عام على الكارثة.. الضحايا يسابقون الزمن للاحتماء من برد الشتاء

اسماعيل روحي

الحوز/إسماعيل روحي-تصوير- ياسين التومي

بأمل كبير في المستقبل يسابق الحسن آيت حساين ذو السبعين ربيعا الزمن من أجل إتمام أشغال بناء بيته الذي هدمه الزلزال العام الماضي، وهاجس واحد يؤرق باله هو الانتهاء من البناء قبل بداية فصل الشتاء ليتمكن من نقل عائلته من الخيمة التي تقطن بها بدوار أوكرزي القريب من بؤرة الزلزال بتلات نيعقوب والمجاورة لورش البناء منذ الفاجعة إلى داخل البيت الإسمنتي الذي شيد جدرانه في انتظار تسقيفه قبل موسم الأمطار الذي يكون عادة قاسيا بالمنطقة.

يسابقون الزمن قبل الشتاء

بالنسبة للحسن الذي التقته "تيلكيل عربي" بورش بناء منزله لا وجود لشيء اسمه التشطيب، لأن ما يهمه اليوم هو تسقيف المنزل، وهي العملية التي ينتظرها بفارغ الصبر بعد أن يحصل على الدفعة الثالثة من الدعم الذي أقرته الدولة من أجل ترميم أو إعادة بناء المنازل التي تضررت أو انهارت بسبب الزلزال.

الحسن يقول إنه تلقى الدفعة الثانية قبل شهرين والتي مكنته من بناء جدران المنزل، وتلزمه الدفعة الثالثة التي يأمل في أن يحصل عليها في أسرع وقت ممكن من أجل تسقيف البيت الذي يعمل فيه يدا بيد إلى جانب عامل البناء الذي تعاقد معه طمعا في اقتصاد بعض الدراهم تعينه خلال عملية التشطيب لأن وضعه المادي أسوة بكثير من السكان المحليين صعب للغاية وزادت الكارثة من تعقيده.

أمنية الحسن اليوم رفقة عائلته الصغيرة وباقي المتضررين الذين يقيمون في خيام بلاستيكية باردة شتاء وحارة صيفا، هي الانتهاء من تسقيف المنازل التي يشيدونها قبل حلول موسم الأمطار والثلوج الذي يكون قاسيا بالمنطقة، بعد موسم جاف عرفته المنطقة السنة الماضية مقارنة بباقي السنين ربما حسبه رأفة بأحوال آلاف العائلات التي اضطرتها الفاجعة إلى اللجوء إلى الخيام بعد تهدم منازلها.

تسريع عمليات البناء.. الاعتماد على الإمكانيات الذاتية ضروري

على بعد بضع كيلومترات من الورش المفتوح للحسن آيت حساين، كان حظ إبراهيم آيت وراح الذي تقدمه السلطات المحلية كتجربة ناجحة وملهمة أحسن بعد أن انتهى من بناء منزله بجماعة ويرغان الذي استقبلنا بداخله.

إبراهيم آيت وراح

رغم مرور سنة كاملة ما تزال ذاكرة إبراهيم حسب ما حكى لـ"تيلكيل عربي" تحتفظ بذكرى وفاة زوجته وابنه المؤلمة. ولأن الحياة يجب أن تستمر فهو لم ينتظر الدفعات التي تسلمها السلطات، بل عمد منذ تسلمه الدفعة الأولى التي كانت عبارة عن مبلغ 20 ألف درهم إلى وضع أساسات المنزل وقام باستكمال عملية البناء اعتمادا على إمكانياته المالية الذاتية وعلى قروض حصل عليها من بعض أفراد العائلة في انتظار حصوله على باقي الدفعات والتي ما تزال الأخيرة منها لم يتسلمها بعد رغم إكماله جميع الأشغال، بل وسكنه بالمنزل لحوالي أربعة أشهر.

يعتبر إبراهيم أن حياة الخيمة قاسية جدا وهو ما دفعه إلى الانتقال إلى منزله قبل شهر رمضان الماضي مباشرة بعد استكمال البناء دون انتظار عملية التشطيب التي قام بها وهو داخل المنزل عبر الانتقال من غرفة إلى أخرى حتى أتم العملية بأكملها.  حال إبراهيم تشبه إلى حد كبير حال مجموعة من جيرانه الذين حالفهم الحظ في إكمال عملية البناء بجماعة ويرغان التي تسير فيها أشغال البناء على قدم وساق تحسبا لفصل الشتاء البارد.

80 ألف درهم غير كافية للإصلاح

هذه هي الخلاصة التي استنتجناها في حديثنا إلى عمر الشلح الذي يقطن دوار العرب التابع لجماعة أسني الذي يسابق الزمن كذلك مستعينا بثلاثة عاملين في مجال البناء من أجل ترميم بيته الذي تعرض لأضرار بليغة خلال الزلزال.

يؤكد الشلح خلال حديثه لـ"تيلكيل عربي" أنه يضطر في أحيانا كثيرة إلى زيادة مبالغ مالية من جيبه من أجل إكمال الأشغال المطلوبة من أجل تسلم الشطر الموالي من مبلغ الدعم المحدد في 80 ألف درهم ومع ذلك فهو كذلك يسابق الزمن من أجل ترميم منزله ليتمكن من مغادرة الخيمة التي تؤويه رفقة أفراد عائلته والتي أقامها قريبا من بيته.

عمر وضع أصبعه على مشكل مهم يواجه الجميع اليوم بإقليم الحوز وهو قلة أعداد مهنيي البناء وارتفاع ثمن عملهم اليومي الذي قارب 200 درهم، بالإضافة إلى الغلاء الذي تعرفه مواد البناء عموما بفعل الضخم وصعوبة نقل تلك المواد بسبب الطبيعة الوعرة للمنطقة التي توجد أغلب دواويرها وسط الجبال.

ورغم كل هذه المعاناة التي يتحدث عنها عمر، إلا أن وضعه يظل أفضل بكثير من جيرانه بالدوار الذين لم يتمكن بعضهم من بدأ الأشغال بسبب قلة ذات اليد أو بسبب مشاكل إدارية حول أحقية الاستفادة حسب ما نقل إلينا مجموعة منهم.

بعد سنة على الزلزال.. حالات مازالت تنتظر

بخلاف الحالات السابقة التي إما أنهت الأشغال بمنازلها وانتقلت إليها أو تسابق الزمن من أجل الانتهاء فإن محمد آيت ناصر الذي يعيش رفقة عائلته الصغيرة داخل خيمة بدوار تيكيو القريب من تلات نيعقوب ما يزال ينتظر الحل من أجل بناء منزله على الأرض التي اضطر إلى اقتنائها بعد أن منعت السلطات البناء في الدوار الذي كان يقيم به بفعل خطر تساقط الأحجار الذي قد يعود في أية لحظة ويودي بحياة السكان.

آيت ناصر ينتقد البطء الكبير الذي تعرفه عملية تعامل السلطات مع ملفهم، إلى جانب هزالة المبلغ المالي الذي سيمنح لهم بعد أن تم ترحيلهم عن الدوار الذي كانوا يقطنون به ومنع البناء فيه وهو ما فرض عليه اقتناء قطعة أرضية جديدة وهو ما يمثل مصاريف إضافية فرضت عليه مقارنة بباقي الضحايا الذين قاموا بتشييد مساكن داخل أراضيهم أو قاموا بترميم المنازل التي كانوا يقيمون بها.

آيت ناصر عبر في حديث لـ"تيلكيل عربي" عن غضبه من البطء الكبير الذي تسير به العملية وهو ما سيفرض عليه قضاء أشهر أخرى تحت الخيمة التي أقامها بجانب الطريق المؤدي إلى مركز تلات نيعقوب. معربا عن أمله في أن تقوم السلطات المحلية والمنتخبة باحترام وعودها من خلال تسريع عملية استفادته من مبالغ الدعم التي أقرتها الدولة كي يتمكن من بناء القطعة الأرضية الصغيرة التي اقتناها.

تلاميذ الزلزال.. الاستغناء عن الخيام المدرسية

بين مدينة تحناوت وويرغان تقع جماعة أسني التي تضررت مبانيها كذلك خلال الزلزال، حيث تظل البنايات الآيلة للسقوط شاهدة على عنف الهزة الأرضية التي ضربت المنطقة في الثامن شتنبر 2023.

رغم المجهود الذي بذلته السلطات في إعادة تشييد البنيات التحتية التي تضررت، إلا أن التلاميذ سيمضون الموسم الدراسي الحالي داخل الثانوية الإعدادية الأطلس الكبير التي تم تشييدها من الحاويات المعالجة التي جرى تحويلها إلى 45 حجرة دراسية من المقرر أن تستقبل 1600 تلميذ من مختلف الدواوير القريبة من مركز الجماعة الذين كانوا يترددون من حين لآخر على المؤسسة التعليمية لمعرفة وقت فتح التسجيل بها رغم أن الآثار النفسية للزلزال ما تزال ترافق كثيرا منهم حسب مدير المؤسسة.

هذا الوضع أكده محمد زروقي، المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية والرياضة بالحوز، الذي أكد "لتيلكيل عربي" أن مديريته قدمت بتعاون مع جميع الشركاء دعما نفسيا للتلاميذ اقتناعا منها أن الاطمئنان النفسي للتلميذات والتلاميذ أساس للتحصيل الدراسي وذلك بغاية التخفيف من تداعيات الزلزال.

غير أن اللافت في الأمر حسب زروقي هو الارتفاع الذي سجلته نسب النجاح في الامتحانات الإشهادية رغم ظروف الزلزال، حيث عرفت نسبة النجاح بالنسبة لمستوى الباكالوريا ارتفاعا بنسبة 6 في المائة مقارنة بالموسم الذي سبق الزلزال، كما عرفت نسبة النجاح في امتحانات نيل شهادة السلك الإعدادي ارتفاعا بـ13 في المائة، وتم تسجيل ارتفاع بنسبة 1 في المائة في نسبة النجاح في السلك الابتدائي.

زروقي أكد حرص وزارته على سلامة المؤسسات التعليمية وللوقوف على هذا الأمر كشف أنه تم تشكيل لجان هندسية عهدت إليها مهمة تحديد درجة الضرر المترتب عن الهزة الأرضية. وأسفرت هذه العملية عن إعادة تأهيل المؤسسات التعليمية التي عرفت أضرارا طفيفة وإعادة فتحها في وجه التلاميذ موازاة مع تعيين مكاتب للخبرة التقنية من أجل زيارة المؤسسات التعليمية وتحديد درجة الضرر، مضيفا أن هذه العملية صاحبها تحويل مجموعة من التلاميذ والتلميذات بين المؤسسات التعليمية داخل الإقليم الواحد وخارج الإقليم وذلك من خلال نقلهم من المؤسسات التعليمية المتضررة إلى مؤسسات تعليمية غير متضررة سواء داخل الإقليم أو خارجه مع ضمان منحة كاملة تيسر ظروف الإيواء والإطعام.

المسؤول كشف كذلك في حديثه لـ"تيلكيل عربي" أنه تم خلال الموسم الدراسي الماضي تحويل 6 آلاف تلميذ وتلميذة بالمديرية الإقليمية بالحوز 3 آلاف تلميذ منهم داخل الإقليم والباقي خارج الإقليم وبالضبط صوب مدينة مراكش، إلى جانب استبدال الخيام المدرسية بوحدات مسبقة الصنع.

وأشار زروقي إلى أن 343 مؤسسة تعليمية متضررة من الزلزال مصنفة إلى ثلاثة أصناف 103 منها عرفت انهيارا كليا، و121 مؤسسة عرفت انهيارا جزئيا و119 عرفت بعض التصدعات، مضيفا أنه وللتغلب على هذا الوضع تم مباشرة بعد الزلزال تعيين مكتب دراسات تقنية وهندسية من أجل مباشرة عمليات بناء وترميم المؤسسات التعليمية التي انطلقت بإعلان طلبات عروض.

وبالنسبة للشطر الأول من عمليات التأهيل فاستهدف تأهيل 47 مؤسسة تعليمية عرفت بعض الشقوق المتوسطة إلى عميقة بالموازاة مع بناء 12 مؤسسة تعليمية.

وتميز الدخول المدرسي الحالي حسب زروقي بإرجاع جميع التلاميذ الذين تم تحويلهم خلال الموسم الدراسي الماضي نحو مدينة مراكش والذين يبلغ عددهم 3 آلاف تلميذ للدراسة بجماعاتهم الأصلية وهو ما من شأنه تعزيز الاطمئنان النفسي للتلاميذ واستعدادهم للتحصيل الدراسي.

هدم المنازل وفتح الطرقات.. صعوبات تقنية

في الطريق بين تحناوت وبؤرة الزلزال بتلات نيعقوب مازالت آثار الزلزال ظاهرة للعيان وركام الأحجار الضخمة التي تساقطت مايزال بعضها في الطريق بين جماعة ويرغان وبتلات نيعقوب وهو ما يصعب حركة التنقل بالمنطقة.

هذا الوضع الصعب يؤكده يوسف وردوني، المدير الإقليمي للتجهيز والماء بالحوز، الذي أكد خلال لقاء مع "تيلكيل عربي" أن الوزارة تجندت ومنذ الساعات الأولى للزلزال للمهمة الأولى والأساسية والمتمثلة في فتح الطرقات التي تعرضت للانهيارات الصخرية، ويتعلق الأمر بـ8 طرق مصنفة (حوالي 230 كيلومتر) و35 طريقا غير مصنف حوالي ( 300 كيلومتر) التي تم فتحها بالاستعانة بـ320 آلية.

أما العملية الكبيرة التي قامت بها وزارة التجهيز بشراكة مع وزارة الداخلية فتتعلق بإزالة الأنقاض، حيث تكلفت الوزارة بالدواوير التي تتوفر على ولوجيات عبر توفير الآليات، فيما تكلفت وزارة الداخلية بالمنازل غير المتوفرة على ولوجيات عبر الشاق المتعلق بالإنعاش الوطني.

وشدد الهلالي على أن عملية إزالة ركام المنازل المتضررة بالزلزال كانت صعبة جدا لأن الدواوير متفرقة ويصعب نشر الآليات وتتبعها، وحينما تلج الآليات كان يتوجب علينا أن نستحضر أن المنازل تضم أغراضا ثمينة خاصة بالسكان، وبالتالي يتوجب علينا العمل بطريقة تمكنهم من استرجاع أغراضهم المهمة لنصل اليوم إلى هدم 23 ألف و360 منزل.

جدل احترام الخصائص المعمارية للمنطقة

لا يكاد أحد من المتضررين الذين التقتهم "تيلكيل عربي" بالحوز يتحدث عن ضرورة احترام الخصائص المعمارية للمنطقة التي تعد تعد عاملا رئيسيا في الشهرة التي وصلت إليها المنطقة والتي تجعل السياح الأجانب يتوافدون عليها من جميع دول العالم.

وفي المقابل فإن النخبة السياسية للمنطقة واعية بالأهمية الكبيرة التي يشكلها الحفاظ على الخصائص المعمارية للمنطقة وهو ما دفع في وقت سابق محمد إدموسى، البرلماني عن الفريق الإسقلالي للوحدة والتعادلية للحديث خلال سؤال موجه إلى فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة الإسكان والتعمير وسياسة المدينة بخصوص عدم احترام معايير إعادة بناء المناطق المتضررة من زلزال الحوز.

واعتبر إدموسى خلال السؤال الذي تتوفر "تيلكيل عربي" على نسخة منه أن عدم احترام هذه المعايير هو شكل من أشكال عدم التقيد بالتعليمات الملكية، التي شددت على أن تتقيد عملية إعادة الإعمار على أساس دفتر للتحملات، وبإشراف تقني وهندسي بانسجام مع تراث المنطقة، والذي يحترم الخصائص المعمارية المتفردة.

واعتبر البرلماني أن جميع التصاميم المسلمة لحد الآن تتعلق بشقق السكن الاقتصادي أغلب مساحاتها لا تتجاوز 70 متر مربعا، في الوقت الذي كان فيه المواطن المتضرر يقطن بدواوير ومداشر تتكون من منازل مساحتها أكثر من 70 متر مربع، مع إمكانية إضافة مرابط للمواشي ومخازن للغلال والمؤن وغيرها من البنايات.

وجهة النظر هاته يتقاسمها محمد الديش، رئيس الائتلاف المدني من أجل الجبل، الذي أكد التوجيهات الملكية كانت ومنذ البداية تقوم على المحافظة على المعمار والمظاهر الثقافية والتراثية للإقليم، إلا أن التصاميم التي قدمت للمتضررين لم تحترم التوجيهات الملكية التي تقوم على المحافظة على شكل البنايات باستعمال مواد محلية.

وأكد الديش في تصريح لـ"تيلكيل عربي" أن السكن الجبلي يجب أن لا يكون عبارة عن صناديق إسمنتية، منتقدا في الوقت ذاته الوتيرة التي تسير بها عملية إعادة البناء التي ستحتاج حسبه إلى سنوات طويلة إذا ما اسمرت على ما هي عليه اليوم.