استقبلت المكتبة الوطنية إصدارا جديدا يحمل عنوان: "من الصحافة إلى التاريخ: دليل الصحافي في الكتابة التاريخية"، من تأليف الزميل غسان الكشوري، والصادر عن دار "أكورا" للنشر والتوزيع.
ومن المرتقب أن يعرض هذا المؤلف ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، الذي سينعقد خلال الفترة الممتدة من 18 إلى 27 أبريل 2025.
الكشوري، صحافي بمجلة "زمان" المتخصصة في التاريخ، وسابقا بمجلة "تيلكيل"، يتوفر على خلفية أكاديمية في الفلسفة وتاريخ الفنون والسينما الوثائقية، وتوج مساره المهني بالحصول على جائزة الصحافة البرلمانية (صنف الصحافة المكتوبة) لسنة 2023.
وفي مقدمة الكتاب، التي اطلع عليها موقع "تيلكيل عربي"، شدّد المؤلف على أن الدافع إلى إنجاز هذا العمل يعود إلى الحاجة الإعلامية إلى دليل في الكتابة التاريخية، والغاية منه هي تحفيز الصحافيين على خوض غمار هذا الحقل المعرفي أو التمكن منه.
وأشار إلى أن الكتابة الصحفية في التاريخ، كما هو الحال في الصحافة العلمية (كالطب أو الفيزياء)، تحتاج إلى ضوابط وقواعد منهجية تحترم، وإلى دليل يرشد الصحافي إلى احترام أسس علم التاريخ في معالجته للمواضيع ذات البعد التاريخي.
وأكد أن الكتاب ليس محاولة لترجيح كفة مجال على آخر، بل هو دعوة إلى الجمع بين الإعلام والتاريخ، خصوصا عبر تمكين غير المتخصصين من أدوات فهم واستيعاب التاريخ الأكاديمي، سواء أكانوا صحافيين يستعينون به في تغطياتهم أو قراء مولعين به ويسعون إلى تبسيط قضاياه للرأي العام.
وأوضح أن هذا العمل يمزج بين الإشكالات النظرية والأدوات التطبيقية في تفاعل الصحافي مع المادة التاريخية، دون أن يمنع في المقابل المؤرخ من الاستفادة منه، بحكم تقاطع مجالي اشتغال الطرفين: الصحافي والمؤرخ، رغم عدم اندماجهما الكامل.
في السياق ذاته، كتب الدكتور خالد أوعسو، الأستاذ الجامعي، أن الباحث في العلوم الإنسانية سرعان ما يدرك حجم التداخل بين مختلف المعارف التي تتناول الإنسان في أبعاده المتعددة، وخاصة حين يتعلق الأمر بمجالي التاريخ والصحافة.
وأضاف أن الصحافة، بصفتها سلطة رابعة، توجد في قلب السجال المجتمعي، خاصة عندما تلامس موضوعات راهنة ما تزال تلقي بظلالها على الحاضر، ما يجعل العلاقة بين الصحافة والتاريخ تتأرجح بين الاتصال والانفصال، تبعا لمدى احترافية كل من الصحافي والمؤرخ، ولسياق القراءات السياسية والإيديولوجية التي تضفي على الأحداث تأويلات تخرج بها عن السياق التاريخي.
ولفت إلى أن زمن الحدث ليس هو زمن الكتابة عنه، مما يطرح إشكالات منهجية وإبستيمولوجية دقيقة. ورغم هذه الصعوبات، تظل العلاقة بين التاريخ والصحافة لصيقة؛ فالمؤرخ يحتاج إلى الصحافي للتقرب من الرأي العام وتوسيع أفق التأثير، دون التخلي عن جوهر الحرفة، بينما يحتاج الصحافي إلى أدوات المؤرخ لتعزيز مصداقية عمله الإعلامي.
وأورد أن هذا التقاطع، مع الحفاظ على استقلالية كل مجال، هو ما سعى غسان الكشوري إلى معالجته من دون الوقوع في فخ التبسيط أو الانتصار لأحد الطرفين، إذ أن كلا من المؤرخ والصحافي ضروريان للمجتمع، وإن اختلفت أدوات اشتغالهما وغاياتهما.
أما أهمية هذا الكتاب، بحسب أوعسو، فتكمن في أن مؤلفه يملك تجربة تجمع بين التكوين في الفلسفة وعلم الاجتماع ودراسة التراث، والممارسة المهنية في الصحافة، وهو ما أتاح له إدراك حاجيات الرأي العام المتزايدة لصحافة تاريخية قادرة على نقل التاريخ من فضاء النقاش الأكاديمي إلى آفاق أكثر انفتاحا على الفضاء العمومي والمعرفة المجتمعية.
واعتبر أن هذه القدرة على المزاوجة بين التكوين المستمر والكتابة الصحافية أفرزت قضايا وتساؤلات ومساحات من اللايقين، خاصة في ما يخص الانتقال من "التاريخ العالم" إلى التاريخ بوصفه سردا ومعرفة مواطنة، ومكونا من مكونات الهوية الجماعية.