عبده الفيلالي الأنصاري: علينا توفير تكوين ثنائي اللغة يجعل أبناءنا متعددي اللغات

تيل كيل

يرى عبده الفيلالي الأنصار، الفيلسوف والمدير السابق لمؤسسة آل سعود بالدار البيضاء، أن اختيار اللغة بالنسبة لأمة ما يخضع لشرطين أساسيين، ويدعو إلى تمكين أبناء الأجيال المقبلة من تكوين ثنائي اللغة يجعلهم متعددي اللغات.

"قبل زمن ليس بالبعيد، كنا نسمع هذا الاتهام: عدد من قادة الحركة الوطنية يدعون في خطاباتهم إلى التعريب الشامل للتعليم العمومي، وفي الوقت ذاته يفعلون كل شيء لوضع أبنائهم في المؤسسات التعليمية الأجنبية، حيث تعطى الأولوية للغة المستعمر القديم. بهذا التصرف يكون هؤلاء القادة قد أبانوا عن نفاق بَيِّنٍ، بل يمكن القول إنهم خانوا الثقة التي وضعتها فيهم الحشود.

ويؤكد هذا الاتهام، بغض النظر عن مدى صحته، أن اختيار اللغة يخضع لشرطين أساسيين:

الأول، ويمكن أن نسميه "شرط الهوية"، يتمثل في ضرورة الإقرار بأن هويتنا الوطنية تستلزم منا الارتباط بلغة معينة، وحرص كل واحد منا على تعميم استعمالها قدر الإمكان.

الثاني، ويمكن أن نمسيه "الشرط العملي"، يفترض أن نبحث، فيما يخص تعليم أبنائنا، عن أجود التكوينات، وخصوصا تلك التي تضمن لهم أحسن الحظوظ لولوج سوق الشغل، والحصول على المؤهلات المطلوبة والتي تضمن لهم أفضل الرواتب.

والمشكل المطروح اليوم هو كيف يمكن التحكيم بين متطلبات الشرطين، وليس إنكار واحد على حساب الآخر. والحق أنه سيكون من العبث منح لغة ما وضع "اللغة الوطنية" ثم حصرها في الاستعمالات "الثانوية"، كما سيكون من العبث محاولة فرضها بالقوة في مجالات لا تتيح فيها الوصول الكامل إلى علوم عصرنا وتقنياته.

حان الوقت لنقر بأن ما سميناه "شرط الهوية" له دور مهم في التعبئة الشاملة حين تكون الهوية الوطنية في خطر، خاصة في الفترات التي كان يجب فيها مقاومة الغزو الأجنبي. أما "الشرط العملي" فيفرض نفسه حين نعمل على ضمان الوصول إلى العلوم والمؤهلات الأكثر نفعا بالنسبة للأجيال الصاعدة في ظل الشروط التي يفرضها الاقتصاد العصري.

الوضع المثالي هو تمكين هذه الأجيال الصاعدة من تكوين ثنائي اللغة يجعلهم متعددي اللغات. هل هذا الأمر مستحيل؟ لا. هل هذا الأمر سهل التطبيق؟ لا كذلك.

والواقع أننا مجبرون على بذل كل الجهود لجعل الأجيال المقبلة متعددة اللغات ما أمكن. هذا بالطبع ليس مستحيلا ولكنه كذلك ليس بالأمر الهين في الوقت ذاته.

من المفيد هنا أن أضيف أننا لسنا الوحيدين في هذا الوضع، وأن هذه الوضعية ليست الأولى في التاريخ.

إن تجربتنا الحديثة أظهرت أنه يمكن تكوين الأفراد للعمل بعدة لغات في الآن نفسه، وكما برهنت على أن مثل هذه القدرات لها آثار إيجابية، في بعض الأحيان، على إتقان اللغة الوطنية نفسها.

 إعداد: رضا دليل وبلال مسجد