مرشدون سياحيون لا يعترف بهم القانون، لكنهم ورثوا المهنة عن آبائهم، الذين خبروا معهم جغرافيا أرضهم وجبالهم وأصول المهنة كما ارتجلها الرواد، وزادوا على ذلك تعلم اللغات ليخاطبوا السياح بألسنتهم، ولا ينقصهم غير الاعتماد. وفي انتظار ذلك يظلون مرشدين مزيفين رغم أنوفهم.
"لو قبلتا بمرافقة مرشد سياحي لهما لساعدهما على الإقامة في نزل آمن"، هذا ما أكد عليه العديدون عند تناول مقتل السائحتين الدانماركية والنرويجية بمنطقة إمليل في دجنبر الماضي.
في مكتب المرشدين السياحيين بإمليل يؤكدون أن الفتاة سجلتا نفسيهما في دفتر السياح الأجانب، وعندما عرض عليهما الاستعانة بمرشد رفضتا. ذلك رفض لم يعد مقبولا بعد كل ما حدث.
يتوجب اليوم على السائح الأجنبي أن يطلب مرافقة مرشد سياحي له، إذا ما عقد العزم على تسلق جبال المنطقة، التي يحل بها ما بين 12 و20 ألفا من هواة تحدي قمة توبقال.
غير أنه يمكن اليوم عدم المرور عبر مكتب المرشدين، حيث أنه بعد أن يقطع السائح حوالي ثمانية كيلومترات قاصدا قمة توبقال، يجد حاجزا جمركيا على مستوى دوار "أرمد"، حيث يجد مرشدين يعرضون خدماتهم، مقابل 250 درهما في اليوم.
جيل جديد من المرشدين بدون اعتراف
الإرشاد السياحي حرفة أصيلة في المنطقة ارتجلها "رواد" دون سابق إلمام بمبادئها، وورثها عنهم الأبناء الذين فضلوها عما سواها من المهن.
تسلحوا بما يمكن أن يؤهلهم لأن يصبحوا مرشدين سياحيين محترفين. فقد أضافوا لمعرفتهم الدقيقة بالجغرافيا والمواقع السياحية بجبال المغرب وصحرائه، إتقانا للغات التي بذلوا مجهودا خارقا كي يلموا بلكنات أهلها.
غير أن الكثير من الشباب في المناطق السياحية يجدون أنفسهم مرشدين غير معتمدين، يوظفون خبرتهم في مرافقة السياح، بعد أن يكونوا قد كسبوا ثقة بعضهم بعد سنوات من العمل أو عبر وكالات أسفار ومرشدين معتمدين يستعينون بخدماتهم.
لا يستطقب مكتب المرشدين بإمليل مثلا أعضاء جددا من المرشدين، فالمعتمدون قليلون ولم يتغير عددهم كثيرا منذ سنوات، بينما الذين يمارسون المهنة ويرافقون السياح مافتئت أعدادهم ترتفع، بالموازاة مع زيادة الإقبال على المنطقة.
"فيتو" أمام دخول المهنة
ويذهب المرشدون المعتمدون إلى أن الحكومة سعت إلى إضفاء الطابع القانوني على مرشدين سياحيين، يوصفون بأنهم مزيفين، ماداموا يمارسون مهنتهم خارج الضوابط القانونية، معبرين عن تحفظهم على تلك الخطوة.
ويتصور عزيز بنبراهيم أن مشكلة المرشدين المزيفين يمكن حسمها، عبر تكوين المستحقين للانضمام لهذه المهنة، غير أنه يرى أن هناك نزوعا نحو منع التحاق مرشدين جدد من قبل من يحتكرون هذه المهنة.
يقول هذا المرشد السياحي إن وزارة السياحة عمدت إلى توفير تكوين لبعض المرشدين السياحيين في العام الماضي، غير أن ذلك يشكل استثناء في التعاطي مع المرشدين غير المعتمدين.
ذلك توجه لم يرق لمرشدين سياحيين معتمدين احتجوا في بداية العام الحالي، مستنكرين اعتزام الحكومة منح بطاقات اعتماد استثنائية لممارسة مهنة المرشد السياحية، لمن يتوفرون على تجربة ميدانية فقط، دون أن يكون لديهم أي تكوين فني يؤهلهم لممارسة تلك المهنة.
ويعتبر المرشد بنبراهيم أن مشكلة التكوين تطرح بقوة، بسبب الفراغ المسجل في هذا المجال، فهناك معهد واحد لتكوين مرشدي السياحي في المدن، بينما يتوفر معهدان للمرشدين الجبليين؛ واحد بنواحي أزيلال فقد بريقه، وآخر بوارززات أغلق بعد عام من افتتاحه.
فرص شغل نائمة
كانت دراسة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، حول المهن الواعدة بالمغرب في 2020، خلصت إلى أن المرشدين السياحيين يعانون من ضعف التكوين وقلة المبالغ المالية الموجهة للتكوين الفني.
ويرى مهنيون مغاربة أنه يمكن خلق وظائف مهمة عبر تنظيم مهنة المرشدين السياحيين، خاصة غير المعتمدين منهم. هذا ما يؤكده شباب بمنطقة آسني، الجماعة التي توجد ضمن ترابها إمليل.
ويتصور المرشد السياحي غير المعتمد بجبال الأطلس الكبير،عبد اللطيف أيت لحسن، أن الإرشاد السياحي يمكن أن يساهم في إحداث وظائف لأبناء المناطق الجبلية والمدن السياحية، ما يساهم في تقليص معدل البطالة في تلك المناطق.
ويعتبر المرشد السياحي بنبراهيم، الذي يمارس تلك المهنة منذ عقدين من الزمن، أن المغرب في حاجة لمضاعفة عدد المرشدين السياحيين خمس مرات، بالنظر لوزن ذلك النشاط في الاقتصاد، ما دام عدد المرشدين الرسميين لا يتعدى ثلاثة آلاف مرشد رسمي يتوفرون على بطاقة الاعتراف بنشاطهم من قبل وزارة السياحة.
ويشدد على أن سعي المغرب للانفتاح على أسواق جديدة يستدعي إعادة النظر في التكوين الفني للمرشدين السياحيين، بما يتيح لهم الاطلاع على لغات جديدة وثقافة جديدة، مثل اللغة الصينية، ما دامت المملكة تتطلع إلى جذب نصف مليون سائح في ذلك البلد في الثلاثة أعوام المقبلة.
حاضر في أجندة الحكومة ولكن..
ويعتبر مهنيون أن بعض النزل والفنادق الصغيرة تفضل التعاطي مع المرشدين المزيفين، الذي يقبلون في بعض الأحيان نصف الأجر، الذي يمكن أن يصل إلى أربعين دولارا في اليوم.
ويتصورون أن عدم إضفاء الطابع القانوني على المرشدين المزيفين، عبر الأخذ بعين الاعتبار تجربة بعضهم، سيفضي إلى توسيع نشاطهم، بما يمس بصورة السياحة في المملكة، بسبب عمليات الاحتيال التي يتعرض لها السياح.
ويسعى المغرب إلى تنظيم مهنة المرشدين السياحيين، بما يساعد على تقليص عدد المزيفين منهم، عير إضفاء الطابع القانوني على نشاطهم، وهو ما كان موضوع تحفظ من المرشدين المعتمدين قبل أشهر.
وصادقت الحكومة، في مجلسها الحكومي مؤخرا، على مشروع قانون، ينص على خضوع المرشدين السياحيين، الذين لا يستجيبون للشروط التي يقتضيها القانون، لمرحلة انتقالية تمتد على مدى ستة أعوام عوض عامين، كي يصبحوا مرشدين رسميين.
وينص القانون الحالي، الذي يعدله مشروع القانون، المصادق عليه من قبل الحكومة، على أنه يمكن بصفة استثنائية تسليم بطاقة اعتماد لأشخاص لا تتوفر فيهم شروط التكوين والكفاءة التي يفرضها القانون، لكنهم راكموا كفاءات ميدانية.
ويفترض الحصول على بطاقة الاعتماد، حسب القانون المعمول به حاليا، أن يكون المرشد السياحي مغربيا، لا يقل سنة عن 18 سنة، ويتوفر على القدرة البدنية لمزاولة المهنة، ويثبت توفره على الكفاءة المهنية الواجبة، وألا يكون قد صدر في حقه حكم بالحبس.
يعتبر مرشدون سياحيون أن القوانين ليست حاسمة في تنظيم المهنة والتكريس القانوني للمرشدين الذي راكموا خبرة كبيرة دون أن يتوفرا على بطاقة اعتراف، مادام أهل المهنة ليسوا على قلب رجل واحد، في ظل تضارب المصالح. ويؤكدون أن المصالح الشخصية حالت دون تشكيل فيدرالية للمرشدين، والتي يمكن أن ترى النور إذا ما حسمت الخلافات على مستوى الجهات، خاصة بين المرشدين بمدينة مراكش، الذين يعتبر دورهم حاسما في تحديد مستقبل المهنة.
وفي انتظار توضيح الرؤية حول مستقبل المهنة، يبقى جزء معتبر من الإرشاد السياحي، بيد مرشدين غير مرخص لهم، وهو ما يؤشر عليه بلاغ صادر، يوم الجمعة 08 مارس، عن ولاية أمن مراكش التي تتحدث عن إيقاف 734 شخصا منهم، من قبل الفرقة السياحية خلال الفترة الممتدة ما بين فاتح يناير ومتم شهر فبراير المنصرمين.