وضع الكاتب عبد الرحيم كمال، الأستاذ الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز – فاس، اللبنة الثانية لاستكمال ثلاثية روايته، التي انطلقت برواية بتكوليا الانتظار (Tkoulia L'attente)، ورواية جلود وألوان (Peaux et Ocres)، وقيد الطبع رواية غرق في الصحراء (Naufrage dans le désert).
وعلى هامش توقيع روايته جلود وألوان (Peaux et Ocres)ـ يوم السبت 11 ماي 2022، بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، أوضح عبد الرحيم كمال المتخصص في الأدب الفرنسي والفرنكفوني لـ"تيلكيل عربي"، أن "الرواية تدخل ضمن الإطار الزمني أواخر التسعينات ما بين سنة 1990 إلى 1998، التي تُعد مرحلة مفصلية في تاريخ السياسي المغربي، وتدور أحداثها بمجموعة من المدن، بالدار البيضاء، والرشيدية، وتازمامارت، ومكناس، وفيها شخوص متعددة".
وأضاف المتحدث ذاته، أن "الرواية فيها عوالم اثنين، عالم تزمامرت، ونتائجه، وعالم السياسة والاقتصاد، وهي محاولة فهم عن ما هي العلاقة بين السياسي والانساني؟ وكيف أن التاريخ البعيد والقريب يُحدد سلوكيات الأشخاص، والخلاصة أن كل جسد إنسان فهو مجموعة من التواريخ".
وحول سبب التركيز على مرحلة التسعينيات، قال: "قبل هذه المرحلة كُنت في فرنسا لمدة تسع سنوات، اي في فترة الثمانينات، وكان لي انتماء سياسي فكري وليس تنظيمي مباشر، وحينها كنت أتتبع ما يقع من أحداث، كانت تؤلمني، وعند عودتي للمغرب سنة 1990، حدث لي أول اصطدام مع الواقع المغربي لأنني ذهبت إلى فرنسا في سن مبكرة".
وأورد المؤلف"التقيت منتمين لليسار، ممن عانوا من تجربة الاعتقال السياسي، وبعدها دخلت في عمل سياسي وجمعوي، هذا كله شكّل مجموعة من التساؤلات، من قبيل، لم المغربي بهذه الصفات الآن؟ طبعا، لا يمكن تجاوز العامل السياسي والاقتصادي، لكي نفهم الإنسان المغربي في جزئياته البسيطة، حتى في مسألة الحب، هذه المسألة لا تظهر لنا، وبالتالي حاولت التركيز عليها".
"خيانة المثقف"
وشدّد عبد الرحيم كمال على أن "الجانب التوثيقي لمرحلة سنوات الرصاص كان حاضرا عندي، قبل أن أكتب روايتي، وأيضا هناك أحداث عشتها، كما أتحدث عن دور المثقف والمثقفين، خيانتهم، منهم خيانتي، لأننا لم نقم بدورنا الذي يجب أن نقوم به".
ولفت إلى أن "الخيانة الآن تتم بشكل بشع، غير أن الخيانات قديمة، عشنها في سنوات الرصاص، فأمام قوة العنف التي كانت، لا بد أن يأتي وقت تتراجع فيه".
وتابع: "حين تسمع شهادات المعتقلين السياسيين، من ذلك النقاش الكبير الذي جرى داخل السجن المركزي بالقنيطرة، حول لماذا الانسان يكشف (تيهضر)؟ ويعطي أسماء فلان وعلان، وكانوا يعتقدون أنهم دربوا أنفسهم لمقاومة الألم، ومن أعدوا تلك المذكرة لم يستطيعوا الصمود، لأن الإنسان يبقى إنسانا".
ونبه إلى أن "الخيانة العظمى للمثقف هي أن يصبح مخزنيا أكثر من المخزن، وأداة قمع حتى في تعاملاته، ويمكن القول أنني يساري، ولست من النوع الذي يرفع الشعارات، فالمثقف الحقيقي، الذي يغير في محيطه، داخل الدرس أو أثناء الحوار مع الطلبة، أو مع الجار، لذلك الأفكار يجب أن تظهر في السلوك وليس بالشعارات".
"لغة ناعمة"
وأشار إلى أنه "في مجال السمعي البصري، تُوجد عملية انتقاء للأشخاص الذين يجلبونهم للحديث عن المواضيع، يعني (ما تيجيبوش لي تيهضرو) في عمق المشكل، يختارون من لهم لغة ناعمة، تتماشى مع الخطاب الرسمي، وتحاول إظهار وجود عمل عميق في التغيير".
وأورد أن "عدد من الشخصيات في الرواية حقيقية، كما أن المرزوقي الذي التقيت به مؤخرا، تأثر كثيرا بروايتي، وقال لي أن لها وقع أكبر من الشهادات، وأعجبتني هذه الشهادة، لأن الأهم في الجانب الفني هو الكتاب واللغة، وهناك من يخلق عوالم غير منتظرة أثناء الكتابة، نعم هي شهادة على مرحلة سياسية في المغربـ ولكن على القارئ التمتع باللغة، رغم أن الموضوع مؤلم جدا".
الكتابة عن سنوات الرصاص لن تتوقف
وحول هل استُنفذ الحديث عن تلك المرحلة؟ قال إن "الحديث عن تلك الفترة السياسية لم ولن تنتهي، وإذا لم نقرأ ذاكرتنا لن نستطيع تجاوزها، ومسائل كثيرة لم تتغير سياسيا، ظاهريا هناك تنويه وحركية، لكن هناك أمور لم تتغير، جيل 2000 الذي لم يعش فترة السبعينات والثمانينات والتسعينات له حُسن الحظ، لم يعش تلك المرحلة، ويمكنه الانسلاخ من التاريخ المؤلم".
وأكد الأستاذ الجامعي أن "تناول مرحلة تاريخية من الجانب الأدبي مُهم جدا، لأن تاريخ المغرب لم يكتب بعدُ، هناك جوانب كتب عنها، ولكن مسائل جوهرية لم تكتب، وهنا يكمن دور الرواية في التطرق للمسكوت عنه، طبعا دور الأدب محدود، نعترف بذلك، ولكن تبقى ذاكرة، وهذا سيمكن، مثلا، شخص ازداد في 2000، من فهم الكثير من حاضره وماضيه".