يحتضن "أرشيف المغرب" حاليا وإلى غاية 30 ماي 2019 معرض "الحضور المسيحي بالمغرب: العيش المشترك".
ويؤكد المعرض، بالوثائق، قِدم الحضور المسيحي بالمغرب. وترجــع معرفة المغرب بالمسيحية، حسب "أرشيف المغرب" الذي ينظم المعرض بشراكة مع مجلس الجالية المغربية بالخارج، إلى زمن معرفته بالرومان وحضارتهـم، خاصة عندما أصبحت المسيحية الديانة الرسمية للدولة الرومانية، كما تذهب إلى ذلك معظم المصادر التـي تناولت موضوع المسيحية بالمغرب.
أما عن علاقــة الدولة المغربية بالفاتيكان، فهــي، حسب المصدر ذاته، قديمــة أيضا وترجعها الوثائق المتوفرة إلى الفترة الموحدية، عندما بعـث الخليفــة الموحدي أبو حفص المرتضى برسالة من مراكش إلى البابا إنوسانت الرابع بروما، في العاشر من يونيو 1250 بشأن تعيين راهـب يهتــم بأمور النصارى المقيمين بالمغرب، جاء فيها: «وفي سالف هذه الأيام انصرف عــن حضرة الموحدين أعزهم الله البشب الذي كان قد وصل بكتابكم إلينا انصرافا لم يعهده منا فيه بر وإكرام ولم يغبه فيه اعتناء به واهتمام (...) ومتـى سنح لكم أسعدكم الله تعالى بتقواه أن توجهوا لهؤلاء النصارى المستخدمين ببلاد الموحدين أعزهم الله من تروه برسم ما يصلحهم في دينهم ويجري علـى معتاد قوانينهم».
وقد استمرت تلك العلاقات الطيبة من خلال السفارة التـي أوفدها السلطان المولى الحسن إلى البابا ليون الثالث عشر، التـي ترأسها الحاج محمد العربي الطريس، والتـي ميزهــا إشراك الراهب الإسباني الأب ليرشوندي بوصفه ترجمانا ومستشارا للبعثة التي استقبلت من قبل البابا يوم 25 فبراير 1888.
ويمكن الإشارة أيضا، في هذا الصدد، إلى استقبال السلطان محمد بن يوسف (محمد الخامس في ما بعد) لرئيـس الأساقفة بالمغرب «أميدي لوفيفر» و«الأب دوني مارتن» إثر انتهاء أشغال ملتقـى تومليلين عام 1956.
وقد كان دير تومليلين، التابع لأزرو، يجمع الفرنسيين بالمغاربة في الخمسينات من القرن الماضي من أجل الحوار، خلال فترتي الاستعمار والاستقلال، وساهم في بناء نموذج المغرب المنفتح بجمعه بين أبناء الديانات المسيحية والإسلامية واليهودية.
وقد بعث محمد الخامس برئيــس حكومته عبد الله إبراهيم للقاء البابا سنة 1960، محافظــا بذلك على نهج أسلافه في تكريس ثقافة الانفتاح والتسامح الديني التي سنها حكام المغرب على مر التاريخ.
وتلــك "سـنة" حافظ عليها أيضا الملك الحسن الثاني، عندما استقبل البابا يوحنا بولس الثاني سنة 1985.
وكذلــك حفيده الملك محمد السادس عندما زار البابا بمقـره بالفاتيكان عام 2000.
لقــد حظـي النصارى بعناية كبيرة بأرض المغرب، كما تشهد عليه ظهائر التوقير والأمان والاحـتـرام التي تلقوها من لدن سلاطينه، كما تمتعوا بالكثير من الحقوق والحريات في التنقل والسفر والتجارة، إلى جانب ما حظوا به من حرية في تدبير أمورهم الخاصة في الإرث والزواج والقضاء وبناء دور العبادة وممارسة شعائرهم الدينية.
وتتجلـى تلك الرعاية في تفاعل المسيحيين ورغبتهم القوية في تقاسم المعيش اليومـي مع المغاربة المسلمين، من خلال مساهمتهم في مختلف مناحـي الحياة الاجتماعية، كما تبديه الخدمات التـي قدموها لهـم من تطبيب وتعليم، وكذلك مختلف ورشات تكوين الشبيبة المغربية في مختلف الحرف والصنائع بمختلف ربوع البلاد، حسب المصدر ذاته.