ستة أسئلة لفهم الاحتجاجات في إيران

امحمد خيي

كانت إيران، طيلة الأيام الخمسة الماضية، ومنذ 28 دجنبر 2017، مسرحا لاحتجاجات عنيفة ضد الصعوبات الاقتصادية. وخلال أمس (الثلاثاء)، بدا أن الدينامية التي عمت حوالي 40 مدينة، أعطت لنفسها بعض وقت من التوقف، في وقت أطلق فيه علي خامنئي، المرشد العام وأعلى سلطة في البلد، تذكيرا باستعادة النظام، مبرزا أن قوات الأمن والمؤسسة القضائية مستعدة لأقصى حد من الشدة.

 أما تلفزيون الدولة، فقد نشر صورا لمظاهرات مساندة للنظام في عدد من المدن الإيرانية، وحمل خلالها المشاركون لافتات تندد بـ"مثيري الاضطرابات"، وشعارات مناصرة للمرشد العام، وأخرى فيها "الموت لأمريكا"، و"الموت لإسرائيل"، والموت لـ"مونافيغ"، وهو تعبير يستعمل للإشارة إلى حركة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة.

كيف بدأت الحركة الاحتجاجية؟

انطلقت المظاهرات في مدينة مشهد بالشرق، وهي ثاني مدينة في إيران، رافعة شعارات ضد الفساد والوضعية الاقتصادية للبلد. وبسرعة، توسعت رقعة الاحتجاجات في كل أنحاء البلاد، لتعم حوالي 40 مدينة، بينها العاصمة طهران، حيث حاول عدد من المحتجين التجمع في حي الجامعة، في مركز العاصمة.

واندلعت المظاهرات بسبب اتخاذ إجراءات تقلص من حجم المساعدات الاجتماعية الخاصة ببعض المتقاعدين، وأيضا بسبب إعلان زيادات في أسعار البنزين والبيض، ولهذا السبب، صار المتظاهرون منذ الأحد الماضي، يتحدثون عن "ثورة البيض".

وكانت وعود النهوض بالاقتصاد، الذي تضرر بسبب العقوبات الدولية، موضوعا مركزيا في الحملات الانتخابية للرئيس الإيراني حسن روحاني، وهو رجل دين معتدل، أعيد انتخابه في ماي 2017 لولاية ثانية.

وكان روحاني قد حصل على إلغاء لبعض العقوبات الدولية على إيران بعد الاتفاق الدولي حول النووي الإيراني في 2015، كما نجح في ضبط نسبة التضخم الاقتصادي عند مستوى 10 %، غير أن نسبة البطالة تظل مرتفعة (12 %)، خصوصا لدى الشباب (28.8 %)، حسب الإحصائيات الرسمية.

وأخذت الاحتجاجات أيضا، بعد سياسيا، بأن استهدفت النظام والسياسة الدبلوماسية الإقليمية لطهران، سيما انخراطها في الدعم المالي والعسكري لنظام بشار الأسد في سوريا.

وتعد الدينامية الاحتجاجية الحالية بإيران ضد الحكومة، الأكثر أهمية منذ "الثورة الخضراء" في 2009، والتي اندلعت بعد إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد، رئيسا للبلاد.

ما هو أصل هذه الاحتجاجات؟

يتعلق الأمر أساسا، بحركة احتجاجية بدون قائد، وتتخذ بعدا ترابيا محليا، وبين المحتجين الذين طالبوا باستقالة الرئيس حسن روحاني "يوجد كثير من الشباب الإيرانيين المتحدرين من الفئات الشعبية التي لا تعد جزء من النخبة المعارضة المتعلمة"، يقول رامين موستاغين، وشاشنك بنغالي، مراسلي "ذي لوس أنجلس تايم" في إيران، وأغلب المتظاهرين الذين تم اعتقالهم (450 حسب السلطات)، كلهم شباب، وبينهم مراهقون، حسب السلطات، وليست لهم سوابق قضائية.

وتحضر النساء أيضا في المظاهرات، كما كانت التجمعات الاحتجاجية متعددة في المناطق التي توجد بها الأقليات الكردية والسنية، في ضواحي مدن البلد، بينما تشهر السلطات اتهامات بوجود "مثيري اضطرابات" مسلحين انصهروا وسط المظاهرات، كما ندد بعض القادة الإيرانيين بدور مفترض "لمناوئي الثورة" المستقرين بالخارج.

واتهم علي خامنئي، المرشد العام الإيراني، أمس (الثلاثاء)، "أعداء" إيران بإثارة اضطرابات في البلاد، قائلا "في الأيام الأخيرة استعمل أعداء إيران عددا من الوسائل – أموال، وأسلحة، وسياسيين، وأجهزة تجسس واستعلام- من أجل إثارة اضطرابات في الجمهورية الإسلامية"، حسب وسائل الإعلام الرسمية.

أما الجنرال رسول سانايراد، المساعد السياسي لرئيس الحرس الثوري، فقد اتهم "حركة مجاهدي الشعب الإيراني"، والمجموعات الملكية المستقرة بالخارج، بـ"الوقوف وراء هذه الأحداث"، حسب وكالة "تسنيم" للأنباء، في حين طلب الرئيس حسن روحاني، أمس (الثلاثاء)، من إمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، اتخاذ إجراءات ضد أنشطة "المجموعة الإرهابية" الإيرانية المستقرة بفرنسا، والتي يتهمها بـ"تشجيع العنف"، في إشارة منه إلى حركة مجاهدي الشعب (خلق).

في أي أجواء تجري هذه الأحداث؟

حسب أشرطة "الفيديو" التي تبث من قبل وسائل الإعلام الإيرانية وشبكات التواصل الاجتماعي، فالمتظاهرون، قاموا في بعض الأحيان بإضرام النيران في بنايات عمومية، ومراكز دينية، ومقرات "الباسيج" (ملشيات إسلامية تابعة للنظام)، كما أضرموا النار في سيارات للأمن.

 وعبأت السلطات الإيرانية نعزيزات من القوات الأمنية من أجل التصدي للمظاهرات الجارية، وخلال أمس (الثلاثاء)، ذكرت وكالة الأنباء "إلنا"، التي توصف بالمقربة من الإصلاحيين، نقلا عن نائب محافظ طهران، أن 450 هو عدد المعتقلين بالعاصمة لوحدها خلال الأيام الماضية.

حسب وسائل إعلام إيرانية، تم إيقاف "عدد من القاصرين" مساء الاثنين الماضي بعد تجمع احتجاجي في وسط طهران، نظمته مجموعات من المحتجين رفعت شعارات ضد النظام.

ومن أجل الحد من اتساع مدى الاحتجاجات تم التضييق على الولوج إلى الأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي منذ نهاية الأسبوع، ومنذ عصر الأحد الماضي، صارت إمكانية الولوج إلى تطبيق المراسلة المحمية "تيلغرام"، المستعمل بكثرة في إيران، محدودة جدا.

ماهي حصيلة الخسائر البشرية؟

من الصعب الحصول على أرقام محددة، فالحركة الاحتجاجية تجري في مناطق عدة، وحسب التقديرات المتوفرة، فقد قتل 21 شخصا منذ بدايو الاحتجاجات، بينهم 16 من المحتجين.

وخلال الاثنين الماضي، لوحده، قتل تسعة أشخاص في مركز طهران، وحسب التلفزيون الرسمي، مات ستة متظاهرين خلال مواجهات مع قوات حفظ النظام أثناء محاولة اقتحام مركز للشرطة في فهدريجان بإقليم أصفهان.

وفي خميني-شهر، وسط إيران، قتل طفل عمره 11 سنة، وأصيب والده بجروح بسبب توجيه الرصاص إلى متظاهرين، كما أعلن عن مقتل عضو في الحرس الثوري الإيراني، أبرز قوة مسلحة تابعة للنظام، وأصيب آخر بجروح، بسبب طلقات رصاص الصيد في كهريسنك (وسط البلاد). وأعلنت السلطات أيضا وفاة شرطي رميا برصاص الصيد في نجف-آباد.

كيف تتعامل السلطات مع الأحداث؟

بصوت واحد، أجمعت السلطة القضائية، والقادة المحافظين، وبعض الإصلاحيين المتحالفين مع الرئيس حسن روحاني، على عدم التسامح مع المظاهرات، والدعوة إلى قمعها، بعدما حاول الرئيس الإيراني في البداية الدعوة إلى التهدئة، مبرزا قرار الحكومة التصدي للبطالة، فقال "اقتصادنا بحاجة إلى عملية جراحية كبيرة".

وبعد اتهامه "لأقلية صغيرة" من "مثيري الاضطرابات" يستعلمون العنف، طمأن الرئيس الإيراني بأن الحكومة عازمة على "معالجة مشاكل السكان"، وبالخصوص مسألة البطالة، بينما حذر وزير الاستعلامات في بلاغ له "مثيري الشغب والمحرضين" من أنه تم تحديدهم، و"قريبا سنهتم بهم بجدية".

ماذا يقول المنتظم الدولي؟

الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعد لديها إيران "بعبعا"، كانت الأكثر انتقادا للسلطات الإيرانية، إذ وجه دونالد ترامب تحية إلى المتظاهرين، مشيرا أن "زمن التغيير" حان في إيران.

وقالت نيكي هيل، مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وهي تدعو إلى جلسة لمجلس الأمن حول إيران "يجب ألا نصمت، فالشعب الإيراني يطالب بحريته".

أما الأمم المتحدة، فقد عبرت على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريس، عن "أسفها للخسائر في الأرواح"، بينما عبر الاتحاد الأوربي عن أمله في أن "يضمن الحق في الاحتجاج".

أما الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، فقد قال إنه "منشغل" بعدد الضحايا، ودها حسن روحاني، الرئيس الإيراني، إلى التهدئة.

(عن "لوموند" بتصرف)