محمد الزيتوني
ولد عبد الرحمن اليوسفي ،الزعيم السياسي المغربي في ظروف تاريخية استثنائية ولفظ أنفاسه الأخيرة في ظروف استثنائية، وبين الميلاد والرحيل عاش أهم محطات التاريخ المعاصر لبلده المغرب والمنطقة المغاربية.
ولد بمدينة طنجة (الدولية آنذاك)،سنة 1924 م، ثلاث سنوات بعد هزيمة الجيش الإسباني الكبير أمام إرادة ثورة الريف التي سجلت ملحمة في تاريخ البشرية ودفعت القائد الإسباني الجنرال سيلفيست إلى الانتحار، ورسمت إنارة طريق لشعوب العالم التواقة إلى التحرر والانعتاق والاستقلال.
إن الكتابة عن مسؤول سياسي من حجم عبد الرحمن اليوسفي يقتضي التحلي بالموضوعية التامة والتركيز على ما يميز الرجل، أي الرجل السياسي ،فهو المقاوم المغربي ضد الاستعمار والمعارض لسياسات الدولة المركزية أو ما يعرف بالمخزن، والحقوقي والمشارك في تجربة التناوب الحكومي والمنفتح على مقاربة العهد الجديد، أي العهد الذي دشنه الملك محمد السادس بعد اعتلائه العرش.
على مستوى مقاومة الاستعمار:
لعب عبد الرحمن اليوسفي دورا كبيرا، وساهم بقسط وافر في مقاومة الحماية الاستعمارية، منذ ريعان شبابه وأصبح رئيسا للمجلس الوطني للمقاومة وجيش التحرير مباشرة بعد الاستقلال، وتعتبر هذه المرحلة أساسية في بناء شخصية اليوسفي، السياسي والحقوقي الوطني.
فانتقال اليوسفي إلى مراكش لمتابعة دراسته الإعدادية سيمكنه من الالتقاء بمجموعة من التلاميذ التواقين للحرية والانعتاق، هنا تفتق وعيه السياسي فتزعم اليوسفي مظاهرة احتجاجية ضد قرار ظالم للمقيم العام، وإدارة المؤسسة، نتج عنه مغادرة مراكش نحو ثانوية مولاي يوسف بالرباط هنا سيلتقي بالمهدي بنبركة، الذي استقطبه ليصبح عضوا بحزب الاستقلال ويصبح المسؤول عن الخلية التلاميذية بالثانوية التي تمكنت من ربط الصلة مع القصر الملكي، وقد أطر اليوسفي مشاركة تلاميذ ثانوية مولاي يوسف في مظاهرات 29 يناير 1944 التي كانت بتنسيق مع عدة مدن أخرى. (سيساهم اليوسفي بتوزيع وثيقة الاستقلال)
سيخرج اليوسفي رفقة زملائه للالتحاق بالمتظاهرين احتجاجا على اعتقال قيادات حزب الاستقلال من طرف المستعمر، في تحد صارخ لقرار مدير ثانوية مولاي يوسف بمنع التلاميذ من المشاركة في التظاهرة . هذا الموقف سينتج عنه طرد اليوسفي من الثانوية. فانتقل، إلى مدينة الدار البيضاء وبها تعرف على عدد كبير من المقاومين ، وهنا سيمارس العمل النقابي تأطيرا وممارسة، وبعد حصوله على شهادة البكالوريا ، سافر إلى باريس سنة 1949 لإتمام دراسته العليا في القانون ومن باريس كان يؤطر الحركات العمالية والطلابية والحركة الوطنية لمقاومة الاستعمار، اعتقل اليوسفي لأول مرة بباريس. وتم إطلاق سراحه بضغط من المغفور له محمد الخامس على إدارة المستعمر.
في مجال قوق الإنسان
لم يكن عبد الرحمان اليوسفي سياسيا ونقابيا فقط، بل كان كذلك مدافعا عن حقوق الإنسان. جاء في بيان للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، الذي نعت فيه، المرجوم عبد الرحمان اليوسفي بأن "مسيرته مثلت رمزا في التناغم المنشود بين النضال من أجل حقوق الإنسان والتشبث بالوطنية".
كان لليوسفي دورا مهما في الأممية الاشتراكية وفي الدفاع عن حقوق الإنسان وقد شارك في تأسيس "المنظمة العربية لحقوق الإنسان" قبرص (1983)، وانتخب نائبا لرئيس مجلس أمنائها، كما أسس في المغرب مع مجموعة من الحقوقيين "المنظمة المغربية لحقوق الإنسان"، للدفاع عن حقوق الإنسان في شموليتها مؤمنا بحق المرأة في المساواة، وحق الفلسطينيين الشرعي ونضالاتهم من أجل الحق و الحرية والانعتاق كان مدافعا عنهم امام المحاكم الأوربية كما انتفض ضد الجرائم التي ترتكب في الفيتنام. هذا الحضور القوي في المجال الحقوقي والسياسي لعبد الرحمان اليوسفي داخل المغرب وخارجه يكشف لنا عن البعد التكويني في مجال حقوق الإنسان، ومدى تشبعه بقيمها وعيا وممارسة في سلوكه اليومي، وكان لحضوره القوي في المنظمات الحقوقية الدولية فرصة للترافع عن القضايا الوطنية مدافعا و محاورا بارزا ومقنعا تقول السيدة كريستين السرفاتي، عندما قالت :" التقيت أول مرة عبد الرحمان اليوسفي في الثمانينيات من القرن الماضي بقصر المؤتمرات بجنيف، في إحدى الندوات عن حقوق الإنسان، وكنت وقتها من المتحمسين والمدافعين عن البوليساريو. جلست مع الرجل، فكان المغربي الوحيد الذي شرح لي بيسر ماذا تعني القضية الوطنية بالنسبة للمغاربة. كانت قدرته على الإقناع هي التي غيرت بشكل نهائي مواقفي السابقة حول قضية الصحراء». وهو كلام له دلالة قوية من سيدة عرفت بقوتها وشراستها في الدفاع عن حقوق الإنسان.
مرحلة التناوب:
يرى عبد الرحمان اليوسفي أن محاولة التناوب بدأت في ذكرى20 غشت 1964، حين أصدر الملك الحسن الثاني عفوا بإطلاق سراح 65 معتقلا منهم الفقيه البصري وعمر بن جلون ومؤمن الديوري ، وتحويل بعض أحكام الإعدام إلى السجن المؤبد. واستقبل الحسن الثاني الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد لإبلاغه بالتفكير بتكوين حكومة وحدة وطنية، لكن حادثة اختطاف المهدي بن بركة يوم 29 اأكتوبر1965 أدخلت البلاد في حالة من الصراع الجديد وقد شغل هذا الحدث الرأي الوطني والدولي ، ولا زال مصير المهدي مجهولا إلى يومنا هذا.
في الأدبيات السياسية المغربية، يشير مفهوم التناوب التوافقي إلى لحظة مهمة من تاريخ المغرب المعاصر، أنهت الصراع الطويل بين الملكية والمعارضة الممثلة في الكثلة الديمقراطية ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حزب الاستقلال، حزب التقدم والاشتراكية، منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، والاتحاد الوطني للقوات الشعبية).
وهي تجربة سياسية عاشها المغرب منذ 1998 وحتى 2002، انتهت التجربة عام 2002 . بتعيين وزير أول من خارج الأحزاب السياسية ، وقد حققت تجربة التناوب إنجازات مهمة على المستوى السياسي والحقوقي والاقتصادي و الاجتماعي. كما جاء في التقرير الذي تلاه اليوسفي. رغم أنها لم تكتمل ولم يستطع اليوسفي كما صرح لمجلة جون أفريك يوما "لم أنحج في الخروج بالمغرب من قفص الحسن الثاني".
دعا اليوسفي الأجيال الجديدة لحسن قراءة الماضي إذ قال بمناسبة تقديم مذكراته "أحاديث في ما جرى": "لا أبالغ إذا قلت إنها ستحسن صنع ذلك المستقبل مادامت مستوعبة لكل دروس وقيم ماضينا والوفاء والعطاء المنتصر للحوار بدل العنف والتوافق بدل الاستبداد بالرأي".
هذه القيم هي التي دفعت اليوسفي إلى القبول بمنطق التناوب، بالرغم من رفضه لمنطق الوصاية، ولمخزنة الدولة الحديثة، أملا في بناء مغرب ديمقراطي حداثي .
لكن الموضوعية تفرض كذلك الجواب عن أسئلة لا مفر منها لإلحاحها:
أين أسدى زعيم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كأقوى حزب يساري في المغرب في عدة محطات في تاريخ المغرب؟ وأين أخفق؟ للإجابة عن هذه الاسئلة وأخرى يبقى التاريخ هو الحكم الرئيسي على ما قدمه اليوسفي للمغرب من جهة وللحركة الديمقراطية والحقوقية من جهة أخرى.