سواء كن زوجات أو أمهات أو بنات، فإن النساء يتعرضن، في غالب الأحيان للحيف، خلال تقسيم التركة. هذا التمييز الذي يتم تبريره بمقتضيات الإسلام، يتسبب في العديد من المآسي العائلية.
في مغرب اليوم، ورغم كل التطورات الاجتماعية، تظل قواعد الإرث، التي تنظمها مدونة الأسرة بعد إصلاحها في 2004، محكومة بضوابط المذهب المالكي. وتظل آيات سورة النساء المرجع الأساسي لتوزيع التركة في البلاد.
في الحالة التي يترك فيها الأب بعد وفاته بنات وأولادا، فإن سورة النساء تنص على أن للذكر مثل حظ الأنثيين. وإذا لم يترك ذرية، فمن حق إخوة الهالك، والكثير من أقاربه، المطالبة بجزء من تركته.
وقد حاولت الناشطات النسونيات سدى التصدي لهذه الحيف. والواقع أن النضال من أجل المساواة في الإرث يواجه صخرة صماء تتمثل في تصلب العلماء والمحافظين الذين يعضون بالنواجذ على "الدوكسا" القرآنية. وقد كانت الباحثة في الشؤون الإسلامية، أسماء لمرابط، من ضحايا هذا التصلب. فقد اضطرت إلى الاستقالة من منصبها كمديرة لمركز الدراسات والأبحاث النسائية في الإسلام، التابع للرابطة المحمدية لعلماء المغرب، بسبب الضغوط التي تعرضت لها بعد إدلائها بتصريحات تؤيد فيها المساواة في الإرث.
من جهتها، جددت أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في مارس الماضي، التأكيد على موقف هذه المؤسسة الداعم للمساواة في الإرث، كما جاء في تقرير يعود إلى 2015. وكان هذا واحدا من المواقف الرسمية النادرة التي تدعم إصلاح نظام الإرث.
أصل المآسي
وحسب جل المتخصصين في توزيع التركات الذين اتصلت بهم "تيلكيل"، فإن هذا الحيف يتسبب في العديد من المآسي العائلية ويسهم في تعميق هشاشة النساء. ويقول مستشار قانوني متخصص في تدبير التركات "رأيت ابنا يحاول إقصاء كل أخواته للاستفراد بالإرث، ولم يحم سوى والدته"، وأضاف أنه في ساعة الحقيقة هذه غالبا ما يطفو إلى السطح "الجشع، والأنانية وأحقاد الماضي".
إن وفاة الزوج غالبا ما يكون مرادفا للصراع حول تركته، وغالبا ما تؤدي ثمنه الأرامل والبنات بسبب القوانين غير العادلة للإرث. و"ليلى" تدرك هذا الأمر جيدا. فقد ترعرعت في ظل مأساة جدتها في عقد الستينيات. تقول "بعد أن أسلم جدي الروح، طالبت جدتي بالأراضي التي كانت في ملك زوجها الراحل. فقال لها إخوته وأخواته إنه كان قد باع لهم، قيد حياته، كل شيء، ولم يعد يملك أي شيء حتى ترثه. ولكن لم يدل أي أحد منهم بما يثبت أنه باع لهم. في الستينيات كانت تعم السيبة".
تم طرد جدة ليلى ووالدتها، التي كانت في السادسة من عمرها، وأخت هذه الأخيرة، فأقسمت والدتها أنها لن تسمح بتكرار هذه المأساة مع بناتها. وتوضح ليلى قائلة "لم يكن لأبي سوى بنتين، أختي وأنا، فخافت والدتي أن يستحوذ أعمامي على إرثنا في حالة وفاته. فاقترحت عليه أن يكتب كل شيء باسمها لتجنب هذا الاحتمال. قبل أبي، وقامت والدتي بعد ذلك بنقل ملكية البيت الأسري إلينا أنا وأختي على سبيل الهبة، وستتخلى لنا عن الأرض الفلاحية في غضون بضعة أسابيع".
من أجل حماية البنات
وأسوة بوالدتها، تسعى ليلى، التي استقرت بالولايات المتحدة مع زوجها، إلى حماية حق رضيعتها التي تبلغ بضعة أشهر من عمرها. وتقول بهذا الصدد "إننا نبحث عن سبيل تخول لنا نقل أملاكنا إليها. واقترح زوجي، لتهدئة مخاوفي، أن يطلب من أخويه التوقيع على تنازل يقران بموجبه أنهما لن يطلبا بأي شيء من الميراث إن وافته المنية. لدينا بيت في الولايات المتحدة، ولكن أمره محسوم بوصية، ما يقلقني حقا هو مصير البيت الذي نملك في المغرب".
وأضافت أنها واعية بـ"حساسية الموضوع، وأعترف أنني أعطي الانطباع لزوجي بأنني لا أحب أخويه أو أنني لا أثق فيهما. والحال أن زوجي وأخويه قرروا، بعد وفاة والديهم، أن تحصل أختهم الوحيدة على الربع من التركة مثل كل واحد منهم تماما. ولكنني صرت موسوسة وأخاف كثيرا على مصير ابنتي بعد ما عانته أمي وجدتي".
إن القصص التي تعود إلى الستينيات، مثل حكاية جدة ليلى ونساء أخريات، مازالت تحدث إلى اليوم. وتحكي سيدة أخرى: "أعرف أسرة غنية جدا من ثلاث أخوات كن معي في الإعدادية، ولكن بعد وفاة والدهن في حادثة سير، أقصاهن عمهن من الإرث، فانتقلن من الإقامة في فيلا ضخمة بأحد أرقى الأحياء بمراكش إلى العيش في شقة من ثلاث غرف بوسط المدينة. ولم يستوعبن كيف قام عمهن، الذي كن قريبات منه، بطردهن بهذه الطريقة".
صراعات أسرية
إن توزيع التركة، المعتمد أساسا على النص الديني، لا يتماشى بالمرة مع التطورات الاجتماعية، ولهذا يلجأ المغاربة، أكثر فأكثر، إلى طرق قانونية أخرى لتنظيم إرثهم.
فإذا كانت لديك أملاك مهمة أو متواضعة، فالخوف على مآلها قد يساورك لأسباب عديدة: حقد أخ من الإخوة، غياب النضج لدى الابن، تفكيك ملك ذي رمزية كبيرة أو بكل بساطة التسبب في صراعات أسرية. والأمثلة هنا كثيرة جدا.
فمن لم يسمع بل ولم يكن شاهدا على صراعات ضارية بين الإخوة بسبب الخلاف حول التركة؟ تقول سعيدة الشرايبي، وهي موثقة بالدار البيضاء، "إن الحكايات التي نصادفها في عملنا اليومي تتنافس فيما بينها في درجة القذارة. هناك حالة أهدى فيها رجل على فراش الموت فيلا لزوجته ولكن هذا الإجراء تم إلغاؤه من طرف إخوته وأخواته الذين طردوا بناته، وبرروا ذلك بأن أخاهم الراحل لم يكن في كامل قواه العقلية".
وفي بعض الأحيان، يأخذ الاقتتال بين الإخوة معناه الحقيقي، لما تتطور الأمور إلى حد القتل. ويقول مراد (26 عاما)، وهو مسؤول عن التسويق بالدار البيضاء: "لما توفي جدي، كانت تركته عبارة عن شقة من فئة السكن الاجتماعي بسلا. كان أحد أعمامي بالسجن في تلك الفترة، ولكنه لما أفرج عنه، اكتشف أن إخوته وأخواته باعوا الشقة ووزعوا الغنيمة بينهم بدون إخباره. بعد بضعة أيام، عاد إلى وراء القضبان، وهذه المرة سيمكث هناك بقية حياته. فقد قتل واحدا من إخوته اعتبره مدبر هذه 'المناورة'".
في المغرب، توجد أحكام الإرث في الكتاب السادس من مدونة الأسرة لسنة 2004. وبالنسبة للمسلمين، أي 99,9% من سكان البلاد، فالمرجع في شؤون الإرث هو المذهب المالكي. وفي هذا المذهب، تعطى الأولوية للذكر الذي يمكن أن يرث كل التركة، أما الإناث فيرثن أسهما مقدرة. وبغض النظر عن عدم المساواة بين الجنسين، فإن القانون المغربي يغفل عدة حالات صارت اليوم منتشرة في المجتمع المغربي، مثل الطفل المتبنى المقصي من الإرث، والزوجة الأجنبية وأطفالها غير المسلمين في حالة الزواج المختلط. فكيف السبيل إلى ضمان ميراث عادل ومنصف، في انتظار اجتهاد من طرف العلماء أو إصلاح تشريعي؟
يقول عبد المجيد بركاش، موثق بالرباط "بما أن الأمر يتعلق بتشريع مستوحى من التعاليم الدينية، فإن هامش المناورة ضيق جدا. فقانون الإرث لا يقول من يرث من، بل يقول هؤلاء هم الورثة وهذه هي أسهمهم في الميراث". وأضاف أن "هذا يعني أنه بالنسبة إلى الزوجة التي عاشت في بيت ما طيلة حياتها، يمكن أن تفقده، وتصبح في الشارع عندما يصير ذلك البيت تركة".
وتتكون أملاك المغاربة في غالب الأحيان من عقارات: منازل، عمارات، أراض... وتظل الطريقة الكلاسيكية لتجنب مشاكل الإرث هي "الهبة"، وهي بكل بساطة التنازل عن ملكية بدون مقابل لصالح شخص آخر، ويكمن تحريرها من طرف موثق أو عدل. وتقول أسماء (28 عاما) "أمي تفكر مليا في طريقة لنقل إرث ستحصل عليه مستقبلا من أبيها، مباشرة إلى بناتها. فقال لها عدل إن هذا الأمر ممكن بفضل الهبة". وتمتاز هذه الوسيلة بكونها معفاة من الضرائب في الحالات الأكثر شيوعا، ولكن، بالمقابل، يفقد الواهب أي حق في الملك الممنوح إلى الموهوب له. وإذا لم يبرهن هذا الأخير عن نضج كاف، فقد يبدد ما حصل عليه بسرعة ويتسبب في خلافات معقدة.
تفكيك الأملاك لإرث أفضل
يوصي المتخصصون الذين اتصلت بهم "تيلكيل" (محامون، موثقون، عدول، ومشرفون على تدبير الثروات) بتفكيك الممتلكات من أجل ضمان إرث أفضل. وهذه العملية تقوم على فكرة بسيطة مفادها تقسيم المِلْك بين الملكية الفعلية من جهة، والانتفاع منه من جهة ثانية. فالمالك في هذه الحالة ينقل قيد حياته عقارا مثلا إلى شخص آخر، ولكنه يواصل الانتفاع من موارده إلى غاية وفاته.
الوصية.. حل لتجاوز العراقيل
تتضمن مدونة الأسرة وسيلة لتجنب المشاكل المرتبة بالإرث هي "الوصية"، ولكنها لا يمكن أن تتجاوز ثلث التركة، إلا إن وافق بقية الورثة الشرعيين. وتكون هذه الوسيلة فعالة، بالخصوص، في حالات الزواج المختلط حيث الزوجة غير المسلمة لا تدخل ضمن الورثة الشرعيين. وتوضح أمينة الكريمي، واحدة من النساء الـ300 اللواتي صرن عدولا، "يمكن كذلك القيام بوقف، مثلا أن تقوم الدولة باستغلال ملك ما وتدفع المداخيل للورثة المعينين. في هذه الحالة نتحدث عن 'الوقف الأهلي'".
ويختار البعض إنشاء "شركة مدنية عقارية"، وهذا البديل يوصى به لمن يملكون عقارات كثيرة. وتقوم فكرة هذه الشركة على وضع كل العقارات في بنية تشرف على تدبيرها. ويوضح عبد المجيد بركاش بنبرة حماسية أن "الكثيرين لا يرون جدوى في الشركة المدنية العقارية، وحدث نقاش كبير حول المسألة. شخصيا أعتقد أن كل الآمال ممكنة مع هذه النوع من الشركات لأنها تخول نقل الملكية، ويمكن أن تحل مشكل الشياع".
معضلة الأسهم
يشكل نقل ملكية الأسهم في الشركات تحديا حقيقيا للمتخصصين لأنه يرهن بحق مستقبل الشركة والعاملين بها والشركاء فيها، الذين لا علاقة مباشرة لهم بتركة المتوفى. ويقول عبد المجيد بركاش "لا يمكن لمقاولة ما أن تقبل انقطاعا في نشاطها لأنها مرتبطة بعلاقات تجارية مع الموردين والزبناء، ولديها أجراء. ولما تحدث وفاة، نصبح أمام معضلة المحافظة على استمرار المقاولة. وما نلاحظه في المغرب أن العديد من الشركات تتفكك خلال انتقالها من جيل إلى آخر".
ولعل النموذج الصارخ هنا هو "هولدينغ ينا"، المجموعة التي أسسها ميلود الشعبي، والذي تسببت وفاته في 2016 في توترات داخل الأسرة. "النصيحة التي أسدي إلى أرباب المقاولات هي ضرورة استباق مرحلة انتقال الملكية هذه"، يؤكد بركاش.
ولدى رجال الأعمال عدة سبل لتحقيق انتقال "سلس" لممتلكاتهم. وحسب طارق بلغازي، مؤسس أول "مكتب للأسرة" في المغرب، "السبيل الأكثر شيوعا هي التأمين على الحياة خاصة في البند الخاص بالمستفيدين". ويتعلق الأمر هنا بشكل من التأمين يضمن الشخص من خلاله تسليم رأس المال مع فوائده إلى مستفيد معين. ويضيف بلغازي أنه "يمكن كذلك تفكيك المقاولة لما تكون على شكل شركة مجهولة الاسم. فيملك المستفيدون رأس المال بينما يحتفظ الأب المتمتع بحق الانتفاع بالسلطة التقريرية إلى غاية وفاته".
كمال حميش*: الإطار الضريبي مولت جدا لحالات الميراث
هل يفكر المغاربة أكثر فأكثر اليوم، في طريقة لتنظيم إرثه؟
يبدو أن المزيد من الناس منفتحون أكثر على التقنيات الجديدة لنقل ممتلكاتهم إلى أبنائهم، بالخصوص في الحالات التي لم يلد فيها الشخص سوى البنات. ولا يجب أن ننسى أن الإطار الضريبي بالمغرب موات جدا في حالات الميراث. فاليوم مثلا، إن ورثت ملكية عقارية ثم بعتها إلى وريث آخر، ففائض القيمة معفى من الرسوم.
بل إن هناك عددا من الأجانب الذين يصبحون مقيمين ماليين في المغرب لأن هذا الوضع أكثر فائدة لهم. لنضرب هنا مثلا بحالة شخص له ابن في فرنسا وابن آخر في المغرب، فالابن الذي يقيم في فرنسا سيدفع للدولة الفرنسية 45% من الإرث الذي سيحصل عليه، بينما الذي في المغرب لا يؤدي أي شيء.
وماذا عن ميراث الأسهم؟
على غرار الممتلكات العقارية، فالأسهم لا تخضع لإعادة التقييم. هكذا، لما ترث أسهما ثم تقوم ببيعها، يتم اعتماد القيمة التي كانت لها لما اشتراها الشخص الذي ورثتها منه. وهذا بالطبع يتيح الحصول على فائض كبير جدا.
هل يحدث أن تظهر، عند تقسيم الإرث، ممتلكات لم تكن معروفة من قبل؟
قد يحدث هذا إن لم يتم تسجيل بعض الممتلكات في المحافظة العقارية. وقد يتعلق الأمر أحيانا بإرث ظل لزمن طويل دون قيمة تذكر، ولكن يصير ذا قيمة بفضل توسيع المدار الحضري.
* محام متخصص في الجبايات
بتصرف عن "تيلكيل"