''أَعْطُونَا حرية ممارسة الجنس''، ''أنا لا أطالب بالقمر، بل فقط العيش مع من أريد''، ''أول مرة مارست فيها الجنس كانت اغتصابا''، ''لا أزال أتذكر قريبي وهو يلمس جسدي في الخامسة من عمري''، كانت هذه أجزاءً من شهادات لنساء لا يتمتعن بحق ممارسة حَيَوَاتِهِنَّ الجنسية كما يُرِدْنَ. الشهادات وردت في آخر إصدار للروائية المغربية-الفرنسية ليلى السليماني « الجنس والأكاذيب-الحياة الجنسية في المغرب».
المؤلف، الصادر عن دار النشر «ليزاغين»، ''يفضح'' واقع البؤس الجنسي في المغرب، من خلال شهادات علماء اجتماع، وصحفيين، ونساء مغربيات مقهورات، يَعِشْنَ، حسب السليماني، في مجتمع لا تزال فيه معالم النفاق والإحباط مستمرة. شهادات هؤلاء النساء، اللواتي فضلن عدم الكشف عن أسمائهن، كانت بمثابة العمود الفقري لكتاب سليماني الجديد.
شهادات نساء مقهورات
زهور، ونور، وف (الحرف الأول من اسم امرأة أدلت بشهادة حول حياتها الجنسية في الكتاب)، ومليكة، ومنى، وأخريات، كلهن نساء من أوساط شعبية في المغرب، كان كتاب السليماني عبارة عن «ميكرو» أسمع أصواتهن، وكشف معاناتهن على مستوى حَيَوَاتِهِنَّ الجنسية.
زهور، شابة تبلغ من العمر 28 عاما، وترجع أصولها إلى وسط اجتماعي فقير، وإلى أسرة محافظة جدا في مدينة الرباط، كانت شهادتها قوية، إذ قالت ''خلال طفولتي ظلوا يقولون لي إنه من المحظور عَلَيَّ ممارسة الجنس، ولكني لم أقتنع بذلك قط، إلى أن شاءت الصدفة أن تكون أول مرة أمارس فيها الجنس عبارة عن حادث اغتصاب، تعرضت له من طرف ثلاثة رجال وأنا في سن الخامسة عشرة''. زهور مستاءة من التناقضات ومظاهر النفاق التي يعج بها المجتمع المغربي، إذ تقول في شهادتها ''في المغرب هناك ملصقات إشهارية لفتيات نصف عاريات في كل مكان، أما أَنْتِ فلا يمكنك ارتداء ما تريدين، ولا يجب عليك أن تخرجي إلى الشارع في الساعة التاسعة مساءً، لأنه لا يناسبك. أَنْتِ تُعْتَبَرِينَ، دائما، دخيلة على الفضاء العام''.
نور، شابة ثلاثينية من أكادير، تذكرت، أثناء حديثها مع سليماني، أحد أقاربها وهو يقوم بلمس جسدها إشباعا لرغباته الجنسية، عندما كانت في سن الخامسة. نور تقول إنها، رغم كونها منبوذة داخل المجتمع بسبب فقدانها لعذريتها، فهي تعيش مع رجل في علاقة خارج إطار الزواج منذ عدة سنوات. ولكي تتجنب الأحكام على سلوكها المرفوض، فهي تفكر في ارتداء الحجاب بدلا من اختيار التمرد، لأن الشباب يُسَايِرُ انفصام المجتمع، ويلعب لعبة المظاهر، تقول نور.
مليكة، طبيبة عازبة لم تتزوج قَطُّ، وتعيش لوحدها بعيدا عن والديها، تقول ''عشيقي السابق، الذي درس في المدرسة الفرنسية، كان متفتحا جدا، ولكنه لا يرغب في الزواج إلا من فتاة شابة وعذراء، رغم أنه يتفاخر بكونه يقابل باستمرار المومسات''، الشيء الذي تعتبره مليكة انفصاما في الشخصية. هذه الأخيرة كانت في السنة الماضية حاملا بجنين، نتج عن علاقة جنسية خارج إطار الزواج، وأجهضته بعد ذلك. ردود الأفعال التي تلقتها من محيطها، بعد علمهم بخبر الحمل، كانت غريبة، تقول مليكة موضحة ''الفتاة التي تشتغل عندي منذ سنوات، والقادمة من البادية، طلبت مني ألا أقلق، وقالت إنها ستربي المولود وتعتني به، في حين اعتبرت قريبتي، الحداثية والحاصلة على شهادة «باك»+5، الأمر مصيبة، وطلبت مني السفر إلى الخارج، والاختباء هناك خلال شهور معينة''.
أسمائهن، هُنَّ وأخريات، مختلفة، لكن كُلُّهُنَّ نساء مقهورات يعشن في بلد قالت عنه السليماني في كتابها إنه يرغب، حسب الخطابات الرسمية الصادرة عنه، أن يقود إسلاما مبنيا على التسامح، لا يجبر النساء على ارتداء الحجاب، ولكن هؤلاء يعانين فيه كثيرا من الشتم، والملاحظات المهينة، واعتداءات جنسية أخرى في الفضاءات العمومية.
ردود أفعال
«الجنس والأكاذيب-الحياة الجنسية في المغرب» تناول موضوعا يعتبر «طابو» من الصعب التطرق إليه في المغرب، وعالج الموضوع ببساطة وذكاء ونية حسنة، يورد مقال نشر في موقع جريدة «لوموند» الفرنسية، مضيفا أن قيمة الكتاب تكمن في منهجية الكتابة، التي أعطت الأولوية لنساء الأوساط الشعبية في المغرب، معززا ذلك بتصريح لليلى سليماني تقول فيه ''لم يكن هدفي من هذا الكتاب القيام بدراسة سوسيولوجية، أو بحث حول الحياة الجنسية في المغرب، ولكن هدفي كان إعطاء الكلمة لنساء الأوساط الشعبية في المغرب، واللواتي يعانين على مستوى حَيَوَاتِهِنَّ الجنسية''.
الكتاب الصادر عن دار النشر «ليزاغين» يوضح كَمْ يظل الحق في حياة جنسية حرة صراعا يوميا عند المغاربة، ويبين أن حادث الاعتداء الجنسي الجماعي على فتاة شابة في حافلة للنقل الحضري في الدار البيضاء ليس حادثا استثنائيا، يقول مقال منشور في موقع «فرونس آنفو» الفرنسي، الذي خصص بدوره مادة صحفية مُطَوَّلَةً للحديث عن إصدار سليماني الجديد.
في كتاب «الجنس والأكاذيب-الحياة الجنسية في المغرب» واجهت السليماني شياطين بلدها الأصلي، وثارت على النفاق الذي يفسد المغرب والعالم الإسلامي، مطالبة بالاعتراف بالحقوق الجنسية، ومعتبرة أن المناضلات النسائيات مخطئات في نضالهن، لأنهن يركزن على الحقوق الاجتماعية لوحدها. واعتمدت القاعدة التي تفيد أن الاعتراف بحق المرأة في الحياة الجنسية، هو الذي يخول للمرأة، لوحده، الهروب التام من النظام الأبوي، تورد مادة صحفية نشرت في موقع «لوفيغارو».
الإسلام ليس ضد التقدم
''يجب الدفاع عن القيم الكونية للحرية والمساواة. للجميع الحق في الانتصار لها. عندما أسمع أن المساواة بين الرجل والمرأة نبعت من الغرب، ويجب الابتعاد عنها بغية الحفاظ على الهوية، فهذا لا يعني أي شيء''، كان هذا مقتطف من واحدة من إجابات ليلى السليماني على سؤال ورد في حوار أجرته معها جريدة «ليبيراسيون» الفرنسية.
السليماني لا تعتبر الثقافة الإسلامية ضد التقدم، وتحمل مسؤولية معاناة نساء مغربيات على مستوى الحياة الجنسية إلى رجال الدين والسياسيين والنخب في المغرب، بحيث تقول في حوارها مع «ليبيراسيون» إن ''التحرر الجنسي ممكن في بلدان يحكمها دين مثل الإسلام. أما مشكلة الإسلام، فهي تكمن في أن الفقه أنتجه الرجال من أجل الرجال، وليشجع وضع الرجال على الدوام. فالمسألة كلها مرتبطة بالقراءة والتأويل''، قبل أن تضيف ''تكمن المشكلة في أن السياسيين لا يتحركون، وأن النخب مستقرة تماما. فلم لا يضعون أيديهم في العجين؟ أنا أتوجه إلى المنتخبين. لماذا لا يبذلون أي جهد لتحريك المجتمع؟''. كما تفيد، في الحوار ذاته، أن اليساريين، قبل ثلاثين سنة من الآن، كانوا يدافعون عن حرية المعتقد وحقوق النساء، وأن سياسيي اليوم هجروا هذه المواضيع.
حوار المؤلفة مع «ليبيراسيون»، ورد فيه، على لسان سليماني، أن الجدل الذي نتج، مثلا، عن فيلم الزين للي فيك، وحادث الاعتداء الجنسي الجماعي على فتاة شابة في حافلة للنقل الحضري في الدار البيضاء، تستفز خطابات شديدة اللهجة من طرف المحافظين، ولكن هذا الجدل، في نفس الوقت، يسمح بتحرر الكلام. كما قالت إنها ترفض أن يصفها إسلاميون بكونها ليست مسلمة حقيقية، أو أن يقول لها تقدميون أنه لا ينبغي النبش في كل هذه الأمور، لأن الأشياء تسير ببطء، وأنه يجب عليها أن تكون متأنية، وألا تنشر غسيل المغاربة القذر عند الآخرين.
صاحبة ''أغنية هادئة'' و''حديقة الغول''، والرافضة لمنصب وزيرة الثقافة الذي عرض عليها من قبل «إيمانيول ماكرون»، قالت إن البؤس الجنسي في المغربي اضطر النساء إلى مضاجعة بعضهن البعض، مفضلات ذلك على فقدان عذريتهن، مردفة ''بعضهن لا يتجرأ على الاعتراف بالتعرض للاغتصاب، لأن محيطهن يعتبرهن مذنبات لا ضحايا''.