شهدت المنافسة العالمية بين أمريكا والصين تصاعدا مطردا على مدار العقد المنقضي؛ حيث أدى انفتاح الصين المتزايد على العالم – لا سيما عبر مبادرة الحزام والطريق – إلى تعامل اقتصادي أكبر بكثير، مع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي الوقت نفسه، تستمر أمريكا في الانسحاب من المنطقة، مع التركيز على التوجه نحو آسيا. فكيف أثرت هذه التطورات على آراء المغاربة تجاه البلدين، حسب تقرير نشرته الشبكة البحثية "الباروميتر العربي" بجامعة برينستون الأمريكية، حول "المنافسة الأمريكية - الصينية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، بين عامي 2021 و2022؟
علاقات اقتصادية أقوى مع الصين أم أمريكا؟
رغم أن المغاربة لديهم آراء إيجابية نحو الصين بشكل عام، إلا أنهم لم يعلنوا عن رغبتهم في علاقات اقتصادية أقوى معها؛ حيث بلغت نسبة الراغبين في ذلك إلى 36 في المائة فقط؛ وهي النسبة التي تراجعت منذ إجراء استطلاع الباروميتر العربي في 2018-2019، بواقع 13 نقطة مئوية.
على النقيض من الصين، لم يشهد الدعم لتقوية العلاقات الاقتصادية مع أمريكا تغيرات تذكر، مقارنة باستطلاع 2018-2019؛ حيث بلغت نسبة الراغبين في ذلك إلى 42 في المائة؛ وهي النسبة التي تراجعت بواقع نقطة مئوية واحدة فقط.
ويعد الشباب في المغرب أكثر إقبالا على القول بتقوية العلاقات الاقتصادية مع أمريكا، بواقع 17 نقطة مئوية، مقارنة بالفئة 30 عاما فأكبر.
تهديد القوتين الأمريكية والصينية
رغم أن تجارة الصين مع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تفوق مثيلتها الأمريكية، إلا أن المغاربة لازالوا أقل إقبالا على اعتبار التوسع الاقتصادي الصيني تهديدا لدولهم، وذلك بنسبة 21 في المائة. في حين بلغت نسبة المغاربة الذين يرون في القوة الاقتصادية الأمريكية تهديدا خطرا 22 في المائة.
المساعدات الأمريكية والصينية
اعتبر الاستطلاع أن المغرب استثناء بهذا الخصوص؛ حيث سجل أن 1 من كل 5 مغاربة فقط ذكر أن كسب النفوذ هو السبب الرئيسي لتقديم المساعدات الأمريكية لدولتهم. في حين كان الدافع الثاني في الأهمية وراء هذا الدعم، بالنسبة لـ24 في المائة منهم، هو التنمية الاقتصادية، بينما حين رأى 20 في المائة أن الدافع الثالث هو تحسين حياة المواطنين.
أما بالنسبة إلى الصين، فالنمط مماثل إلى حد ما؛ حيث كان كسب النفوذ هو الدافع الغالب في تقدير 22 في المائة من المغاربة، لتقديم الصين دعما لبلدهم. وكما هو الأمر بالنسبة للمساعدات الأمريكية، كانت التنمية الاقتصادية هي الدافع الثاني من حيث الأهمية. بينما تم ذكر تحسين حياة المواطن العادي، كهدف ثالث، بنسبة 19 في المائة.
التواجد الاقتصادي
طرح الاستطلاع سؤالا عن جنسية الشركة الأجنبية التي يفضلها المواطن المغربي لتنفيذ المشاريع، فضلا عن عدد من التصورات التفصيلية الأخرى حول مختلف جوانب الأمر؛ مثل التكلفة، والجودة، والفساد.
وكانت الدول الأجنبية المشمولة كخيارات؛ هي الصين، وأمريكا، وألمانيا، وتركيا، وفرنسا، بالإضافة إلى دول سبق واستعمرت المغرب.
وظهر أن التصورات حول الاستثمارات الصينية ليست إيجابية، بشكل عام، مقارنة مثلا بالدول الأخرى، فيما يخص عددا من القياسات.
على سبيل المثال، لدى السؤال عن دولة منشأ الشركة التي قد تبني أقل المشاريع جودة، قال 22 في المائة من المغاربة إنها الصين. بالمقارنة، كانت الشركة الألمانية هي الأفضل سمعة.
ولدى السؤال عن منشأ الشركة التي قد تبني المشروع الأعلى تكلفة، كان الرد هو أمريكا أو ألمانيا.
على أن المواطنين يعون بأن الجودة الأعلى تأتي مصحوبة بالتكلفة الأعلى؛ إذ أوضح 43 في المائة أن الشركة الصينية هي التي يرجح أن تبني أرخص المشروعات، وكانوا الأقل إقبالا على قول ذلك من بين الدول التسع التي شملها الاستطلاع (العراق، فلسطين، السودان، الأردن، موريتانيا، تونس، ليبيا، لبنان، المغرب).
ولدى سؤالهم عن الدولة التي تصنع أفضل المنتجات جودة، من بين الدول الخمس المختارة، كانت ألمانيا الأفضل سمعة بالنسبة لـ34 في المائة من المغاربة، تليها أمريكا بالنسبة لـ23 في المائة، ثم تركيا بالنسبة لـ18 في المائة، فالصين بالنسبة لـ14 في المائة، وفرنسا بالنسبة لـ6 في المائة.
أما عن الدولة التي تصنع أسوء المنتجات جودة، فاختار 32 في المائة من المغاربة الصين على رأس القائمة، فيما 16 في المائة اختاروا ألمانيا وتركيا، و14 في المائة قالوا أمريكا، و8 في المائة فرنسا.
أما بخصوص الدولة التي تصنع المنتجات بأقل تكلفة، فرأى 43 في المائة من المغاربة أنها الصين، فيما قال 22 في المائة تركيا، و14 في المائة ألمانيا، و8 في المائة اختاروا أمريكا، و5 في المائة فرنسا.
وبخصوص الدولة التي تصنع المنتجات بأكبر تكلفة، فقال 27 في المائة من المغاربة ألمانيا، بينما اختار 25 في المائة أمريكا، و20 في المائة الصين، و12 في المائة قالوا تركيا، و9 في المائة فرنسا.
ونظرا لانتشار وعمق القلق إزاء الفساد، فإن مسألة استخدام دولة أجنبية للرشاوى للحصول على عقد تعد قضية مثيرة لاهتمام العديد من المواطنين.
ولدى السؤال عن دولة منشأ الشركة الأقل احتمالا لأن تدفع رشاوى ضمن عملية الحصول على العقد، رأى 19 في المائة من المغاربة أن ألمانيا وأمريكا هما الأقل إقبالا على الموضوع، بينما اختار 18 في المائة الصين، و16 في المائة تركيا، و12 في المائة قالوا فرنسا.
في الوقت نفسه، تبين أن تصورات المغاربة تدور حول أن الشركة أمريكية المنشأ هي الأكثر استعدادا لدفع رشاوى للفوز بالعقد، بنسبة 18 في المائة، بينما رأى 17 في المائة منهم أنها الصين، فيما اختار 16 في المائة فرنسا، و14 في المائة قالوا تركيا، و13 في المائة ألمانيا.
وبخصوص تصوراتهم حول دولة منشأ الشركة التي يفضلون أن تحصل على العقد، كانت الإجابة الأولى بالنسبة لـ28 في المائة من المغاربة هي ألمانيا، بينما اختار 23 في المائة أمريكا، و19 في المائة قالوا تركيا، و13 في المائة الصين، و8 في المائة فرنسا.
ثمة قياس آخر للتعامل الاقتصادي، هو دولة المنشأ التي ستدفع شركاتها أفضل رواتب وأجور للقوى العاملة المحلية.
في هذا الصدد، تأتي الشركات الأمريكية في الصدارة بالنسبة لـ30 في المائة من المغاربة، تليها الشركات الألمانية بنسبة لـ27 في المائة، ثم الشركات الصينية بالنسبة لـ16 في المائة، فالشركات التركية بالنسبة لـ13 في المائة، والشركات الفرنسية بالنسبة لـ6 في المائة.
ولدى السؤال بشكل أعم عن دولة منشأ الشركة التي ستعامل القوى العاملة المحلية أفضل معاملة، كانت الإجابة بالنسبة لـ29 في المائة من المغاربة، هي الشركة الألمانية، تليها الشركة التركية بالنسبة لـ21 في المائة، ثم الشركة الأمريكية بالنسبة لـ18 في المائة، فالصينية بالنسبة لـ15 في المائة، والفرنسية بالنسبة لـ7 في المائة.
القضايا السياسية
ثمة جملة من القضايا السياسية التي من شأنها التأثير على تصورات المواطنين إزاء أمريكا والصين.
وفي حالة الصين، قال 28 في المائة من المغاربة إنهم يتابعون باهتمام (بالغ أو لا بأس به)، الأخبار المتعلقة بمعاملة الصين القاسية للإيغور والأقليات المسلمة.
أما النسبة إلى أمريكا، فقال 31 في المائة من المغاربة إنهم يفضلون التطبيع مع إسرائيل، في إطار اتفاقات أبراهام المدعومة من طرف واشنطن. بينما أعرب 27 في المائة عن اهتمامهم بمتابعة الأخبار المتعلقة بهذا الموضوع.
شعبية أمريكا مقابل شعبية الصين
وفق تقرير الشبكة البحثية "الباروميتر العربي"، فإنه من بين الدول التسع التي شملها الاستطلاع، كان المغرب هو البلد الوحيد الذي تتمتع فيه أمريكا بشعبية أكبر قياسا إلى الصين.
وحسب نفس المصدر، فبنسبة 64 في المائة، قال المغاربة إنهم راضون جدا عن الصين أو راضون عنها، مقسمة ما بين شريحة 30 عاما فأكبر، بنسبة 67 في المائة، والشباب المتراوحة أعمارهم بين 18 و29 سنة، بنسبة 64 في المائة.
بالمقابل، حمل 69 في المائة من المغاربة آراء إيجابية نحو أمريكا. كما لوحظ أن الشريحة العمرية 18-29 تقبل على تفضيلها (70 في المائة)، مقارنة بالمواطنين 30 عاما فأكبر (66 في المائة).