مرة أخرى، سيكون على الناخبين بمدينة اسطنبول، التوجه يومه الأحد الى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، وذلك بعدما قررت اللجنة العليا للانتخابات إلغاء نتائج اقتراع 31 مارس ،الذي فاز به مرشح المعارضة أكرم إمام أغلو على حساب منافسه مرشح الحزب الحاكم بنعلي يلدرم.
ومرة أخرى يحظى هذا الاستحقاق بمتابعة محلية ودولية هامة، ليس بالنظر إلى الأهمية السياسية والاقتصادية للمدينة فقط، ولكن لكونها المرة الأولى التي تلغى فيها نتائج الانتخابات المحلية للمدينة بعد الطعون التي تقدم بها حزب العدالة والتنمية الحاكم ، إثر إعلان إمام أوغلو فائزا بنسبة ضئيلة من الاصوات، بلغت 48,77 لإمام أوغلو، و48,61 في المئة لرئيس الوزراء ورئيس البرلمان السابق بن علي يلدرم.
فطيلة ثلاثة أشهر ، وهي الفترة الفاصلة بين الإعلان عن نتائج الانتخابات الأولى وحلول موعد انتخابات الإعادة، احتدم النقاش بين مختلف أطياف المشهد السياسي حول برنامج المرشحين لتدبير شؤون المدينة والرقي بالخدمات المقدمة للمواطن، وأيضا عن مدى قوة الحيثيات القانونية لقرار إعادة الانتخابات.
وعلى الرغم من أن شوارع إسطنبول وساحاتها العمومية كانت على موعد جديد مع الحملة الانتخابية، بأساليبها التقليدية من صور للمرشحين وأعلام الحزبين..، إلا أن المرشحين الرئيسيين ركزا على إقناع الناخب بموقفهما من قرار إعادة الانتخابات.
وحسب المتتبعين للشأن المحلي، فقد كان لزاما على مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم الدفاع عن قرار اللجنة الانتخابية واستقلاليتها في اتخاذ القرار، إذ جعل يلدريم من جميع لقاءاته مع المواطنين فرصة للتأكيد على المسوغات القانون لقرار الإعادة، وعلى أن المعارضة رفضت المساعدة على التحقق من سلامة عملية الاقتراع التي شهدت العديد من "التجاوزات"، ما جعل اللجنة تتخذ ذلك القرار.
أما حزب الشعب الجمهوري ومرشحه إمام أوغلو ، فقد أكد أن الانتخابات المعادة "كفاح من أجل الديمقراطية وليست مجرد انتخابات محلية"، موظفا ورقة "المظلومية" لكسب تعاطف الناخبين وأصواتهم في جولة الإعادة.
وأوضح هؤلاء أن كلا المرشحين خاض هذه الحملة باستراتيجية مختلفة، وكلاهما يدرك جيدا أن الناخب غير مستعد لتلقي الخطب بشأن برامجهما حول تخفيض أسعار فواتير المياه والكهرباء والمواصلات وتوسيع المناطق الخضراء، فقد سبق أن حدد اختياره، مسجلين أن النقاش انتقل إلى مستوى آخر يهم الممارسة الديموقراطية للبلاد، والرهان سيكون على الناخب المتردد.
وبالفعل، فقد اتضح هذا المعطى جليا في المناظرة التلفزية التي جمعت بين المرشحين يوم الأحد الماضي قبل أسبوع من جولة الإعادة ، إذ كما كان متوقعا راهن بن علي يلدرم وأكرم إمام أوغلو على إقناع فئة الناخبين "المترددين"، في ظل التقارب الكبير الذي وسم نتائج الانتخابات الملغاة.
محطة يوم غد ستكون، إذن، حاسمة بالنسبة للحزبين معا، فإما أن ينتزع مرشح حزب المعارضة، وهو سياسي في مقتبل العمر، رئاسة بلدية مدينة كإسطنبول بثقلها السياسي وإمكانياتها الاقتصادية، من حزب حافظ عليها منذ سنة 1994، وبالمقابل أن يسترجع مرشح من حجم يلدرم بتجربته لا ينكرها أحد، هو أيضا رهان مصيري سيكشف عن مدى قدرة الحزب الحاكم على الحفاظ على قلعته الانتخابية.
لكن الأهم في انتخابات جولة الإعادة هو الأجواء التي ستمر فيها وعدم التشكيك في نزاهتها وقبول نتائجها من طرف مختلف أطياف المشهد السياسي، لما سيكون لذلك من انعكاس مباشرة على صورة التجربة الديمقراطية للبلاد.