نظمت كل من جمعية شباب من أجل السلام المغربية، ومنظمة تيزجار الليبية لقاء تفاعليًا تحت عنوان "الصحة للجميع".
ويندرج اللقاء في سياق الكارثتين الطبيعيتين التي عرفهما كل من المغرب وليبيا في الأشهر الماضية والتي لم تكنا مجرد حوادث أفزعت الآلاف من المواطنين والأطفال، بل مصيبة زلزلت الكيان النفسي لكل الضحايا.
وضعت الكارثتان كل الجهات من مؤسسات الدولة والمجتمع المدني أمام واقع جديد، حيث بدت فيه الحاجة الملحة إلى استجابة مستدامة من أجل الصحة والصحة النفسية لأنهما في خطر.
في اللقاء الذي جمع فاعلين جمعويين ومختصين من المغرب وليبيا، دار حوارًا إنسانيًا وعلميًا طُرحت من خلاله أسئلة حول أهمية الصحة النفسية، خاصة بعد الكوارث الطبيعية.
وأشار اللقاء إلى حقائق غالبًا ما نُغض البصر عنها، فالأمر لا يخص حقيقة أن مليارًا من سكان الكرة الأرضية يعانون من اضطرابات نفسية ويموت أكثر من ثلاثة ملايين شخص من سوء استعمال العقاقير والأدوية، بل أيضًا أن أهمية خدمات الصحة والمتابعة بعد الكوارث يمكن أن تمنع من حدوث كوارث أكبر عمقًا، خاصة التي تخص مستقبل الضحايا كجزء لا يتجزأ من مجتمع في سياق بناء وبحاجة ماسة لمواطنيه بكل خصوصياتهم وهوياتهم المتنوعة.
أكد زكرياء الهامل، رئيس جمعية شباب من أجل السلام، على أنه بالرغم من كل الجهود الجبارة التي قامت بها كل من الدولة المغربية والمجتمع المدني المغربي، والتي عرفت من خلالها العالم عن قرب عن القيم الإنسانية العالية التي تتميز بها "تمغريبيت"، وعن المغرب كنموذج يحتذى به على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أنه لابد من عدم غض النظر عن أهمية الصحة النفسية بعد زلزال المغرب.
وأضاف زكرياء أن منح الدعم اللوجستي والمادي لا يكفي، فالخدمات الصحية النفسية والدعم النفسي الاجتماعي والرعاية الصحية ضرورة أساسية، خاصة في بعض المناطق التي يصعب الوصول إليها، حيث تُعد من الأماكن التي تحوي الأشخاص الأكثر تضررًا وأكثر عرضة لتحديات الصحة النفسية متوسطة وطويلة الأجل التي يمكن أن تعيق التعافي والقدرة على الصمود.
من جهته، قال رئيس منظمة تيزجار لحقوق الإنسان ودعم الديمقراطية الليبية، موسى علي ونتيتي، إن الفيضان الذي ألم بليبيا أكثر مما كان متوقعًا، فليبيا، التي تعرف وضعًا سياسيًا واقتصاديًا هشًا، أصبحت في وضع لا يحسد عليه. والمواطنون، خاصة فئة النساء والأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، أصبحوا في حاجة ماسة إلى المتابعة النفسية، نظرًا لقوة الصدمة.
وأكد موسى أن المجتمع الليبي يعاني بأكمله جراء فقدان أفراده لكل شيء، من أحبائهم إلى منازلهم ووظائفهم والعديد من الممتلكات التي تحمل قيمة عاطفية. بالإضافة إلى ذلك، كافح العديد من ممثلي المجتمع المدني لتقديم الرعاية الاستجابة الأولية، وعلى الرغم من التعب وعبء العمل المرهق والصدمات الثانوية، فحاولت العديد من الجمعيات تقديم الدعم. وهذا لا يعود فقط إلى المجتمع المدني بل إلى قيم المجتمع الليبي التي يحملها كل ليبي والتي تنبني على المؤازرة وتقديم الدعم على قدر المستطاع.
وشدد أحمد قليوان، عضو الجمعية العمومية في فريق الدعم النفسي الاجتماعي في ليبيا، في مداخلته على الضرورة للمؤسسات الحكومية في التحضير للكوارث وتشكيل الفرق المتخصصة في الإنقاذ وتزويدها بكل الإمكانيات المتاحة وتكثيف التوعية حول الصحة النفسية والعقلية.
أما الدكتورة يسرى عمار، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة موجة لخدمات واستشارات الصحة والرفاهية النفسية في ليبيا، فأشارت إلى أن الاهتمام بالصحة النفسية أصبح أولوية لأي شخص في وقتنا الحالي. فالدعم النفسي مسؤوليتنا جميعًا تجاه بعضنا لبعض، لنمر هذه الفترات الصعبة بسلام، وبذلك نحقق الراحة والسلام لنا جميعًا.
لقاء "الصحة للجميع" كان تحت رعاية معهد العلاقات الخارجية الألماني، اعتبر أن الأزمة التي مر بها كل من المجتمع المغربي والليبي وسط الأحزان والمآسي أظهرت النبل الإنساني وروح التكافل التي تربط الفئات الاجتماعية المختلفة لهذه المجتمعات، إلا أن استحضار الجانب العلمي التنظيمي وإعطاء الأولوية لمنظمات المجتمع المحلية للتوعية والمواكبة يعد ضرورة وجدية، فمن سيفهم السياق غير من يعيش فيه.