دراسة علمية مثيرة في المختبر قام بها باحثون من مختبر علم "جينوم" الكائنات الحية في كلية العلوم والتقنيات بطنجة، وفرع طنجة لمعهد "باستور المغرب"، المؤسسة المرتبطة بوزارة الصحة، حول المياه المستعملة من قبل 30 شركة تنشط في مجال الصناعات الغذائية بشمال المغرب، إذ جاء في نتائجها أن 40 % تستعمل مياه آبار ملوثة بمكيروبات وجراثيم، ما يستدعي إستراتيجية للمراقبة، وفرض الحصول على شهادة "إيزو 22000" شرطا للمزاولة، كما هو الحال في البلدان الصناعية الكبيرة.
الدراسة التي نشرت بالفرنسية في قاعدة المعطيات الأوربية "أوربا بي إم سي"، ولم تتداول في المغرب، تم القيام بها باعتماد منهجية استجماع 234 عينة من المياه المستعملة في 30 شركة للصناعات الغذائية في شمال المغرب، 13 منها تتزود بالماء من الشبكة العمومية للماء الصالح للشرب، و13 تستعمل آبارا خاصة بها، واثنتان تستعملان مياه الشبكة العمومية والآبار الذاتية في الوقت ذاته.
وتم أخذ العينات المذكورة مرتين في السنة خلال 30 شهرا، مرة في الصيف، ومرة في الشتاء، بالنسبة إلى الآبار، مقابل 3 مرات في السنة بالنسبة إلى التي تستعمل الشبكة العمومية للماء، وفي موقعين من كل شركة: مخرج مياه الشبكة العمومية، ومدخلها إلى المقاولة، وبعدها تم نقل العينات في الظروف العلمية المعتمدة دوليا، وإخضاعها للتحليل في أقل من 8 ساعات على جمعها في المختبر.
وانطلق معدو الدراسة العلمية من قضية بديهية هي أن "السياق الاقتصادي الدولي الحالي يفرض تنافسا حادا بين مقاولات الصناعات الغذائية، إذ عليها أن ترضي زبنائها واقتراح منتوجات بجودة عالية، وهي الجودة التي يمكن أن تتأثر بتسرب الجراثيم إلى المنتوجات من خلال الماء المستعمل في دورة الإنتاج، إذا لم يتم احترام شروط النظافة في مصدر تلك المادة".
وتبعا لذلك، تم إخضاع العينات لتحاليل بيولوجية خاصة بقياس جودة المياه المستعملة في الصناعات الغذائية بشمال المغرب، من أجل البحث، أساسا، عن جراثيم القولونيات البرازية، والمكورات المعوية، والكائنات اللاهوائية، والزائفة الزنجارية، والكائنات الحية القابلة للحياة، وفيروس "السامونيلا".
إقرأ أيضا: سحب حليب أطفال فرنسي سام بـ"السالمونيلا"... تحذير للأسر المغربية (+وثيقة)
وفي النتائج، أثبتت الدراسة في ما يخص مياه الشبكة العمومية، الغياب التام للجراثيم المسؤولة عن عدم مطابقة المياه للمعايير الصحية الوطنية، سواء في مدخل شبكة التزود أو في مخرجها، وأبرزت أنها مياه ذات جودة مريحة، أما مياه الآبار التي تستعملها 20 مقاولة من أصل الـ30بشكل رئيسي في صناعاتها، فعدد منها ملوث.
وفي هذا الشأن، أوضحت الدراسة أن الشركات الـ20 التي تستعمل مياه الآبار، كلها موجودة في مناطق قروية، وتقوم بمراقبة موسمية لتلك الآبار، و14 منها معامل مرتبطة بضيعات لقطاع الدواجن، وتزاول أنشطة متعددة في الصناعة الغذائية، فجاء في النتائج أن 7 منها، مياه آبارها مرضية وتتوفر فيها المعايير، مقابل 7 أخرى غير مطابقة مياهها للمعايير، ويعود ذلك إلى تلوث مياهها، بجراثيم القولونيات البرازية، والمكورات المعوية، والكائنات الحية الجزيئية القابلة للحياة، سيما خلال فترة بداية الشتاء، و موسم الصيف.
إقرأ أيضا: 'الْكَاشِّيرْ'' مواد مسرطنة.. وضغوط من أجل الصمت
وبخصوص الشركات الستة (6) المتبقية، التي تستعمل مياه الآبار وتنشط في صناعات غذائية من غير الدواجن، فقد تبين أنه عينة واحدة بين كل ستة من مياهها تتوفر فيها المعايير الصحية، ويعود ذلك إلى العثور فيها على جراثيم القولونيات البرازية، والمكورات المعيوية.
وفي المقابل لم ترصد الدراسة وجود الجراثيم المسببة للأمراض الخطيرة، من قبيل "السالمونيلا"، لينتهي الباحثون في الخلاصة أن مياه الشبكة العمومية المستعملة من قبل 60 % من الشركات جيد، لذلك أغلبية الشركة تكتفي بمراقبته عند مخرج الشبكة وتنأى بنفسها عن مراقبته في مدخله إلى المعمل، لكن في المقابل 40 % من الآبار التي شملتها الدراسة ملوثة، حيث تم رصد الجراثيم والميكروبات المذكورة فيها، خصوصا في موسمي الصيف والشتاء.
إقرأ أيضا: دراسة وطنية.. 6 وجبات سريعة بالمغرب تشكل خطرا على الصحة
وفيما اعتبر الباحثون، الذين لم يكشفوا أسماء الشركات، وصرحوا ألا وجود لتضارب مصالح بينهم وبين المقاولات المشمولة بالدراسة، أن السبب في انتشار الجراثيم خلال الشتاء يعود إلى مياه الأمطار فيرتفع تركيز تلك المكونات التلويثية، في حين يعود السبب في الصيف إلى ارتفاع درجة الحرارة، أوصوا باعتماد إستراتيجية للحد من أي مخاطر تتعلق باحتمال تسرب تلك "البكتيريا" الموجودة في المياه الملوثة إلى المنتوجات الغذائية لتلك الشركات.
وبينما ذكرت الدراسة بالاهتمام الكبير الذي توليه منظمة الصحة العالمية لسلامة المياه المستعملة في دورة الإنتاج بالصناعات الغذائية، وأقرت عدد من المعايير، أثاروا الانتباه إلى أن الدول الصناعية، تفرض على معامل الصناعات الغذائية الحصول على شهادة "إيزو 22000" المتعلقة بإدارة سلامة الأغذية.