فالو بلقاسم وأزولاي وآخرون يجيبون عن سؤال : "أي تعليم نريد لأبنائنا؟"

موسى متروف

كان موضوع التعليم حاضرا بقوة خلال اليوم الأول من مؤتمر الحوارات الأطلسية الذي يعقد بمراكش، منذ الحوار الافتتاحي حول "العيش في عصر عدم اليقين"،  وكذا في الجلسة العامة الأولى التي تمحورت حول "آفاق الشعبوية"، انتهاء بمناقشة "مأزق التعليم" في الجلسة العامة الثانية.

التعليم أولا وأخيرا

المؤتمر، الذي ينظمه مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، ابتداء من الخميس 12 دجنبر، والذي تم افتتاحه بمناقشة حول موضوع النسخة السادسة من تقرير "آفاق ونماذج  أطلسية"، الذي كان بعنوان "الجنوب في زمن الاضطراب"، سرعان ما تحول فيه التعليم ومأزقه إلى صلب النقاش الذي اخترق الجلسات في إطار البحث عن نموذج جديد للتنمية أساسه إعادة النظر في مقاربة التعليم.

وإذا كانت الوزيرة الأولى السابقة للسينغال ورئيسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في بلادها أميناتو توري، قد حيت، في جواب على سؤال لـ"تيلكيل عربي"، مبادرة الملك محمد السادس لفتح استشارة حول النموذج التنموي الجديد بمقاربة تشاركية، ستفضي إلى نموذج يتعبأ من أجله الجميع، سيكون التشغيل في قلبه، وليس فقط خلق الثروات، مع الفوارق الموجودة، فإن الرئيس النيجيري السابق أولوسيغن أوباسانجو ركز، في الحوار الافتتاحي للمؤتمر، على دور التكنولوجيا والتعليم، وهو ما أكدته وزير التعليم النيجيرية السابقة أوباجيلي كاترين إيزكويسلي التي قالت إنها اشتغلت عندما كانت مسؤولة حكومية على إعادة النظر في التعليم الذي كان ينبني على مقاربة بريطانية قديمة للتعليم تجعل الهدف منه خلق موظفين، ليكون الهدف منه القابلية للعمل في القطاع الصناعي, وشددت على أن التعليم يجب أن يكون هو "الاقتصاد الجديد"، من خلال جعله في قلب الاستراتيجية الاقتصادية. وأوضحت أن ذلك هو "البترول الجديد" لبلد مثل بلدها، لأن "البترول ينضب ويبقى الرأسمال البشري"، على حد تعبيرها.

مساءلة النموذج الفرنسي

من جانبها ركزت نجاة فالو بلقاسم، وزيرة التعليم الفرنسية السابقة، ذات الأصول المغربية، على دور التعليم في محاربة الفوارق، وأكدت على مساهمته في تنامي الشعبوية، بل حتى التطرف، في غياب تنمية الحس النقدي.

وأكدت، في لقاء مع بعض الصحافيين، على أنه يجب تلقين الأطفال أنه يجب التعلم على مدى الحياة من أجل التكيف مع العصر، وشددت على مهن الغد التي غالبا ما ستنبني على الذكاء الاصطناعي، مع تنمية الحس النقدي لديهم حتى لا يتم التلاعب بعقولهم، لتكوين مواطنين بعقلية مستنيرة.

وشددت على أنه لا يجب الاكتفاء بـ"النظرية"، وإن كانت تبقى مهمة لأنها تساعد على "التكيف مع التغيرات"، مؤكدة على أهمية العلوم الإنسانية والاجتماعية، من قبيل الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع، لأنها الكفيلة بتعلم الحس النقدي والأخلاقي، في عالم ستهيمن عليه آلات تستطيع تنفيذ العديد من المهم المتكررة، لكنها مؤسسة على خوارزميات قد "تتوجه بنا إلى الحائط".

وعاد "تيلكيل عربي" ببلقاسم إلى تصنيف "البرنامج الدولي لتتبع مكتسبات التلاميذ" (بيزا)، الذي وضع المغرب في رتبة كارثية (75)، ووضع في فرنسا في ترتيب غير جيد (23)، ردت وزيرة التعليم الفرنسية السابقة بأنه من المهم أن يكون هناك ترتيب، لأن الغالب هو "التركيز على ما يقع داخل البلاد"، ويمكّن تصنيف "بيزا" من المقارنة مع الدول الأخرى، لكن لا يجب اعتباره "كل شيء"، لأنه يركز على تعلم الأطفال للرياضيات والعلوم وطريقة مقاربة الفوارق الاجتماعية، لكنه لا يقيم، في رأيها، ماذا يمكن أن "يفعل" بلد بجيله الشاب. وركزت مرة أخرى على الحس النقدي وقالت إن "بيزا" لا يطرح السؤال إن كان البلد المعني يلقن ذلك.

وتعتبر المتحدثة التي تنتمي إلى "ناد لوزراء التعليم السابقين" للتفكير في قضايا التربية، أنه من المهم الاطلاع على التقرير، لكن يجب أيضا التساؤل حول ما يتعلمه التلميذ من قيم وهوية وثقافة، وهو ما كانت قد توقفت عليه طويلا في النقاش داخل القاعة، أمام المشاركين، حيث حذرت من أخذ مثال الدول المتقدمة في ترتيب "بيزا"، من قبيل (بعض مقاطعات) الصين وسنغافورة.

وكانت قد أوضحت أن تقرير "بيزا"  غير كاف وقارنت مؤشراته بالناتج الداخلي الخام في الاقتصاد، الذي كان يُظن أن كاف للتعرف على صحة الاقتصاد ليتبين أنه "تم إعماؤنا بمؤشر واحد" وأنه لابد من اعتماد مؤشرات أخرى. وهو ما علق عليه أندري أزولاي، مستشار  الملك محمد السادس، مؤكدا على ما عاينه في مدينته الصويرة، ليسير في الاتجاه الذي ترافعت من أجله نجاة فالو بلقاسم.

المدرسة وتربية الواقع

في هذا السياق، قال أندري أزولاي، في حديث مع "تيلكيل عربي" إنه كان لابد له من المشاركة في النقاش لأنه "لا يجب تهميش قصة الحياة والعادات وقصة جذورنا".

وأضاف أنه بقي متأثرا من ما رآه في الصويرة منذ ثلاثة أسابيع، حيث احتضنت الزاوية البوتشيشية القادرية، التي تشرف عليها امرأة، حدثا خاصا حيث أنشد مئات من المسلمين واليهود معا ودعوا معا. والفكرة التي أثارته هي "الفكرة المستنيرة" للمسؤولة عن الزاوية التي دعت حوالي  60 طفلا لحضور الحدث.

وقال في حديثه مع "تيلكيل عربي"، إن أولئك الأطفال كانت لهم نظرة "مشعة" وهو ما اعتبره "تربية الواقع"؛ "حيث تعلموا في ثوان ما يمكن تعلمه في عشر سنين من الدراسة"، على حد قوله.

ويضيف أنه يراهن على أن هؤلاء الأطفال سيكونون "مختلفين" حينما يكونون مراهقين وبالغين.

وقال أزولاي إنه "من الجيد المرور عبر المسارات الكلاسيكية ولكن عندما لا ندخل في الحمض النووي وفي التنوع ستمر الأمور ولكن بشكل أقل سرعة، لذا يجب الاهتمام بالتاريخ اليومي إلى جانب التاريخ العلمي"، مؤكدا أنه ليس خبيرا ولكنه ينطلق في تصوره من تجربته الشخصية.