أعادت حملة المقاطعة التي تستهدف منتوجات ثلاث شركات، منذ 20 أبريل الماضي، الجدل حول "تجميد" مجلس المنافسة، الذي انتهت ولاية أعضائه في أكتوبر 2013، دون أن يتم تعيين رئيس وأعضاء جدد. فما رأي رئيس المجلس المنتهية ولايته؟ ومن يقف وراء هذا التجميد؟ وما رأي الحكومة التي وعدت، بعد مقاطعة بعض المنتجات، بالعمل على "تقييم المقتضيات القانونية الجاري بها العمل في هذا المجال، وتلك المرتبطة بالأسعار والمنافسة"؟
لم يتردد عبد العالي بنعمور، رئيس مجلس المنافسة المنتهية ولايته، في تحميل الحكومة الحالية مسؤولية "تجميد" مجلس المنافسة، لكون رئيسها سعد الدين العثماني لم يقترح اسما جديدا على الملك محمد السادس لتعيينه رئيسا للمجلس، فضلا عن عدم تعيين باقي الأعضاء بمرسوم، لكنه ما فتئ أن تراجع حينما ذكّره "تيل كيل عربي" أن الحكومة لا تملك صلاحية اقتراح اسم رئيس المجلس على الملك محمد السادس، الذي يدخل ضمن تعييناته الحصرية، دون أن يعطي جوابا حاسما على أسباب عدم تجديد تركيبة المجلس.
بنعمور و"المقاومة الشديدة" والمقاطعة
بعد التراجع عن تحميل المسؤولية لحكومة العثماني، وجوابا على سؤال "تيل كيل عربي" حول من الجهات التي قد تكون وراء "تجميد" مجلس المنافسة، قال بنعمور إنه لا يعرف لحد الآن الجهات التي تقف وراء "التجميد"، لكنه لمّح إلى وجود "لوبيات" تقف وراء هذا "البلوكاج".
وذكّر بنعمور، في هذا السياق، بتجربة مقارنة، وتحدث عما سمعه من زملائه في المجلس الألماني للمنافسة. وقال "كانت تجمعنا معهم توأمة، وكانوا يقولون لنا إن مجالس المنافسة دائما تتعرض في بدايتها للمقاومة الشديدة بسبب تداخل المصالح".
وكان رئيس مجلس المنافسة المنتهية ولايته قد خرج في عدد من التصريحات الإعلامية يشكو "تجميد" عمل المجلس بسبب عدم تجديد تعيين أعضائه.
وذهب بنعمور، في حوار مع "ميديا 24"، إلى أنه "لو كان مجلس المنافسة يقوم بعمله ما كانت لتكون هناك مقاطعة.
واعتبر بنعمور أنه لو كان المجلس مفعلا "لتوصل إلى وجود اتفاقات أو سلوكيات غير عادية، وبالتالي سيتخذ إجراءات في حق الفاعلين الذين لا يحترمون السوق، لكنه الآن مكتوف الأيدي ولا يستطيع فعل شيء".
ولم يتردد بنعمور في تصريحات أخرى، كما فعل مع "تيل كيل عربي"، في تحميل حكومة العثماني مسؤولية تعطيل مجلس المنافسة. فماهو دور الحكومة وما رأيها في هذا الشأن؟
الحكومة و"التعطيل"
عرف مجلس المنافسة بعد صدور دستور 2011 تحولا جذريا على مستوى وظيفته واختصاصاته؛ إذ تم الارتقاء به إلى مؤسسة دستورية بموجب الفصل 166 بعدما كان دوره استشاريا فقط، بحسب القانون 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة.
هذا التحول واكبته الحكومة بإصدار القانون 20.13 المتعلق بعمل المجلس واختصاصاته، وتركيبته ونشره سنة 2014 في الجريدة الرسمية، إلا أن الحلقة الوحيدة التي ظلت مفقودة هي عدم تجديد تركيبة المجلس رغم مرور ست سنوات على انتهاء ولاية أعضائه، فضلا عن التحول الجذري الذي عرفه المجلس بموجب الدستور والقانون الجديد، فما هي مسؤولية الحكومة في هذا "التجميد"؟
سؤال نقله موقع "تيل كيل عربي" إلى لحسن الداودي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، فكان جوابه حاسما: "القانون واضح، ونحن ننتظر تعيين الرئيس فقط، ولا يمكن تعيين باقي الأعضاء دون تعيين الرئيس".
من جهته، عبّر مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مس الخميس في ندوة صحفية عقب انعقاد المجلس الحكومي، عن موقف مغاير تماما لما صرح به زميله في الحكومة الداودي، حيث حمل مسؤولية تجميد المجلس لرئيسه عبد العالي بنعمور، وقال "لا أحد يمنع المجلس من الاشتغال رغم انتهاء ولاية أعضائه". وأعطى الخلفي مثالا بالمجلس الوطني لحقوق الانسان، والهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، حيث واصلا الاشتغال رغم صدور قوانين جديدة تعيد تنظيمهما. وكشف الخلفي أن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني يبدل مساعيه من أجل اخراج مجلس المنافسة في صيغته الجديدة دون أن يعطي مزيدا من التفاصيل.
وتقتضي المادة 10 من القانون 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة أن تعيين رئيس المجلس اختصاصٌ حصري للملك، ولا يملك فيه رئيس الحكومة صلاحية الاقتراح.
وتنص الفقرة الأولى من المادة ذاتها على أنه "يعين الرئيس بظهير شريف لمدة خمس (5) سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة"، أما باقي الأعضاء فيتم تعيينهم بمرسوم.
ويتشكل المجلس بالإضافة إلى رئيسه من أربعة نواب للرئيس وثمانية أعضاء مستشارين.
ويرى عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، أنه "من الناحية القانونية، الملك هو المسؤول عن تعيين الرئيس، ووضع حد لحالة الجمود"، لكن تلميحات بنعمور إلى وجود "لوبيات" تعرقل خروج مجلس المنافسة في صيغته الجديدة إلى النور تفتح الباب حول أسئلة عالقة حول ما إذا كانت هناك جهات اقتصادية كبرى تعرقل خروجه، وحول مبرر استمرار توصل رئيسه وأعضائه المنتهية ولايتهم برواتبهم رغم "عطالة" المجلس، ووحول مدى استمرار هذا "البوكاج"...