فاجعة الصويرة.. ليس من حق أحد استغلال الفقر لتسويق الدين

صورة: ياسين التومي
محمد عبد الوهاب رفيقي

مشاهد كارثية، ولحظات مأساوية، ودموع حزن وألم، حسرة وأسف عاشه المغاربة هذا الأسبوع، على إثر الفاجعة التي وقعت نواحي مدينة الصويرة، حيث لقيت عشرات النساء مصرعهن بسبب الزحام والتدافع الذي وقع بينهن، وهن يستلمن نصيبهن من المساعدات الاجتماعية التي كانت توزعها بعض الجمعيات الخيرية.

رحم الله الضحايا وأكرم مثواهن، ورزق أهلهن الصبر والسلوان، لكن جلالة الحدث لا يمكنها أن تمنعنا من استخلاص كل الدروس والعبر من حدث بالغ المأساوية، بل إن مأساويته هي ما يدفعنا للوقوف على هذه الدروس، وتجنب تكرار مثل هذه الكارثة في مستقبل الأيام.

تطرح فاجعة الصويرة أكثر من سؤال، وتحتاج لأكثر من وقفة، خاصة لارتباطها بمنطق الإحسان والصدقة وتقديم المساعدات الخيرية، وهو مجال تقليدي وحيوي يمثل أحد صور التضامن والتكافل الأكثر عراقة وانتشارا في كل أنحاء العالم.

الوقفة الأولى:

الإحسان وتقديم المساعدات للغير مسلك نبيل وخلق رفيع ، لا يمكن الاستغناء عنه ولا تبخيس ما يبذل فيه، خاصة في بلد لا زال يعاني من الهشاشة واتساع دوائر الفقر والحاجة، فالجهود الرسمية حتى لو بلغت أقصى ما يمكن في الباب، لا يمكنها تغطية كل الخصاص ولا تلبية كل الحاجات، لا يقع ذلك في أكثر دول العالم رخاء وأقواها اقتصادا، فكيف بدول نامية لا زالت تتخبط في إشكالات اجتماعية واقتصادية مهولة؟

الوقفة الثانية:

حادثة الصويرة لا يجب أن تدفعنا لمحاولات التضييق على العمل الخيري، أو السعي لتأميمه، أو استغلال الحدث لتصفية حسابات إيديولوجية ضيقة، ففي خضم مأساة وفاجعة وطنية، يجري الحديث بكل أسف عن أحزاب سياسية و تيارات فكرية، في إطار محاولات تحميل المسؤولية وتوجيه الضربات للخصوم، مما يطرح السؤال المتكرر حول محاولات أدلجة المواقف من كل الأحداث والقضايا، حتى ما كان يستدعي منها التحلي بكثير من الإنسانية والحياد.

نحتاج لثقافة تضامنية، ثقافة مجتمعية وتكافلية  تحركها القيم الإنسانية، ،والتي يشكل الدين جزءا منها، لكن باعتباره محفزا وباعثا على فعل الخير، وليس مشروعا سياسيا وإيديولوجيا.

الوقفة الثالثة:

الدعوة لعدم أدلجة الكوارث والفواجع، لا ينبغي أن يغفلنا عما يقع من استغلال مجالات الخير والإحسان لأغراض سياسية وإيديولوجية، وهو ما يستدعي تدخلا حازما وقويا من السلطات المعنية، يتدارك به ما حصل من تهاون أحيانا خلال العقود السابقة، فإذا كانت بعض التيارات الإسلامية تحذر من استغلال الفقر للتبشير بديانات أخرى كالمسيحية وغيرها، وهو مطلب مشروع ومنطقي، فليس من حقها أيضا استغلال الفقر لتسويق إيديولوجيات مستوردة، ولو كان ذلك باسم الإسلام والقرآن والسنة.

يكفي المغرب ما يعانيه اليوم من انتشار الفكر المتطرف، وما يستيقظ عليه من أخبار الخلايا الإرهابية، وما يفجع فيه من أبنائه الملتحقين ببؤر القتال، والتي كان من أسبابها إفساح المجال لعدد من الجمعيات التي تحمل شعار الإحسان، وتمارسه بمنطق تليين القلوب وكسبها لتتهيأ لاستقبال الرسالة والتشبع بها، مستفيدة من أرقام مالية مهولة تضخه في صناديقها الجهات الداعمة والراغبة في نشر إيديولوجياتها بمختلف دول العالم.

لا ينبغي التساهل أبدا بمثل هذه المسالك، ولا يمكن للعمل الخيري إلا أن يكون مجردا عن الإيديولوجية بكل ألوانها وأشكالها، والدولة عليها كل المسؤولية في المراقبة والضبط والتتبع، حماية لهذا المجال من الاختراق والاستغلال.

الوقفة الرابعة:

التزاحم الذي أدى لوقوع الكارثة ذكرني بقولة مشهورة لموشي دايان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، والذي قال: "لا أخاف من العرب مهما جمعوا من السلاح والعتاد ، لكني سأرتجف منهم إذا رأيتهم يصطفّون بانتظام لركوب الباص"، لم تكن هذه المرة الأولى التي تزهق فيها أرواح الناس بسبب التدافع وسوء النظام، لا زلنا نذكر بكل حسرة ما كان قبل سنوات من  مقتل أحد عشر شخصا حضروا لمتابعة مطرب شعبي بأحد المهرجانات الموسيقية المعروفة، يقع الأمر ويتكرر لأننا نعاني من مشكلة هنا أصلها الإنسان، الإنسان الذي لم يجعل من النظام والانتظام قيمة ومنهج حياة، أستغرب ما أشهده أحيانا من وقوف حافلة فارغة من الركاب، ولا ينتظرها من الناس إلا عدد قليل لا يتجاوز العشرة، ومع ذلك لا يصعدون لأخذ أماكنهم إلا بعد تدافع وتزاحم واقتتال.

هي مشكلة تربوية إذن، لا تدرك الجهات المسؤولة بنفسها أهمية النظام ولا ضرورته كقيمة أساسية في الحياة، لا يستوعبون حجم ما نضيعه ماديا ومعنويا من أثر سوء النظام، ينتظم الناس للصلاة صفوفا متراصة مستوية، فما أن ينتهوا من صلاتهم حتى تراهم قد عادوا إلى ما كانوا عليه من فوضى وهم لا زالوا داخل المسجد وبين جنباته، انتظموا وقت الصلاة اضطرارا وامتثالا، وهم لا يدركون حجم ما تعنيه هذه القيمة في بناء الدول والحضارات.

الوقفة الخامسة:

ارتباطا بالوقفة السابقة، ما نراه من سوء النظام وانعدام هذه الثقافة، لا يمكن ربطه دوما بالعامل البشري، وتعليق المسؤولية فيه على المتدافعين والمتزاحمين، بمعزل عن  البيئة التي عاشوا في أحضانها، والتربية التي تلقوها، مع أن مثل هذه الحوادث تقع مرارا وتكرارا بمختلف المجتمعات الإسلامية، رأينا أعداد القتلى في غالب مواسم الحج التي لا تنتهي إلا برقم غير يسير من الوفيات والمفقودين، فيما تقام بدول الغرب مواسم ضخمة للاحتفال، وتعرف من الصخب والهرج واستعمال الخمور والكحوليات ما ليس عند المسلمين، دون تسجيل أي حالة من الموت بسبب سوء النظام أو التدافع والزحام، لنقارن بين ما تشهده مباريات كرة القدم ببلادنا من شغب وتدافع واقتتال في المداخل والمدرجات، وما تعرفه مباريات الدول المتقدمة من سلاسة في التنظيم والدخول والخروج، لنصل إلى أن العامل البشري ليس هو المسؤول، ولكنها مسؤولية الدولة والمجتمع في تأهيل المواطن ليكون النظام جزءا من حياته اليومية.

[email protected]