سجلت زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، اليوم الأربعاء، خلال جلسة عمومية مشتركة لمجلسي البرلمان، بعض المخاطر التي يتعين معالجتها على الأمدين القصير والمتوسط، بالنظر إلى الضغوط المتزايدة على المالية العمومية، وإلى وثيرة تنفيذ بعض الإصلاحات المبرمجة.
واعتبرت العدوي، خلال الجلسة المخصصة لتقديم عرض عن أعمال المجلس، برسم الفترة 2024-2023، أن هذه المخاطر تشكّل تحديات حقيقية أمام إنجاز الأهداف المتوخاة، في ظل استمرار الآثار السلبية لظاهرة الجفاف على القطاع الفلاحي وعلى وتيرة نمو الاقتصاد الوطني.
وأوضحت المتحدثة نفسها أن تفاقم إشكالية الإجهاد المائي تستلزم استثمارات كبرى ومستعجلة تقدر بـ143 مليار درهم، برسم الفترة 2027-2020، في إطار البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي، مضيفة أن التأهيل العام لجهة الحوز، إثر زلزال شتنبر 2023، يستدعي موارد مالية مهمة لتمويل برامج الإعمار ومساعدة المتضررين؛ حيث تجاوزت النفقات في هذا المجال 9,5 مليار درهم، إلى حدود نهاية أكتوبر 2024.
كما سجلت العدوي تواصل تنزيل الإصلاحات الكبرى التي أطلقتها المملكة، خصوصا إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية الذي من المتوقع، حسب آخر تقديرات وزارة الاقتصاد والمالية، أن تبلغ كلفته 53,5 مليار درهم، عند تفعيل جميع آليات الحماية الاجتماعية، سنة 2026، منها 38,5 مليار درهم سيتم تمويلها من ميزانية الدولة.
وعلى صعيد آخر، أشارت إلى استعداد المغرب لاستضافة كأس إفريقيا للأمم لسنة 2025، ونهائيات كأس العالم لكرة القدم لسنة 2030، مشاركة مع إسبانيا والبرتغال؛ مما يتطلب تعبئة موارد مالية هامة لتمويل الاستثمارات الكبرى، قصد تأهيل البنية التحتية الرياضية والسياحية والاتصال والمواصلات.
واعتبارا لتطور نفقات الاستثمار المنجزة في إطار الميزانية العامة للدولة، والتي انتقلت من 52,3 مليار درهم، سنة 2015، إلى 119,2 مليار درهم، سنة 2023، أوصت العدوي بالحفاظ على مجهود الاستثمار العمومي، والسعي إلى أن يلعب دور الرافعة للاستثمار الخاص، من خلال تطوير الآليات الضرورية لضمان التوظيف الأمثل للاستثمارات العمومية، وعبر ترشيد النفقات وتحديد الأولويات واللجوء إلى الشراكات مع القطاع الخاص.
وأبرزت أنه يتضح، من خلال تطور مؤشرات المالية العمومية، ضرورة مواصلة ضبط مسار المؤشرين الرئيسيين؛ وهما عجز الميزانية في حدود 3 في المائة، مع متم سنة 2026، ومستوى المديونية في 66,3 في المائة من الناتج الداخلي الإجمال، خلال سنة 2027، قصد خفضهما، لتحقيق الأهداف والنتائج المحددة في البرمجة الميزانياتية للثلاث سنوات، والمعتمدة في قانون المالية لسنة 2025، موضحة أن هذين المؤشرين يشكلان مدخلا أساسيا لتحسين أداء المالية العمومية، ويقترنان، على الخصوص، بأداء الاقتصاد الوطني وانعكاسه على استدامة معدل النمو وارتفاع الناتج الداخلي الخام وتأثيره على مداخيل الدولة.
وارتباطا بتعبئة الموارد، فيُتوقع، حسب العدوي، أن تسهم الإصلاحات الجارية في المجال الجبائي وقطاع المؤسسات والمقاولات العمومية ومنظومة الاستثمار، أيضا، في تخفيف الضغط على المالية العمومية، وذلك لما يمكن أن تتيحه هذه الإصلاحات من موارد عمومية إضافية، من جهة، ومن تقليص للتحويلات من ميزانية الدولة لفائدة المؤسسات العمومية، التي فاقت 65 مليار درهم، سنة 2023، مقابل عائدات ومساهمات في ميزانية الدولة لم تتجاوز 16,8 مليار درهم، برسم نفس السنة، من جهة أخرى.
وسجلت الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات أنه من بين الأهداف المتوخاة من إصلاح منظومة الاستثمار، هناك الرفع من نسبة مساهمة الاستثمار الخاص الذي يجب أن يعكس الدينامية التي يشهدها الاستثمار العمومي. وبالتالي، التخفيف من الضغوط على المالية العمومية، بالإضافة إلى ما يمكن أن يوفره من عائدات ضريبية من شأنها الرفع من القدرات التمويلية لميزانية الدولة والجماعات الترابية.
وتابعت العدوي: "وإذا كان من شأن هذه الإصلاحات توفير هوامش هامة للاستجابة لحاجيات التمويل، فإن الحرص على مواصلة تسريع تنفيذها يكتسي أهمية بالغة، تداركا لكل تأخر في إنجازها، وضمانا لتعبئة الموارد اللازمة، في أفق يتناسب مع توقيت بروز الحاجيات وضبطها، ولترسيخ مصادر تمويلية قارة، مع الاستمرار في ابتكار مصادر أخرى لتخفيف الضغوط على المالية العمومية".
وعلاقة بالمخاطر المحتملة التي قد تواجهها المالية العمومية على المديين المتوسط والبعيد، فأكدت العدوي على الحاجة الملحة إلى مباشرة وتسريع إصلاح منظومة التقاعد، مشيرة إلى أنه سبق وأصدر المجلس توصيات في هذا الشأن، في تقريره حول منظومة التقاعد لسنة 2013، دعا فيها إلى الشروع في الإصلاح الهيكلي، بعد إنجاز الإصلاح المقياسي.
كما أن تقرير المجلس المتعلق بالصندوق المغربي للتقاعد لسنة 2017 أورد، ضمن توصياته، الأهداف الاستراتيجية التي يجب أن يتوخاها إصلاح هذا النظام والشروط الأساسية للحفاظ على استدامته.
وتجدر الإشارة، بهذا الصدد، إلى الوضعية التي يشهدها الصندوق المغربي للتقاعد الذي سجل عجزا تقنيا بمبلغ 9,8 مليار درهم، عند نهاية سنة 2023؛ مما يؤدي إلى تراجع في الأرصدة الاحتياطية للصندوق التي بلغت 65,8 مليار درهم، عند متم سنة 2023. ومن المتوقع، حسب معطيات وزارة الاقتصاد والمالية، أن تُستنفذ، في حدود سنة 2028. ويسجل المجلس إعلان الحكومة، مؤخرا، عن عزمها الشروع في الإصلاح المرتقب، خلال الشهر الحالي.