"ليس من رأي كمن سمع".. حكمة ترددها ما إن تتجاوز محطة الأداء على الطريق السيار في اتجاه مدخل مدينة طنجة. يخيل لمن سيشد الرحال إلى المدينة أنه سيجدها مقفلة، أو على الأقل، الحركة فيها تكاد تكون منعدمة ، لكن الواقع مغاير تماماً."تيلكيل عربي" حل بالمدينة يوم الثلاثاء 14 يوليوز الجاري، التقى المسؤولين فيها من سلطات محلية وصحية ومهنيين ومجتمع المدني، وزار الأماكن التي اعتبرت بؤرا. خلال المقام أربعة أيام، أي إلى غاية يوم الجمعة 17 يوليوز، تحدث "تيلكيل عربي" إلى العارفين بكواليس الأحداث بالمدينة، وما ترتب عنها من قرارات، منها ما شُرع في تنفيذه عملياً، وأخرى سوف يُشرع في تنزيلها، في القادم من الأيام.
هكذا هي طنجة !
من اطلع على بلاغ وزارة الداخلية بتاريخ الأحد 12 يوليوز الجاري، وبلاغها الثاني بتاريخ 13 يوليوز الجاري، سيعتقد أن "المدينة مغلقة، حركة السير متوقفة، وأن الحواجز الأمنية نصبت في كل مكان، وأن المقاهي خالية، و أبواب المحلات التجارية موصدة، والمواطنون مجبرون على التسلح بورقة التنقل الاستثنائية، ووسائل النقل العمومي توقفت عن الخدمة، وأنه لا حانات ولا مطاعم أو حدائق عمومية. ولا مكان ترفيه واحد مفتوح في وجه ساكنة المدينة. من يشاء استنشاق الهواء خارج حدود الجدران الأربعة لمنزله عليه البحث عن الضرورة القصوى لفعل ذلك...".
من رسم هذه الصورة عن المدينة عليه أن يتريث قليلا. فرغم أنها لا تزال تصنف ضمن المنطقة 2، إلا أن واقعها مخالف تماما لكل ما يمكن أن يروى كل ما يروى.
الساعة تشير إلى السادسة ونصف من مساء يوم الثلاثاء 14 يوليوز الجاري، حاجز أمني عند مدخل المدينة. يدقق عناصر الأمن في هوية القادمين من خارج المدينة. كان نصيب "تيلكيل عربي" التوقف عند الحاجز بطلب من أحد عناصر الأمن، هذا الأخير بعد إلقاء التحية بادر بالسؤال: "أنتم من الدار البيضاء ما هو سبب زيارتكم للمدينة؟"
سمع الجواب، واطلع على الوثائق التي تبرر شد الرحال المهني إلى عاصمة الشمال، وأذن بالعبور.
بعد الحاجز الأمني، نكتشف أن الحياة هنا عادية، وسائل النقل العمومي تؤمن التنقل بين مختلف الأحياء، والحافلات الزرقاء تجوب الشوارع والأزقة بكراسي ممتلئة، وكل شبر من المدينة مفعم بالحياة.
مظاهر الوضع الصحي الاستثناء، تظهر على وجوه ساكنة المدينة فقط، الذين يبدو أنهم ألفوا الكمامات، وتظهر أيضاً عند الانتقال من حدود مقاطعة إلى أخرى حين المرور بنقط المراقبة الأمنية.
هل تخف الحركة بعد الساعة الثامنة مساءً؟
لا دليل على ذلك في الواقع. وسط المدينة، حيث مركز المحلات التجارية والمقاهي الكبرى والحانات والمطاعم، الأضواء تُضيء الأمكنة، والحانات تستقبل زبنائها حتى منتصف الليل، مع احترام صارم لإجراءات التباعد الاجتماعي والتعقيم وعدد الملء المسموح به، حتى أنه يمكن القول إنها الفضاءات الأكثر انضباطاً في تطبيق ما أوصت به وزارة الصحة.
تبدأ طنجة يومياً نهارهاً، وإن متأخراً كما هي العادة في المدينة، بإيقاع طبيعي، وتنهيه كذلك. وتبدو المدينة خالية بالمقارنة مع صيف كل سنة، وحدهم قاطنوها يمارسون عادات فصل الصيف، وبعض المحظوظين من الذين سافروا إليها لغرض مهني أو زيارة عائلية، كما أن المدينة تفتقد لأول مرة ومنذ سنوات تلك التحضيرات الاستثنائية التي ترافق قرب الاحتفالات بعيد العرش.
الوضع يختلف فقط، في ضبط حرية التنقل حين تحل ليلاً بأحياء "بني مكادة" أو "العوامة" حيث الحديث عن "تسجيل بؤر تفشي فيروس (كورونا) المستجد".
هنا "بني مكادة" و"العوامة"
"في إطار المجهودات المتواصلة لتطويق رقعة انتشار وباء (كورونا) المستجد (كوفيد 19) والحد من انعكاساته السلبية، وبالنظر لما تستدعيه الضرورة الصحية بعد أن تم تسجيل ظهور بؤر وبائية جديدة بمجموعة من أحياء مدينة طنجة، فقد تقرر تشديد القيود الاحترازية ". كان هذا مقتطف من بلاغ وزارة الداخلية بتاريخ الأحد 12 يوليوز جاري، الذي استهدف مجموعة من الأحياء وهي : المرس، وبني مكادة، والمنطقة الصناعية العوامة، وحي مسنانا والمنطقة الصناعية كزناية. تلاه بلاغ ثاني في اليوم الموالي أعلن فيه أن تشديد الإجراءات التي قيل إنها سوف تشمل كامل تراب المدينة، ثم قرار ثالث بالتراجع عن القرارين السابقين.
بعد بلاغات وقرارات وزارة الداخلية، كثر الحديث عن حي واحد من بين الأحياء التي قيل إنها "سجلت ظهور بؤر لفيروس (كورونا) المستجد"، وهو حي بني مكادة الذي خرج تجاره وحرفيوه للاحتجاج ضد قرار إغلاق محلاتهم.
منتصف يوم الأربعاء 15 يوليوز الجاري، زار "تيلكيل عربي" الحي. حركة السير والجولان للأشخاص والعربات عادية. عند مدخل منطقة "محباكو" أو "عقبة بني مكادة"، كما يصفها الطنجاويون، تلحظ انتصاب الحواجز الحديدية في مشهد ألفه المغاربة طيلة أيام تطبيق إجراءات فرض حالة الطوارئ الصحية. غير ذلك، الحياة طبيعية هنا إلى أقصى حد.
المكان سوق بني مكادة النموذجي، بناية بـ8 أزقة، لكل بابه المستقل، ينتصب أمامها شخص مسلح بجهاز قياس درجة الحرارة وكل أنواع المطهرات. داخل السوق، وفي كل ركن منه، تلمس أن تجاره واعون بخطورة الوضع الصحي في البلاد، بل واعون بذلك أكثر من غيرهم على ما يبدو.
"أنفقنا قبل إعادة فتح السوق 3000 درهم على كل زقاق، أي ما مجموعه 24 ألف درهم، وذلك من أجل اقتناء وسائل التنظيف وتعقيم محلات السوق ومرافقه، وتثبيت علامات التشوير الخاصة بالتباعد الاجتماعي والملصقات التحسيسية، وكل ما يمكن أن يساعد في إبعاد خطر إصابة أحد التجار بالفيروس داخل السوق"، يقول أنور الطنجاوي تاجر بسوق بني مكادة النموذجي.
ويتابع المتحدث ذاته أن "التجار واعون بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم، لذلك قرروا خلق 10 فرص للشغل، 8 منهم مهمتهم قياس درجة حرارة زبناء السوق وتعقيم أياديهم ومنعهم من ولوجه دون ارتداء الكمامات، واثنين آخرين يقومان على مدار الساعة بجولة لتعقيم كل شبر من السوق، وكل واحد من هؤلاء يكلف 500 درهم أسبوعياً، أي 20 ألف درهماً في الشهر".
أنور وباق التجار الذين تحدث إليهم "تيلكيل عربي" يرفضون بشكل مطلق العودة إلى تطبيق إجراءات الحجر الصحي على الحي، لذلك قرروا يوم الاثنين 13 يوليوز الجاري، تنظيم وقفة احتجاجية، انتهت بجلسة حوار مع السلطات المحلية ممثلة في قائد المنطقة ورئيس الدائرة، سمح لهم خلالها بالاستمرار في فتح أبواب محلاتهم التجارية إلى ما بعد الساعة الثامنة مساءً.
قرار السلطات، يراه التجار وإن كان فيه تخفيف من انعكاسات "إعادة تطبيق الحجر"، لكنه "يبقى غير كاف"، ويبررون ذلك بالقول: "استثمرنا في إجراءات الوقاية والسلامة الصحية، رغم الظروف المالية الصعبة التي نمر بها، واستبشرنا خيراً بعودة النشاط التجاري، لكن تشديد إجراءات السماح بالتنقل بعد الساعة الثامنة في بني مكادة فيه ضرر كبير على تجارتنا، لأن الجميع يعرفون خصوصية مدينة طنجة ككل، وهي ارتفاع وتيرة الإقبال على السلع والتسوق ليلاً".
يغادر "تيلكيل عربي" الحي المكتظ بساكنته ومن حلوا به لقضاء حوائجهم، قبل العودة إليه ليلاً. وهنا يختلف الأمر، تشديد في لإجراءات التنقل، وعند كل مدخل حاجز أمني ونقاط للتفتيش والتدقيق في هوية الراغبين في مغادرة بني مكادة أو الدخول إليه، ورغم كل ذلك، هناك حركية يصعب ضبطها بعد إخراج الناس من الحجر الصحي.
أبناء الحي يحكون حادثاً طريفاً وقع بعد نصب الحواجز الحديدية، وقع يوم الاثنين الماضي (13 يوليوز)، يظهر صعوبة التطبيق الحرفي للإجراءات. ويروون أنه خلال "اليوم الأول لإعادة تطبيق اجراءات الحجر الصحي على بني مكادة ليلاً، تصادف مع مباراة لريال مدريد في مواجهة غرناطة، وما إن اقتربت صافرة بداية اللقاء الذي كان مبرمجاً من الساعة التاسعة ليلاً، حتى حج أطفال وشباب وشيب المنطقة إلى مقاهي الأحياء المجاورة، وتحديداً التابعة لمقاطعة السواني، لتكتظ الكراسي شغفاً بكرة القدم".
حي العوامة
غير بعيد عن بني مكادة، يقع حي العوامة الصناعي، في محيطه تمتد أحياء الهامش التابعة لمدينة طنجة. هنا، غالبية الساكنة من العمال والمستخدمين الذين يعملون في المنطقة الصناعية، والولوج إلى الحي، حتى في ساعات النهار، يتطلب التوقف لدقائق طوال وسط طابور طويل من السيارات والعربات والشاحنات. كل المنافذ إلى "العوامة" تنتصب فيها الحواجز الأمنية، والتدقيق في هوية من يلجون إليه أكثر تشدداً مقارنة بباق أحياء المدينة.
في إقليم طنجة، قررت السلطات إغلاق أو الإبقاء على إغلاق 8 وحدات إنتاجية وصناعية بسبب "مخالفة إجراءات السلامة الصحية أو عدم استيفاء شروطها".
منتصف يوم الخميس 16 يوليوز الجاري، حل "تيلكيل عربي" بالمنطقة الصناعية العوامة، كل من تحدثوا للموقع، اقترحوا زيارة المنطقة في وقت الغذاء، لمعاينة الظروف التي تمر فيها فترة راحة القوى العاملة هنا.
وما تم تناقله تؤكده المعاينة التي قام بها "تيلكيل عربي" في المنطقة. شروط التباعد الاجتماعي منعدمة، والعمال والعاملات يفترشون الأرض في مجموعات أمام الشركات حيث يشتغلون، يتناولون وجبة غذائهم بشكل مشترك، يمررون في ما بينهم قنينة مشروب غازي، وعاملات يتحلقن في دائرة ضيقة، أجسادهن متلاصقة والكمامات على الرقبة، ومنهم ومنهن من لا يضعها.
توجه "تيلكيل عربي" لمجموعة من العمال أمام شركة في المنطقة الصناعية العوامة، وبادر بالسؤال عن احترام تطبيق إجراءات السلامة والوقاية الصحية داخل الوحدات الإنتاجية والصناعية حيث يشتغلون، ارتسم التوجس على الوجوه، وساد صمت مطبق، وبعده تتردد عبارة "لي دارها الله هي لي تكون" .
"طرف ديال الخبز" هكذا يقول أحد العمال، وآخر يصرح بكلمات غير مرتبة أنهم "يشتغلون في ظروف صحية". لماذا تتناولون وجبة الغذاء جماعة وخارج الشركة؟ ألا تتوفرون على مطعم داخلي؟
لا جواب مرة أخرى.
مشهد آخر، شاحنة كبيرة يقوم مستخدمان بتفريغ حمولتها من علب "البسكوريت". الاثنين معاً يعملان بدون ارتداء الكمامات، ولا القفازات، وهما في احتكاك مباشر مع بضاعة سوف يتم توزيها للاستهلاك في أكثر من متجر وواجهة تجارية.
هكذا هو الحال في منطقتين اقترن ترديد اسمهما في المغرب كله، مؤخراً، بإعادة تطبيق إجراءات الحجر الصحي، بني مكادة والعوامة. لكن من يتحمل المسؤولية؟
وضع صحي خطير
عز الدين الفلالي بابا، قيادي نقابي بالجامعة الوطنية للصحة بطنجة، يلخص من وجهة نظره الوضع الصحي في المدينة والتحديات الحقيقية التي تواجهها منذ بداية الجائحة. ويقول في حديثه لـ"تيكيل عربي": "أولاً لا يمكن أن نصف ما يسجل داخل أحياء طنجة بالبؤر الوبائية. فإلى حدود اللحظة، نسجل حالات متفرقة، أي أننا لا نسجل إصابات عائلية كما كان الحال في السابق".
ويرى عز الدين الفلالي بابا أن "المقلق ليس تسجيل عدد من الإصابات بالفيروس، بل أين سيتلقى هؤلاء العلاج، ومن سوف يقوم بذلك".
ويكشف المتحدث واقعا وصفه بـ"المخيف" "مدينة طنجة سجلت لوحدها رقماً قياسياً في عدد إصابة الأطقم الطبية والتمريضية بالفيروس، وبلغ عددهم 36 طبيباً وممرضاً، من بينهم أطباء داخليين وأطباء مقيمين وأطباء مختصين وممرضين. ومستشفى محمد الخامس تحول إلى بؤرة وبائية قبل التراجع عن قرار تخصيصه لمرضى (كوفيد – 19)، لأنه يفتقر للوسائل الضرورية للحماية والوقاية سواء تعلق الأمر بالأطر الصحية أو غيرها".
"الأطر الطبية أرهقت في مدينة طنجة ويجب أن نعترف اليوم بذلك". عبارة رددها أكثر من مرة عبد السلام العيدوني، نائب عمدة المدينة المكلف بتدبير القطاع الصحي و رئيس "مجموعات جماعات البوغاز".
ويشدد العيدوني اتصل في حديثه لـ"تيلكيل عربي" على "وجود خلل في المنظومة الصحية بالمدينة". كيف؟
يجيب المتحدث ذاته: "مستشفى محمد السادس امتلأ عن آخره بالحالات المؤكدة، وهناك حالات تحتاج لدخول أقسام الإنعاش والعناية المركزة لم تجد سريراً، لذلك نسبة الوفيات ارتفعت عندنا".
ويحمل نائب عمدة مدينة طنجة المسؤولية للقائمين على القطاع الصحي في الجهة داخل وزارة الصحة، ويشرح موقفه بالقول: "المديرة الجهوية اتخذت قرار الرفع من عدد التحليلات اليومية، بل أصبحنا نقوم بعدد تحاليل يفوق ضعف ما تقوم جهة الدار البيضاء – سطات يومياً، والشركات والمقاولات استفادت كثيراً من هذا الوضع، في المقابل، ليست هناك بنيات تحتية لاستقبال المصابين بالفيروس".
ويحذر عز الدين الفلالي بابا من "استمرار تسجيل النقص الحاد في الموارد البشرية الصحية والطبية والتقنية بالجهة"، ويضيف: "واقع الحال يفيد بأننا لن نستطيع مواجهة ارتفاع في عدد حالات الإصابة بالفيروس، كل حالة تحتاج على الأقل لطبيب وممرضين، دون الحديث عن الحالات الحرجة، ونحن نفتقر للأطر الصحية والتقنية المتخصصة في الإنعاش والتخدير".
علامات الاستفهام الكبرى هذه كانت حاضرة في اللقاء الذي جمع وزير الصحة خالد أيت الطالب بوالي الجهة محمد مهيدية. مصدر رفيع من الولاية يكشف في حديث لـ"تيلكيل عربي" أن "الوالي طلب من الوزير إعداد خطة عاجلة من أجل تجاوز الخصاص الذي تعاني منه المستشفيات والمراكز الصحية بالمدينة والجهة ككل. بل طلب منه إعطاء إشارات طمأنة في القريب العاجل لتخفيف الضغط عن مدينة بدأت تستعيد عافيتها ببطء، خاصة مع احتمال توافد أفراد الجالية المغربية على موانئها قبيل حلول عيد الأضحى".
يوم الحديث إلى عز الدين الفلالي بابا، القيادي النقابي بالجامعة الوطنية للصحة بطنجة، أي يوم الخميس 16 يوليوز الجاري، كانت نقابات الصحة ممثلة في (النقابة الوطنية للصحة بطنجة، الجامعة الوطنية لقطاع الصحة بطنجة، النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام بطنجة، الجامعة الوطنية للصحة بطنجة، والنقابة الوطنية للصحة العمومية بطنجة) تستعد لخوض وقفة احتجاجية أمام مقر المديرية الجهوية للصحة بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة.
وقفة تم تأجيلها بعد عقد الكاتب العام للجهة بالولاية للقاء مع ممثلين عن النقابات، تم خلاله تقديم مجموعة من الوعود لتجاوز الوضع، أولها عقد جلسة حوار يوم الجمعة 17 يوليوز الجاري مع المديرة الجهوية أجناو وفاء، بعدما رفضت الأخيرة عقدها، وهي الجلسة التي سوف تنعقد بالموازاة مع زيارة لوزير الصحة للمدينة، برمجت في سياق مخرجات لقائه مع الوالي محمد مهيدية.
"تيلكيل عربي" حاول، وبكل الطرق، التواصل مع المديرة الجهوية للصحة بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة وفاء أجناو، لكن كل المحاولات باءت بالفشل، ولم تنفع الاتصالات بالإدارة المركزية للوزارة، في حل عقدة ألسنة المسؤولين عن الصحة في عاصمة البوغاز.
خطة إنقاذ
انتهى الاجتماع بين الوالي والوزير بالاتفاق على إنقاذ الوضع الصحي في المدينة عوض خنقها. كانت هذه هي الخلاصة التي لم يتم التواصل بشأنها.
الوالي طلب من الوزير توفير الموارد البشرية الكافية لمواصلة مواجهة تفشي جائحة فيروس "كورونا" المستجد، وأيت الطالب وعد بتوفير 40 إطار صحي جديد خلال هذه الأيام.
هذه المعطيات يؤكدها لـ"تيلكيل عربي" عز الدين الفلالي بابا، القيادي النقابي بالجامعة الوطنية للصحة بطنجة، الذي كشف لـ"تيلكيل عربي" المزيد من المعطيات حول الوعود التي قدمت، ومنها "توظيف أطباء وتقنيين في الإنعاش والتخدير وممرضين، وتعزيز وسائل الحماية والوقاية للأطباء من خطر الإصابة بالعدوى، والتقليل من ساعات مداومة الأطر الصحية التي أصبحت تفوق 12 ساعة في اليوم".
لكن ماذا عن البنية التحتية الصحية بالمدينة؟ وكيف ستواجه وزارة الصحة عدم قدرة مستشفى محمد السادس على الاستمرار في استقبال الحالات المصابة خاصة الحرجة منها؟
الجواب جاء خلال لقاء الوزير بالوالي مهيدية، حيث وعد الأخير بتقديم الدعم المادي واللوجستيكي من الجهة، لفتح مستشفى ميداني بالغابة الدبلوماسية التي تقع عند مدخل المدينة من جهة الطريق السيار الرابط بينها وبين العاصمة الرباط.
المستشفى الميداني سوف يفتتح اليوم بحضور الوزير خالد أيت الطالب، ومن المنتظر أن تسخر له أطر صحية وتقنية، والهدف منه مواجهة الخصاص الذي تعاني منه المدينة في ظل ارتفاع عدد حالات الإصابة بالفيروس، خاصة بعد عودة الأنشطة الإنتاجية في ثاني قطب اقتصادي بالمغرب بعد مدينة الدار البيضاء.
هل تقوى طنجة على الإغلاق مجدداً
بعد بلاغات وزارة الداخلية مركزياً بشأن خطط العودة للحجر الصحي الشامل في المدينة، طرح المسؤولون فيها سؤالاً مصيرياً مفاده: هل نقوى على مواجهة عودة الحجر الصحي بالموازاة مع ضمان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي؟
مصادر رفيعة من السلطات محلياً، أكدت لـ"تيلكيل عربي" أن "خيار العودة إلى الحجر الصحي الشامل مستحيل، ولا يمكن تطبيقه في سياق عودة الأنشطة التجارية والصناعية والإنتاجية. كما أن مجموعة من القطاعات مرتبطة ببعضها البعض، إن أوقفت العجلة في قطاع واحد سوف تتضرر باقي القطاعات. مثلاً لا يمكن أن توقف رحلات قطار (البراق) والمناطق الصناعية مستمرة في العمل، هناك عدد كبير من المسؤولين وأرباب المقاولات والمهندسين وغيرهم، يستعملون القطار الفائق السرعة في تنقلاتهم إلى طنجة من مدن الدار البيضاء والرباط والقنيطرة".
في المقابل، شددت مصادر "تيلكيل عربي" على أن "السلطات سوف تتعامل بحزم مع أي تطور ينسف المجهودات التي بذلت طيلة الأشهر الماضية لمحاصرة تفشي الفيروس في المدينة".
نائب عمدة المدينة المكلف بتدبير القطاع الصحي يقول "لا يمكن غلق مدينة طنجة ككل. الأسر تضررت من الجائحة، ورغم سياسة الدعم المباشر لن تخفف الأزمة".
"عيد الأضحى قريب، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية قاسية جداً". عبارة يلخص بها عبد السلام العيدوني الواقع في المدينة. ويؤكد في سياق حديثه لـ"تيلكيل عربي" عن موقف السلطات في المدينة من قرارات الإغلاق التي صدرت قبل التراجع عنها "عقدنا اجتماعات طارئة منذ يوم الأحد 12 يوليوز الجاري. مكتب والي الجهة استقبل المئات من المتضررين الذين رفضوا عودة الحجر الصحي الشامل طيلة أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس من الأسبوع الجاري، بالإضافة إلى لقاءاته مع المسؤولين في قطاع الصحة، كنا أمام خيارين إما الإغلاق الشمال وتحمل تبعاته الاجتماعية والاقتصادية، والاقتصار على تشديد إجراءات فرض حالة الطوارئ الصحية في الأحياء التي قيل إن بؤر وبائية سجلت فيها، واخترنا الخيار الثاني، مع ما يفرضه من تنسيق بين مختلف المصالح الولائية والجماعية والمدنية للرفع من درجة الوعي والتحسيس لدى المواطنين".
المتحدث ذاته، يكشف لـ"تيلكيل عربي" أن "المعطيات حول الحالة الوبائية، تؤكد ارتفاع عدد الإصابات في هذه الأحياء، بحكم ارتباطها بالوحدات الصناعية والإنتاجية، لأن جل من يقطنها من القوى العاملة التي تهاجر إلى طنجة للبحث عن فرص الشغل. يجب أن تتعامل السلطات بحزم أكبر مع أرباب المصانع في المدينة ومحيطها، نعم قد يأتي الفيروس مع شخص يحمله من خارج المصنع حيث يعمل، لكن إن غابت شروط التباعد والتعقيم والسلامة والوقاية الصحية ككل داخل الوحدات الصناعية والإنتاجية سوف يجد الفيروس فضاء ملائماً للانتشار أكثر من ما يجده داخل الأحياء".
"دير كمامتك"
طيلة مقام "تيلكيل عربي" بمدينة طنجة والذي امتد لأربعة أيام بلياليها، رصد بالصوت والصورة تدخلات الفرق الأمنية من أجل تطبيق تدابير وإجراءات الوقاية والسلامة الصحية خاصة ارتداء الكمامات، والزيارات المفاجئة للسلطات المحلية بل وحتى عناصر الاستعلامات العامة لمختلف الفضاءات، منها الترفيهية.
يقول مسؤول أمني بمدينة طنجة لـ"تيلكيل عربي" إن "دور العناصر الأمنية هو الحرص على تطبيق إجراءات حالة الطوارئ الصحية على الجميع دون تمييز. عناصرنا منتشرة عند كل شبر من المدينة، ولا نسمح بأي تجاوز يهدد الأمن الصحي العام، في كل مدار تجد أكثر من عنصر أمن يرابطون 24 ساعة على 24، وكذلك الأمر في الفضاءات العمومية سواء التي توجد في الهواء الطلق أو المغلقة".
ليلة يوم الأربعاء 15 يوليوز الجاري، وبعد الجولة الليلية التي قام بها "تيلكيل عربي" بحي بني مكادة، توجه الموقع نحو وسط المدينة، قرب القنصيلة الفرنسية، أي عند ما يعرف بـ"سور المعاكيز"، عناصر الأمن بمختلف رتبها، بزي الرسمي والمدني، تجوب الشارع والساحة ذهاباً وإياباً، وعبارة واحدة تتردد على لسانهم: "دير كمامتك".
عشية يوم الخميس 16 يوليوز الجاري، عند الشريط الساحلي الممتد أمام شاطئ طنجة المغلق في وجه المواطنين، دوريات أمنية وثق "تيلكيل عربي" تدخلاتها بالصوت والصورة من مكان بعيد، ترصد كل من يتجول فوق رصيف "لاكوت" دون كمامة، ومصير الذين لا يرتدونها صعود سيارات دوريات الأمن دون نقاش حول الأمر.
هكذا هي الأوضاع في مدينة تصارع للخروج من واقع يفيد بأن "منظومتها الصحية غير متوازنة.. فهل يكون ضحيتها مواطن سوف يجبر على الاختباء من الجائحة داخل المنزل مرة أخرى؟"