مرافعة قوية تلك التي صاغها المحامي الاتحادي عبد الكبير طبيح للدفاع عن تمثيله للدولة وعناصر الأمن في الملف الذي يتابع فيه عدد من نشطاء حراك الريف، والتي جعلت الكثيرين، بما فيهم مسؤولين في حزبه، يشبهونه بمحمد زيان، الذي كانوا يصفونه بمحامي الدولة ضد مناضلي الاتحاد.
خرج عبد الكبير طبيح، المحامي الذي ينوب عن الدولة وموظفيها في قطاع الأمن المطالبين بالحق المدني في محاكمة نشطاء "حراك الريف"، عن صمته بشأن "التناقض" بين قبوله القيام بتلك المهمة وصفته قياديا في حزب الاتحاد الاشتراكي، فتشبت بأن الأمر عادي، موضحا أن الدولة التي يمثلها اليوم، يوجد حزبه في حكومتها ويترأس برلمانها، ليست هي نفسها قبل هيأة الإنصاف والمصالحة، ، مشيرا ألا خصومة أصلا بين الدولة ومواطني الحسيمة المتهمين.
وبلغ الأمر بعبد الكبير طبيح، درجة القول بشأن قياديين في حزبه انتقدوا بدورهم انتصابه محاميا عن مؤسسات الدولة في محاكمة نشطاء حراك الريف، إن موقفهم "يطرح على المكتب السياسي أن يحدد موقف الحزب من الدولة، حتى تتبين للجميع الموقع الذي يلزم أن يكون فيه"، لأنه "سيكون نفاقا سياسيا" المشاركة في مؤسسات الدولة وحكومتها وبرلمانها، والقول في الآن ذاته باتخاذ مسافة عنها وعدم تمثيلها أمام القضاء.
أهل الكهف
لم يتردد عبد الكبير طبيح، في رسالة مفتوحة توصل بها "تيلكيل - عربي"، في القول إنه يغفر لكثيرين "خطأ التسرع في اتخاذ بعض المواقف قبل التوفر على المعطيات الضرورية"، في هذه القضية، باستثناء، من شبههم، ب "أهل الكهف"، إذ "تغير العالم من حولهم"، لكنهم "يريدون البقاء سجناء نوايا"، تجعلهم في "حالة نفسية أدعو لهم بالشفاء منها".
ويأتي ذلك، بعدما اعتبر طبيح أنه في ظل استقلالية النيابة العامة بالمغرب، التي تظل لوحدها المسؤولة على "تدبير مساءلة المواطنين عن خرق القانون"، لا مجال في قضية محاكمة نشطاء الريف، وليس من حق أحد، تصور أو ترويج "وجود خصومة بين الدولة، بمفهومها الجديد، ومواطني أي مدينة من المدن المغربية، ومنها بطبيعة الحال مدينة الحسيمة".
وذهب المحامي الاتحادي، إلى حد وصف "أهل الكهف" الذين يثيرون وجود تلك الخصومة بين دولة اليوم والدولة السابقة التي كان "ممن قاوم الظلم الذي ارتكب في زمانها"، بخدام جيوب مقاومة الإصلاح، وبأصحاب الادعاءات التي "تصب مباشرة في موقف خصوم المغرب وادعاءاتهم قصد المس أولا وأخيرا بوحدتنا الترابية".
ويعود ذلك حسب المتحدث إلى أن "عدم الاعتراف بالتحول الكبير التي عرفته بلادنا، تخل وإنكار للعمل الكبير الذي قام به الجيل السابق الذي استحضر مصلحة الوطن أولا فانخرط في مصالحة مع الدولة نتجت عنها ملحمة العصر الحديث ممثلة في ملحمة هيأة الانصاف والمصالحة".
وقال طبيح: "إن عدم الاعتراف بهذا التحول الكبير الذي عرفته بلادنا هو الذي يغذي و يقوي جيوب مقاومة الاصلاح و التغيير، ويعطيهم الذريعة لتبرير ادعائهم بكون الانفتاح الذي عرفه المغرب منذ سنة 2000 كان خطأ وهو خطر على الدولة"، ما يمكنهم من أن يجهزوا على تلك المكتسبات".
ولم يخف المحامي الاتحادي، أن انتصابه محاميا ل590 من عناصر القوات العمومية يطالبون بالحق المدني لأنهم "ضحايا" في حراك الريف، يريد به أساسا مواجهة ادعاءات التعذيب وخرق حقوق الإنسان التي تمس بصورة المغرب مع شركائه الأوربيين وتضعف موقفه في قضية الصحراء.
وجاء ذلك في قوله لمنتقديه "لا تتركوا خصوم المغرب وخصوم القضية الوطنية التي هي قضية كل المغاربة وقضية مستقبل المغرب الأكبر من كل القضايا الأخرى، الفرصة للترويج بأن المغرب لا تحترم فيه حقوق الإنسان، وأنه بلد يمارس فيه التعذيب بطريقة ممنهجة".
وأضاف عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي خلال الولاية الأولى لإدريس لشكر على رأس الحزب، إن خصوم المغرب "لا همهم هل المواطن المغربي يستفيد فعلا من الحقوق أم لا"، إنما "هدفهم إشهار ورقة حقوق الانسان ضده من أجل إضعافه في المحافل الدولية"، بمحاولة "إقناع الدول بأن الدولة المغربية لا تحترم حقوق الإنسان في شمال المغرب فكيف تحترمها في جنوبه؟"
وفيما أبرز المتحدث ذاته أن تلك "الدعاية التي بدأت تنتج أكلها، كما يتبين من التقرير الأخير للاتحاد الأوروبي الذي صدر في 19/10/2017 وأشار إلى أن على المغرب ان يزيد من الاهتمام بقضايا حقوق الانسان"، كل ذلك "لا يعني بأي شكل من الأشكال التسامح مع أي خرق لحقوق الانسان يحدث في هذا البلد".
الدفاع عن الدولة واجب
وقبل أن يخوض المحامي عبد الكبير طبيح في تلك التنبيهات حول حقيقة تموقع الدولة اليوم في ملف محاكمة نشطاء الريف، استرسل في سرد مميزات الدولة التي يمثلها اليوم وينكرها الموجودون في الحالة النفسية ل"أهل الكهف"، ثم انتهى إلى القول إن "الدفاع عنها واجب علينا جميعا أخلاقيا وسياسيا".
وفي هذا الصدد، قال المتحدث إن "الدولة التي أنوب عنها "ليست تلك التي كان الانتماء إلى حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في السبعينات يمثل جريمة يعلم الله وحده عقوبتها و مكان سجنها"، وهو "الزمن الذي التحقت فيه بكل قناعة بالحزب أنا وثلة من الطلبة في بداية 1970. و لم أطلب إذنا ممن يتكلمون اليوم في سنة 2017".
وأضاف المحامي بخصوص ماهية دولة اليوم، فاعتبر أنها التي "أسست ووفتحت ورش هيأة الانصاف والمصالحة وقبلت بخلاصاتها واستجابت لمبدأ تعويض من تعرض للتعذيب في سنوات الجمر واعتبرت ذلك جزء من مسؤوليتها"، وهي "الدولة التي وضعت لهذا البلد السعيد دستورا تنازل فيه الملك عن تعيين رئيس الحكومة، وأسند ذلك لاختيار الشعب المغربي عن طريق التصويت المباشر على أعضاء مجلس النواب من قبل المواطنين".
وفيما يأتي ذلك التصويت "لكي يتحمل كل مواطن مسؤولية اختبار من يتولى تدبير مصالحه اليومية وتدبير الشأن العام"، قال أيضا إنها "الدولة التي شرعت مدونة الأسرة التي نقلت المرأة من وضع شبه العبودية الذي كانت تنظم علاقتها مع زوجها، إلى وضع القواعد المبنية على مبدأ المساواة بينها وبين زوجها في أعقد القضايا".
ومن مميزات الدولة ذاتها التي يعتز المحامي الاتحادي بتمثيلها، أنها "أسست وشرعت استقلال السلطة القضائية، وهو المطلب الذي رفعته الأحزاب الوطنية وجمعيات هيآت المحامين، وكل الحقوقيين في أوج زمن الجمر، واختيرت لها تركيبة وتكوين فريدين، يجمعان بين تمثيلية القاضيات والقضاة عن طريق الانتخاب، وبين آلية تعيين فقهاء مشهود لهم بالعلم والنزاهة يدبرون السلطة القضائية بكل استقلالية وتحت مسؤوليتهم".
ويمثل طبيح أيضا، دولة "أسست وشرعت لاستقلالية النيابة العامة وهو مكسب لتعزيز استقلال القضاء، لا وجود له في عدد كبير من الدول"، و"صادقت على الاتفاقية الدولية لتجريم ومعاقبة فعل للتعذيب"، وهي "اتفاقية جد مكلفة سياسيا ويتهرب من التوقيع عليها عدد من الدول في جوار المغرب".
وينوب المحامي ذاته، كذلك، على "الدولة التي قامت بإدخال الاتفاقية المذكورة حيز التنفيذ، فعدلت قانونها الجنائي ونصت على معاقبة كل موظف يقوم بأي فعل للتعذيب كيف ما كان ضد أي مواطن"، و"رفعت طابع السرية عن ضباط الاستعلامات، ووضعتهم تحت ضوء الشرعية القانونية عندما أضفت عليهم صفة ضابط الشرطة القضائية، ووضعتهم تبعا لذلك تحت مراقبة ومساءلة النيابة العامة".
"حزبي مشارك في الدولة"
إذا كانت أغلب الانتقادات التي وجهت إلى عبد الكبير طبيح، وزميله إبراهيم الراشدي، بخصوص انتصابهما للدفاع عن حقوق عناصر القوات العمومية في محاكمة معتقلي حراك الريف، استندت على انتمائهما إلى حزب يساري، في حين أن محمد زيان الذي كان في عهد الحسن الثاني ينتصب للدفاع عن الدولة في محاكمات اليساريين، صار اليوم في ضفة الدفاع عن نشطاء الريف، نفى طبيح وجود أي تناقض في ذلك.
فعلاوة على أن الدولة التي كان يدافع عنها زيان، ليست دولة اليوم، أكد عبد الكبير طبيح، أن من مميزات دولة اليوم، أن الاتحاد الاشتراكي، الذي ينتمي إليه، "يترأس المؤسسة الثالثة فيها، وهي البرلمان في شخص الحبيب المالكي، الذي يلعب اليوم دروا مهما في الدبلوماسية البرلمانية، كما قام بذلك أستاذنا عبد الواحد الراضي قبله".
وفيما أضاف المحامي، أنه ينوب عن دولة "يشارك الإتحاد الإشتراكي في حكومتها بفضل إخوة أثبتوا حضورا قويا فيها"، و"دولة يوجد الاتحاديون في برلمانها، علما أن البرلمان مؤسسة من مؤسسات الدولة"، وجه انتقادات لاذعة إلى مسؤولين في الاتحاد الاشتراكي، انساقوا وراء منتقديه، وشنوا هجوما عليه بسب القضية ذاتها.
وفي هذا الشأن قال طبيح مخاطبا أحد رفاقه في الحزب بمدينة مراكش قائلا "إنني لم أعرف من الذي يجب أن يدان؟ هل النيابة أمام القضاء على دولة يشارك فيها حزب الاتحاد الاشتراكي، أم إعطاء المسؤول الحزبي تزكية حزب الاتحاد الاشتراكي لشخص رفضته جميع أحزاب مدينة مراكش؟".
ورد طبيح، على عضوة في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، رأت أنه "يجب أخد مسافة عن الدولة الحالية، ولا يليق باتحادي أن ينوب عليها أمام المحكمة"، فقال "لماذا لا تطالب المسؤولة المذكورة بأن يخرج حزب الإتحاد الإشتراكي من البرلمان، وتأخذ هي المبادرة بتقديم استقالتها منه ومن البرلمان، وتطالب بصفتها مسؤولة حزبية من وزراءنا الاستقالة من الحكومة، حتى تحقق المسافة مع الدولة التي تطالبني به؟".
وفيما استشهد طبيح بقول "كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون"، تساءل أيضا "كيف لمسؤولة بالمكتب السياسي للحزب أن تتخذ موقفا كبيرا بطريقة انفرادية، وهو ما دفع بوسائل الاعلام أن تهتم بها، وبما نشرته، نظرا لأنها عضوة في المكتب السياسي للحزب؟"، ثم أضاف: "إن موقفها دفع البعض إلى القول إن وجود الحزب في الحكومة وفي البرلمان هو نفاق أخلاقي وسياسي".
وفي الوقت الذي قال فيه المحامي إن "موقف المسؤولة المذكورة يطرح على المكتب السياسي أن يحدد موقف حزب الاتحاد الاشتراكي من الدولة، حتى تتبين للجميع الموقع الذي يلزم أن يكون فيه"، أضاف أيضا، إن نيابته عن الدولة لا يسعى من ورائها إلى الأموال، بقوله "للذين يتكلمون عما سمي بالطمع في الأتعاب، أقول لهم لقد تنازلت أنا والاستاذ جلال الطاهر (كان بدوره قياديا في الحزب)، على أتعاب بقيمة 600 مليون ستنيم في قضية كلفتنا بها أحد روافد الحزب، تدعيما للمعركة التي كان يقودها".
وعاد عبد الكبير طبيح إلى ماضي انتصابه محاميا ضد الدولة لا مدافعا عنها، فقال إن "الدولة التي يجب أن ندافع عليها جميعا، ليست تلك التي حاكمت نقابيا كبيرا في حجم نوبير الأموي، فقط لأنه ألى بتصريح صحفي تكلم فيه عن قضايا نقابية"، مضيفا أن مئات المحامين "يتذكرون أنني صعدت فوق الطاولة المخصصة للمحامين لكي أرافع وأطالب بعدم تطبيق الفصل 400 وعدم اعتقال الأخ نوبير الأموي في الجلسة".
وبينما قال طبيح إن ذلك حدث في "زمن كان فيه حتى الكلام صعبا"، قال إنه لا يحتاج إلى التذكير "بباقي المحاكمات السياسية الأخرى"، التي ترافع فيها ضد دولة الأمس، ومنها "محاكمات سنة 1981 وسنة 1984 ومحاكمة سنة 1990 بفاس"، التي يتذكر الجميع "تلك المعركة الشرسة التي خضتها، مع رئيس الهيأة في قاعة يوجد بداخلها قوات عمومية بسلاحها الناري الرشاش".