ضريف يفكك الحقل الديني والسياسي "المنتج للعنف"

محمد ضريف وغلاف كتابه الأخير "الحقل الديني المغربي"
غسان الكشوري

بعد غياب دام 7 سنوات عن التأليف، يعود محمد ضريف المتخصص والباحث في الشؤون الدينية، بكتاب جديد يرصد من خلاله التحولات التي شهدها "الحقل الديني المغربي". وتتقاطب مضامين الكتاب بين تداخل عدة مجالات، أسماها ضريف بثلاثية السياسة والتدين والأمن.

الكتاب الصادر حديثا عن منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، يحاول من خلاله ضريف تفكيك طريقة اشتغال ثلاثية السياسة والتدين والأمن "داخل نسق سياسي يرفض أن يكون علمانيا". هذا النسق يصفه الكاتب بأنه "حقل ديني مليء بالسياسة، ومنتج للعنف بشكليه الرمزي (التطرف) والمادي (الإرهاب)".

منذ أحداث الربيع العربي سنة 2011، عرفت الدول العربية والحركات الاسلامية تحولات على مستوى النظرية وعلى مستوى الممارسة. وفي المغرب تمكن حزب العدالة والتنمية من تولي زمام السلطة بتربعه على رأس الحكومة مرتين متتاليتين. كما عرفت جماعة العدل والاحسان هي الآخرى تقاربا ميدانيا مع القوى اليسارية في التنسيق والاحتجاجات في ما سمي بحركة 20 فبراير. وعرفت التيارات السلفية انقسامات ومراجعات، تزامنت مع مسلسل الانفراجات الحقوقية التي نهجها المغرب، فضلا عن إحداث أجهزة أمنية ترصد مؤشرات الإرهاب والتطرف بالمغرب.

كل هذه التغيرات وغيرها حاول الكاتب رصدها في ظل التحولات السياسية التي شهدها المغرب. وقد قسم ضريف كتابه (الواقع في 292 صفحة من الحجم الكبير) إلى 3 محاور رئيسية: في الفعل الديني، في الفاعل الديني، في التفاعل الديني. وتناولت الفصول الأولى ضمن ما أسماه بالفعل الديني، جدل النظر والتاريخ ومفارقات التمثل والسياسة. مستحضرا التاريخ الكولونيالي بعد استقلال المغرب وتأثيره في الأوضاع الدينية، حيث "يتداخل ما هو نظري وما هو تاريخي لتشكيل الفعل الديني"، وحيث تتداخل المقاربة العلمانية مع رهانات السياسة الدينية.

وتناول في قسمه الثاني المتعلق بالفاعل الديني، مراجعات الحركات الإسلامية وتحولاتها من الفعل الحركي إلى الفاعل السياسي، مقتصرا على "الشبيبة الاسلامية" والتوحيد والاصلاح، وكذلك على التحولات التي عرفتها جماعة العدل والاحسان، حيث "ما فتئت الاسلاموية المغربية منذ ظهور الاسلام السياسي في المغرب، تتفاعل مع مكوناتها من جهة ومع محيطها المتجسد في النظام السياسي من جهة أخرى". فضلا عن رصده لتمفصلات التيار السلفي والجهادي، حيث "أصبح التطرف الديني مختزلا في الايديولوجديا السلفية".

ولم يخل الكتاب مما أضحى يشغل اهتمام الباحثين والمتخصصين، ألا وهو الظاهرة الإرهابية التي توسعت دائرتها، ولم يسلم المغرب من تهديداتها. هذا الأمر خصص له الكتاب حيزا حول السياسة الجديدة التي أضحى المغرب ينهجها، لمواجهة التشدد الديني ولتدبير ملف الارهاب، إما "على أساس ثقافي وفكري" أو على أساس "المقاربة الأمنية". وفي ظل هذه التحولات، حاول الكتاب تأطير التفاعل الديني، بإزاء التداعيات التي أحدثها الربيع العربي على الفاعلين الدينيين، بما فيه الحضور الشيعي بالمغرب، "على مستوى شرعنة الخيار الحزبي، وعلى مستوى الدفاع عن حرية المعتقد".

 يذكر أن محمد ضريف أستاذ العلوم السياسية، يعتبر من المتخصصين في الإسلام السياسي بالمغرب، وفي تاريخ الحركات الاسلامية بالوطن العربي. وبالإضافة إلى تخصصه في الشأن الديني، كتب ضريف كتبا عديدة حول تاريخ الفكر السياسي بالمغرب. ولم يكتف الباحث بالتنظير للسياسة فقط، بل قام سنة 2014 بتأسيس حزب "الديمقراطيين الجدد"، لكنه لا يزال يصارع من أجل توسيع قاعدته الجماهيرية.