بقلم: طلوع عبدالإله - دكتور في القانون العام والعلوم السياسية
ما الذي تبقّى من إنسانيتنا في وجه هذا الصمت العالمي المدوّي على جريمة تُرتكب على مرأى ومسمع العالم؟
ما الذي تبقى من القيم والمبادئ التي يتغنى بها هذا العصر، حين يُقتل شعبٌ بأكمله ببطء، بالتجويع، بالقصف، بالحرمان الممنهج من كل مقومات الحياة، دون أن يتحرك ضمير واحد لوقف الجريمة؟
غزة اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة، إنها ضحية تُقدّم قربانًا لصمت العالم، واختبار أخلاقي فشلت فيه الإنسانية بأكملها.
أطفال غزة لا يموتون فقط تحت الركام، بل يُقتلون بقرارات دولية، بفيتوهات سياسية، بتقاعسٍ مقصود، وبنظرات لامبالية من أولئك الذين يدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان.
أمهات يبحثن عن طعام فلا يجدن، آباء يحملون جثث أبنائهم بأيديهم، مستشفيات بلا دواء، مدارس تحوّلت إلى مقابر جماعية، هذا ليس مشهدًا من فيلم خيالي، بل واقع يومي يُعاش منذ شهور.
العالم المتحضّر، الذي لا يملّ من الحديث عن العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، يقف اليوم عاريًا أمام الحقيقة: كل تلك الشعارات كانت للاستهلاك، مجرد واجهة، تنهار أمام أول اختبار حقيقي.
كيف يمكن أن نُقنع أنفسنا أننا ننتمي إلى حضارة، إذا كانت هذه الحضارة لا تتحرك أمام موت الأطفال جوعًا؟
كيف يُمكن أن نُصدّق أن للقانون الدولي وزنًا، إذا لم يُطبّق عندما تُنتهك أبسط حقوق الإنسان؟
أي قيمة لحرية التعبير، إذا كان الصمت هو اللغة الوحيدة المسموح بها حين يكون القاتل قويًا والمقتول ضعيفًا؟
غزة اليوم لا تحاصر فقط بالحديد والنار، بل تُخنق أيضًا بنفاق العالم، وتُطعن بخناجر صمته.
وفي كل لحظة تُسفك فيها دماء هناك، تنكسر مرآتنا الأخلاقية أكثر، ويظهر وجه العالم الحقيقي: عالم لا يعرف من القيم إلا ما يخدم مصالحه.
غزة ليست فقط قضية شعب، بل قضية كل من لا يزال يملك قلبًا حيًا وضميرًا يقظًا.
وإذا سقطت غزة، لن تسقط وحدها... بل سيسقط معها ما تبقّى من إنسانيتنا.