"ماذا يعني أن أكون أما عازبة في المغرب؟"، تصمت، وتنصت إلى نفسها، ثم تذرف دمعة حارقة، فتمسحها، لتضيف بصوت مخنوق منتحب: "مأساة ومعاناة لا تنتهي، أتعرض لكافة أشكال العنف والتمييز في الحي والشارع والعمل والإدارة، ولمجرد أن يعرف أحدهم قصتي، يخيل إليه أنني فريسة سهلة فيتحرش بي جنسيا. يصيبني الأرق والقلق وأكتئب أياما وأسابيع، فأفكر في الانتحار، قبل أن أعاود النهوض. نادرون في 2017 من يساندونني، وعلى كل، أنا أقاوم أحكاما متجددة بالإدانة عن خطأ لست الوحيدة المسؤولة عنه".
تدعى فاطمة، وعمرها 49 سنة، درست بعد الباكلوريا في الجامعة سنتين في تخصص القانون العام، ومنذ 17 سنة وهي أم عازبة لابن يدرس حاليا في الثانوية، وتعد آخر واحدة اعتلت كرسي البوح أمام "تيل كيل"، في مكتب المساعدة الاجتماعية بمركز التحدي للمواطنة، التابع لجمعية التحدي للبيئة بدرب غلف، الحي الشعبي الذي يعد من قلاع الهشاشة الاجتماعية وسط "الميتروبول".
ولم تختلف حيثيات سقوط فاطمة، المولودة في الجنوب وسط أسرة ثرية ومحافظة، في خندق نار ملتهبة، حطبها "النفاق والفصام الاجتماعي للمغاربة" مدعوما بـ"العنف القانوني"، ومعاناتها، وأمراضها، وخلاصاتها، مع ما باحت به مريم، من مواليد 1993، والتي درست بدورها في كلية الحقوق، ثم معهد خاص للإعلاميات، فمدرسة للممرضين، وعائشة، التي رأت النور في 1997، وانقطعت عن الدراسة في الثالثة إعدادي، وخديجة (28 سنة)، التي كانت عاملة في مصنع للنسيج.
وتشكل الحالات الأربع، مجرد شخصيات فريدة في هذا المتن، لأن المعطيات المتوفرة، تشير إلى أن مجموعهن في المغرب، وإلى غاية 2009، لا يقل عن 27200 أم عازبة تم إحصاؤهن رسميا من قبل جمعية إنصاف، 60 % منهن تقل أعمارهن عن 26 سنة، ومعظمهن يعملن في مهن غير منظمة، من قبيل العمل المنزلي، ولهن مستوى تعليمي متدن، و65 % أنجبن مرة واحدة، مقابل 14 % مرتين، و10 % ثلاث مرات، و11 % أربع مرات أو أكثر.
وتوجد أرقام أخرى لـجمعية التضامن النسائي، التي تقودها عائشة الشنا، تفيد أن العدد أكبر بكثير، ويصل إلى 220 ألف أم عازبة على الأقل، ويشهد المغرب يوميا إنجاب 24 طفلا خارج إطار الزواج.
"خطيئة العشق"
أغلب القصص تبدأ بلقاء عابر ينتهي بابتلاع الطعم والسقوط في المصيدة، قد يكون تحرشا جنسيا من قبل رجل في الشارع، كما هو الحال بالنسبة إلى عائشة وخديجة، أو صداقة في العمل تتطور إلى علاقة حب، كما حدث لمريم، أو حب جامح في رحاب الكلية مع طالب آخر، ثم يتوج المسلسل، بعد شهر، أو بعد سنة، أو خمس، بسقوط الطرفين في "الخطيئة"، التي يعلم الجميع بانتشارها، واستحالة تفاديها، لكنه يرفضها ويصر على نكرانها.
جاءت فاطمة من بلدة بالجنوب إلى الدار البيضاء، رفقة أسرتها في 1972، كان عمرها حينها أربع سنوات ونصف، "كانت أسرتي محافظة جدا، عندما أذهب إلى الثانوية أو أعود منها لابد أن ينتبه أصدقائي أن شخصا راشدا يتبعني، حينما ألتفت، أجده أحد أقربائي، واستمر الأمر على ذلك النحو، حتى حينما ولجت الكلية، فلم أشعر يوما بأنهم يثقون بي، وهو ما لم أكن أطيقه، ودخلت ورغم كل شيء في علاقات بريئة ككل الفتيات".
وكانت العلاقة العاطفية الجدية التي قلبت حياة فاطمة رأسا على عقب، تربطها بطالب جامعي، دامت خمس سنوات شيدا خلالها كثيرا من الأحلام ورسما خططا مستقبلية، "بعد تخرجه ألح على الزواج، وقلت له أنت تعرف جيدا القاعدة: عليك أن تقصد بيتنا، ولم يتردد في ذلك، لكن أسرتي لم تتقبل أن يأتي رفقة أخته، وألحوا على حضور فرد أكبر سنا من بين أقربائه، حتى وإن كان يتيما، لكن سيتبين في ما بعد أن المانع الحقيقي هو أنه ليس أمازيغيا"، لكن فاطمة تشبثت به وشقت معه طريقا بعيدا عن عائلتها.
أما مريم، التي تضع "الفولار" على رأسها، فترعرعت وسط أسرة متوسطة، ربها أب "منصت وصديق لأبنائه"، وكانت "من النوع الذي لا يهتم إلا بدراسته ولا شيء آخر، وينفر من العلاقات العاطفية البريئة في فترة المراهقة، فيضرب بي المثل في محيطي وتتمنى النساء ابنة تشبهني، إلى حدود اللحظة التي وقعت فيها في الفخ، وانضاف اسمي إلى سجل آلاف الأمهات العازبات بالمغرب".
حدث ذلك في صيف 2015، حسب مريم، إذ "علمت زوجة خالي أنني مولعة بالطبخ وصناعة الحلويات، فاقترحت علي الانشغال خلال عطلة الصيف في مخبزة معروفة لتعلم وصفات واكتساب أسرار حول صناعة أريدها هواية، وهناك وجدت شابا عمره 30 سنة، كان رئيسا للمعدين في المخبزة (شاف باتيسري)، وبدأت أتعلم على يده، ثم تطور الأمر إلى صداقة ممتدة إلى خارج مقر عمله، فتنامت الأحاسيس واستطاع إيهامي بالزواج، فأوقعني في الخطيئة".
وتشترك عائشة الشقراء (20 سنة) وخديجة السمراء (28 سنة) في أن الاستسلام للتحرش في الشارع العام هو مبتدأ قصتيهما نحو الأمومة بدون زواج. وبالنسبة إلى الأولى، فقد سقطت، وهي حينها قاصر تدرس في السنة الأخيرة من الإعدادي في شراك شاب من حيها، وصلته أصداء اجتهادها الدراسي وسمعتها الجيدة وسط الحي الشعبي، وهو قيد "الاعتقال" في إصلاحية للجانحين، فقال لزملائه "أعرفها، وستكون من نصيبي"، وبمجرد إطلاق سراحه، بدأ يتربص بها في الشارع وأوقعها في شباكه.
وكان الشاب المعروف بسوابقه في الجنوح، متواطئا مع والدته التي تريد زوجة قاصرة في بيتها لاستغلالها خادمة، فأرشدته إلى حيلة إقناع القاصر المغرر بها بالهروب معه بغرض فرض الأمر الواقع على أسرتها، فكانت الوجهة بيت شقيقه ببرشيد، ومنذ تلك اللحظة دخلت عائشة، في دائرة مغلقة طولها، إلى حدود الآن، ست سنوات، وتجري داخلها أحداث متشابهة ومتكررة مع الشخص نفسه.
أما خديجة، عاملة النسيج، فسقطت في الخطيئة، مباشرة بعد وفاة والدها في 2012، وتركها رفقة شقيقتها الصغرى، تحت رحمة زوجة ثالثة لم تكن أحسن من الثانية التي ذاقا معها ما لا يخطر على بال بعد وفاة والدتهما، ما أهلها لتكون فريسة سهلة لأول رجل يعدها بالزواج، لعله يعتق رقبتهاهو الذي تحرش بها في الشارع، فتفاعلت معه، وتبادلا روابط الاتصال، ليدخلا في علاقة عاطفية خارج إطار الزواج، علما أنه كان تلميذا في السنة الأخيرة من الباكالوريا ولا يملك شيئا.
ودائما ما يقف الوعد بالزواج وراء "الخطيئة" لدى أغلبية الحالات، إذ تشير دراسة في صفوف 330 أما عازبة، أنجزتها المؤسسة الوطنية للتضامن مع النساء في وضعية صعبة (إنصاف) في 2005، أن نسبة 41 في المائة من الفتيات صرن أمهات عازبات، بسبب علاقة غرامية مع وعد بالزواج، مقابل 36 في المائة بسبب علاقة غرامية بدون هدف الارتباط، و11 في المائة بسبب الاغتصاب، مقابل 12 في المائة حبلن أثناء عمليات جنسية ترتبط بعملهن كمومسات.
فرار "الجبان"
كانت تلك حيثيات الطريق نحو "الخطيئة" التي "لا تغتفر"، أما المعاناة فبالكاد بدأت بفرار الرجل الجبان، وهذا ما تحكيه فاطمة، أكبرهن سنا، بالقول: "كانت قد مرت ثمانية أشهر على هروبنا الكبير، واكتشفت أنني حامل بالتزامن مع نفاذ مدخراتنا المالية، ولما أخبرته، ونحن في المحطة الطرقية ببلدة نواحي مراكش، اصفر وجهه، ووضع رأسه بين يديه، صمت لحظات ثم قال بارتباك: لا أريده، و أقترح التخلص منه إذا استطعنا، أما الحل الثاني فهو أن نجد ملاذا إلى حين إنجابه ثم نعطيه لأحد الأسر".
ولم تتقبل فاطمة جواب رفيقها، فأجابته بصلابة توهمتها: "من هنا نتفارقو"، فتوجت رأسا نحو المحطة وعادت إلى الدار البيضاء في أول حافلة، فأمضت ليلتها كأي متشردة في محطة أولاد زيان، وفي الصباح قصدت مخدع الهاتف وطلبت دليل أرقام الهاتف بالبيضاء، و"بدأت أفتش عن جمعيات تهتم بقضايا المرأة، فوقعت على رقم الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة (تأسست في 1993)، ركبته، فأجابتني الناشطة بشرى عبدو، مديرة مركز التحدي للمواطنة، التي أحكي لكم قصتي الآن داخل مكتبها".
أرشدت بشرى عبدو، الناشطة النسائية المعروفة، فاطمة إلى مقر الرابطة، فحكت لها كل شيء، ثم كتبت رسالة توصية ووضعتها في ظرف، وأرسلتها إلى مركز لإيواء الحالات المشابهة، كان تابعا للكنيسة المسيحية في منطقة الصخور السوداء بالبيضاء (روش)، وتشرف عليه الراهبات المسيحيات، وهناك ظلت فاطمة إلى داهمها المخاض، فتم حملها إلى مستشفى عمومي، تعرضت فيه الحامل لممارسات رهيبة، مازالت تحمل ندوبها على جسدها إلى الآن.
وبعد خمسة أيام في المستشفى، عادت فاطمة إلى دار الراهبات، واعتنين بها إلى أن عثرت على العمل مساعدة منزلية لأحد الأسر، ثم مربية في مدرسة خاصة، فاكترت بيتا تعيش فيه رفقة ابنها، أما "الجبان"، فلن يظهر إلا بعد أن بلغ ابني 11 سنة، "صعدت إلى سيارة أجرة صغيرة رفقة ابني، فوجدناه داخلها، تفاجأ، وتوجهنا إلى مقهى، وهو اللقاء الذي لم يتردد خلاله في إبداء عدم نيته الاعتراف بالأبوة، واقترح في المقابل تجديد علاقتنا، فانسحبت، وكانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي رأى فيها ابني، البالغ الآن 17 سنة، والده".
أما مريم، فقد حبلت من "الشاف باتيسري" في اللقاء الجنسي السطحي الأول، بعدما استطاع استدراجها بأن دعاها إلى معاينة الشقة التي ستأوي أحلامهما في حي الرحمة، "اعتقدت في البداية أن اضطراب الدورة الشهرية هو الذي استأنفني بعد سنوات من علاجه، ولما تذكرت نصيحة الطبيبة حول خصوصيتي الجسدية، انتابتني شكوك وقوع الحمل، فتوجهت إلى الصيدلية، واقتنيت الاختبار المنزلي للحمل فتأكدت أنني حامل، ولما أخبرت حبيبي، قال لي: نعطيك الفلوس وحيديه، وبعد ذلك، غير رقمه، وتخلى عن عمله، واختفى".
وفيما وضعت مريم في المستشفى العمومي، وتفهمت أسرتها وضعيتها الجديدة أما عازبة، "رغم ضغوط الأقارب ومقاطعتهم لوالدي لأنهما رفضا طردي"، وجدت عائشة نفسها بعد فرض واقع زواجها المبكر ودون توثيق على أسرتها، أما لطفل ولد من صلب شاب يحترف السرقة بالعنف والاتجار بالمخدرات، وبمجرد أن يطلق سراحه، لا تمر أسابيع حتى يعود إلى السجن مجددا، تاركا فتاته لدى سجان آخر، هو أمه، باستغلال "ضرورة انتظار بلوغي السن القانونية حتى يقوم بتوثيق زواجنا، أو على الأقل الاعتراف قانونيا بابننا وتسجيله في الحالة المدنية".
اليتيمة خديحة، العاملة في مصنع النسيج، وبعدما استجابت لتحرش تلميذ عمره 19 سنة في الشارع، ارتبطت به من 2012 إلى 2015، التاريخ الذي حبلت فيه منه، وهو النبأ الذي رد عليه، قبل أن يختفي، "أنت تكذبين ولابد أن تكون لك علاقات أخرى. ليس ابني، وحتى إذا كان كذلك، انتظري إلى حين ولادته بعدها نتأكد من نسبه بالطرق القانونية"، فلم تجد حلا، من غير كتمان السر إلى أن حل موعد الولادة.
بماذا يفسر "فرار الرجل"، بوصف ذلك القاسم المشترك بين أغلبية القصص؟ كثير من الضحايا يرجعن ذلك إلى أن الرجال الذين "غرروا" بهن، لم يكن هدفهم يوما الزواج والارتباط الدائم، بقدر ما يسعون وراء ممارسة الجنس معهن بعد إقناعهن بالوعود المعسولة، وهو ما تتفق معه الناشطة بشرى عبدو، مديرة مركز التحدي للمواطنة بدرب غلف، علاوة على اعتبارات أخرى، عناوينها الهروب من المسؤولية، والخوف، ومرجعية قيمية من إنتاج المجتمع الذكوري.
"باستثناء حالات نادرة من الرجال، اغلبهم يعتبرون أنفسهم غير مسؤولين على وقع، وبالنسبة إليهم، تظل تلك المرأة مجرد جسد تلذذوا به في مرحلة عابرة من حياتهم، وهي فقط بمثابة (عاهرة) يستحيل الارتباط بها، أما وعود الزواج والكلام المنمق الذي رأت فيه هي مشاعر صادقة وقابلته بالثقة، فكانت مجرد أداة للوصول إلى مبتغاه ممثلا في ممارسة الجنس".
ويهرب الآباء أيضا، بسبب الخوف من أسرهم "التي ترى في زواجهم من امرأة بعد حملها عارا، إذ أن المرجعية القيمية التي مازلنا للأسف نتربى عليها، تتحكم فيها عقلية ذكورية، تعتبر المرأة التي مارست الجنس خارج إطار الزواج امرأة بدون أخلاق، وهي تربية تحض على مناهضة المساواة بين الجنسين، لذلك، تتحول لحظة متعة إلى مأساة للأم العازبة ومولودها، ما ينتهي بأغلبيتهن، وأمام غياب أي بديل، إلى الخروج إلى امتهان الجنس".
معارك وسط الخراب
علاوة على الحط من كرامتهن، ونبذهن من قبل المحيط القريب والمجتمع عامة، بما في ذلك "أصحاب المنازل الذين يقبلون أموالهن مقابل تمكينهن من غرف للكراء في الأحياء الشعبية، من قبيل درب غلف والحي الحسني بالبيضاء"، تجمع الأمهات العازبات اللواتي تحدثت إليهن "تيل كيل"، وتساندهن في ذلك مديرة مركز التحدي للمواطنة، الذي يمول برامج مساعدتهن بفضل الدعم الألماني، على أن أقسى شيء، هو عنف الدولة، وتحديدا ما يسمى "العنف القانوني".
وفي هذا الصدد، تقول فاطمة، الأم العازبة منذ 17 سنة، التي تظل، حسب مديرة مركز التحدي، "نموذجا ناجحا"، حق ابنها في الهوية القانونية، "إذ بعدما كانوا في أقسام الحالة المدنية، لا يترددون في وضع عارضة أو علامة إكس في خانة اللقب العائلي، صاروا يفرضون اختيار اسم عبد من عباد الله، وحتى إذا اخترت اسما عائليا قريبا من الاسم العائلي للأم أو الأب، يرفضونه، وعندما يكبر الابن، ويستصدر بطاقة التعريف الوطنية، يظل يوميا يعاين أنه من أب مجهول أو رافض للاعتراف به، وبمجرد أن يقف في نقطة تنقيط أمنية، أو يضع نسخة منها لدى الإدارة، تنكشف قصة أمه والظروف التي ولد فيها".
وتؤكد بشرى عبدو، ذلك المعطى المتعلق الذي ينتهك الحق في النسيان، بالقول: "عندما نذهب بإحداهن إلى أقسام الحالة المدنية لتسجيل المولود، بعد استصدار عدد من الوثائق، يحرمهن ضباط أقسام الحالة المدنية من حرية اختيار الاسم واللقب، وكلما تعلق الأمر بالاسم العائلي، يعودون إلى سجل كبير من الأسماء العائلية، فيجرون بحثا فيه، وغالبا ما يقولون: عليها أنت تختار اسما عائليا عبد الله أو عبد الرحمان أو أي عبد من لأحد أسماء الله"، وتضيف بشرى بسخرية "يستحيل أن يقبل من أم عازبة اسما عائليا متداولا، أما بعض الألقاب التي تشبه أسماء عائلات نافذة، فهي كأنها مقدسة ولا يجب تدنيسها".
وقبل أن تصل الأمهات العازبات إلى مرحلة تسجيل الابن في سجلات الحالة المدنية لتمتيعهم بالشخصية القانونية، عليهن سلك مشاطر معقدة جدا، اغلبهن لا ينجحن في المرور منها دون دعم الجمعيات المهتمة بحقوق المرأة ومستشاريها القانونيين.
وتحكي مريم، مثلا، أنها "بعد الوضع، ذهبت رفقة والدي إلى الشقة التي كان يكتريها والد طفلي، ووجدنا هناك صاحبة البيت التي تعاطفت معي وسلمتني نسخة بطاقة تعريفه الوطنية، فبدأت بالبحث عنه إلى أن وجدته في أزمور، وقد تزوج بفتاة من عائلته، وبصعوبة كبيرة، وبفضل مواكبة الجمعية، اقتنع أخيرا بأن يحرر لي اعترافا لدى مكتب العدول بنسب ابني إليه، وبفضل تلك الوثيقة، بدأت الآن معركة تسجيل ابني في سجلات الحالة المدنية".
وتسمى تلك الصيغة، وفق دليل المساطر الموجود لدى مركز التحدي، "مسطرة الإقرار"، وخطوتها الأولى مثول الأب والأم أمام العدول، ومعهما إشعار الولادة المسلم من المستشفى، أو شهادة القابلة وشاهدتين إذا تم الوضع في المنزل، لاستصدار "الشهادة العدلية"، ثم التوجه إلى المقاطعة التابعة لمكان الولادة للحصول على الشهادة الإدارية، ثم مكتب الحالة المدنية لاستصدار شهادة عدم التسجيل في الحالة المدنية، وبعدها التوجه إلى المحكمة من أجل استصدار حكم قضائي يقضي بتسجيل المولود في سجلات الحالة المدنية.
وتشير إحصائيات مركز الاستماع بمركز التحدي للمواطنة، أنه خلال الفترة من مارس إلى دجنبر 2016، تم استقبال 87 امرأة معنفة بدرب غلف، 21 في المائة منهن أمهات عازبات، وتعرضن لأشكال متعددة من الانتهاكات عددها 1372 فعل عنف، انقسمت إلى 593 فعل عنف نفسي، من قبيل السب والشتم والتهديد بالقتل والاتهام بالخيانة والطرد من البيت، و340 فعل عنف اقتصادي، من قبيل الحرمان من الوثائق الإدارية ومن الشغل والعلاج، و218 فعل عنف جسدي، و132 عنف قانوني، و89 فعل عنف جنسي.
وتسجل وحدة العلاج النفسي بالمركز ذاته، معاناة الأمهات العازبات، أعراضا وأمراضا نفسية بسبب الصعوبات التي تواجههن، أبرزها الإحساس بالحزن، والخوف والفوبيا، والأرق وفقدان القدرة على النوم، ثم الاكتئاب المفضي إلى محاولة الانتحار، أما الآثار الجسدية فهي كدمات وجروح وأمراض جنسية، في حين يخلف العنف الاقتصادي، آثارا هي تدهور مستوى العيش، وانخفاض المردودية، وفقدان السكن والعمل وبالتالي التشرد.
وعندما تسأل فاطمة (49 سنة) ومريم (24 سنة)، وخديجة (28 سنة)، وعائشة (20 سنة)، على طبيعة الرسالة التي يتوجهن بها إلى العموم، يكون أول ما يتبادر إلى أذهانهن، بنات جنسهن، فتقول مريم بسوداوية رهيبة: "ماتخليهش ياكل ليك دماغك، إياك والسقوط في فخ الكلام المعسول"، وتساندها فاطمة بالقول "إحذرن من الرجال، ولا تستعجلن الزواج، وركزن على دراستكن وبناء مستقبلكن واستقلاليتكن المالية، فالمغرب، ومجتمعه وقوانينه، ورغم كافة التغييرات الحاصلة من تقدم تكنولوجي وانفتاح، وارتفاع السن المتوسط للزواج، مازال محافظا جدا وتسوده عقلية ذكورية لن ترحمكن إذا سقطتن في الخطيئة".