مترجما في هولندا خلال الفترة (1995-1997)، قبل أن ينتقل إلى العمل في مجال الترويج القانوني للحشيش المغربي في المقاهي المرخصة، ولما اكتسب بعض الثروة، دخل في 1998 شريكا مع هولندي يتحدر من تطوان، في مقهى لترويج القنب الهندي، لتبدأ ارتباطاته بشبكات التهريب الدولي للحشيش من شمال المغرب إلى أوربا.
وخلال الفترة من 1998 إلى 2008، وبفضل عائدات الحشيش، كدس "روتردام" ثروة كبيرة، جعلته يؤسس شركة في مجال النقل الدولي للبضائع، لاستغلال أسطولها في التهريب الدولي للمخدرات، كما بدأ يبيض أمواله في بناء عقارات فاخرة بالمغرب وهولندا وإسبانيا، ولكن لما علم أن المدعي العام الهولندي، فتح بحثا في تجاوزات تتعلق بمقاهيه لترويج الحشيش، واحتمال نشاطه في التهريب الدولي للمخدرات، فر إلى إسبانيا، ما عجل بإصدار هولندا مذكرة بحث عنه وإدانته غيابيا بثمانية أعوام نافذة.
وفي إطار تنقلاته بين إسبانيا ومليلية والمغرب، ومعه أمواله التي هربها من هولندا، تعرف "روتردام"، الذي كشف أمام المحكمة في 2015 أنه يكتري بأوطاط الحاج 1000 هكتار من مجلس الوصاية على الأراضي السلالية بوزارة الداخلية، (تعرف) على بارون في مليلية ينشط في التهريب الدولي للكوكايين وترويجه، فاقترح عليه استثمار أمواله في تجارة المخدرات الصلبة، كما نصحه باستعمال هوية مزورة واستصدار جواز سفر هولندي من أجل التنقل بأمان، وهو ما تحقق له بأن اقتنى هوية مغربي مقيم بهولندا ومصاب بالسرطان يدعى "عبد الرحمان.ق"، مقابل 10 آلاف أورو.
وتبعا لذلك بدأ "روتردام" يتحرك بجواز سفر حامل لاسم "عبد الرحمان.ق" ولكنه عليه صورته الشخصية، ليبدأ منذ 2010 في التردد على شمال المغرب، حيث أسس الطريق المغربية للكوكايين الخام القادم من "كولومبيا" و"فنزويلا" باتجاه أوربا، إذ يقوم المهربون الدوليون بإيصال الشحنات بحريا على متن "يخوت" إلى سواحل الأقاليم الجنوبية للمغرب، لتتولى شبكة "روتردام" نقله إلى مستودعات في ضيعات بضواحي الرباط وبوزنيقة، باستعمال شاحنات البضائع والسمك، تمهيدا لنقلها إلى الناضور ومليلية ثم أوربا.