وضعت نسبة النجاح في نتائج امتحانات الباكالوريا، غير المسبوقة، علامات استفهام كثيرة حول الأسباب الحقيقية، خاصة وأن الموسم الدراسي عرف توقفات كثيرة بسبب الإضرابات، فبين من يرى أن الوزارة تساهلت في وضع الأسئلة لتجنب غضب شعبي من تكرار التوقف الدراسي، يجزم المسؤولون في وزارة التربية الوطنية أن تحقيق نسبة 65,5 في المائة، يعتبر تحصيل حاصل واكتمالا لمنحى تصاعدي انطلق منذ 2010.
أسباب ارتفاع نسبة النجاح
عزا الأستاذ الجامعي خالد بكاري تسجيل أعلى معدل نجاح في تاريخ امتحانات الباكالوريا، إلى ما عرفته السنة الدراسية من توقف عن الدراسة بسبب الإضرابات المتكررة لما يعرف بـ"أستاذة التعاقد" و"أساتذة الزنزانة 9".
وقال بكاري في تصريح لـ"تيل كيل عربي" إن هناك عدة عوامل أثرت في ارتفاع نسبة النجاح هذا العام، والتي بلغت 65,55 في المائة، وأن أبرز هذه العوامل هو، كون الدولة ربما تساهلت في وضع الاختبارات، وأنها أرادت أن تظهر أن هذه الاضرابات لم تؤثر في السير التعليمي.
وأضاف "هي أرقام خادعة لا تعكس المستوى الحقيقي للتلاميذ المغاربة، كما أن هناك حديث عن النفخ في نقاط المراقبة المستمرة بشكل يفوق السنوات الماضية، لأن الرهان هو تفادي الاحتجاجات ".
وحسب بكاري، فإن نسبة النجاح هذا العام لا تعكس حقيقة المستوى التعليمي للتلاميذ، خاصة إن علمنا أن المغرب منخرط في مؤشر (Pirls)، وهو الدراسة الدولية لتقويم تطور الكفايات القراءاتية، والذي منح التلاميذ المغاربة درجة "كارثية"، وهي النتائج ذاتها التي خلصت إليها دراسات المجلس الأعلى للتربية والتكوين التي أشرفت عليها رحمة بورقية، وكشفت عن تدني المستوى التعليمي للتلاميذ المغاربة ايضا.
ويتابع بكاري بأن الرهان الحقيقي بالنسبة للناجحين في الباكالوريا اليوم ليس هو المعدلات المرتفعة، بل مواصلة السير وفق هذا المستوى في التعليم العالي، خاصة بالنسبة الراغبين في متابعة دراستهم في الخارج، الذين سيجدون صعوبة كبيرة في الحصول على مقاعد بالخارج خاصة بالنسبة للجامعات والمعاهد التي يجري الولوج إليها عبر المباريات.
وحسب المتحدث نفسه، فإن ارتفاع معدلات النجاح سيرفع أوتوماتيكيا سقف الولوج إلى المعاهد العليا، وبالتالي فإن وجود معدلات مرتفعة لن يكون له أي تأثير إيجابي، بل بالعكس، سيمثل ضغطا متزايدا على كليات الاستقطاب المفتوح، ما يجعل نسبة الملء في السنة الدراسية المقبلة مرتفعا جدا، و سيطرح مشكلا كبيرا بالنسبة للتأطير الجامعي.
سنوات من البناء
يختلف محمد الساسي، مدير المركز الوطني لتقويم والامتحانات والتوجيه مع البكاري في هذا الطرح. ويقول في حديث ل"تيل كيل عربي" إن هناك مجموعة من المحددات ساهمت في تحقيق نسبة النجاح هاته، فمنذ اعتماد النظام الجديد لامتحانات الباكالوريا سنة 2003، كان على الجميع انتظار سنة 2010 ليجري تحقيق منحى تصاعدي في معدلات النجاح.
ويعزو الساسي السبب إلى مجموعة من العوامل: أبرزها تمكن المدرسين من المنهاج الدراسي، وتوفرهم على صورة واضحة بخصوص ما يجب اعتماده في تحضير التلاميذ للامتحان، والتركيز على إتمام المقررات التي لها أهمية في الإطار المرجعي، فضلا عن "ارتفاع نجاعة التحضير للامتحان، لم يعد الاستعداد للامتحان يجري بطريقة اعتباطية".
ويقلل الساسي من أهمية الطرح القائل بأن ارتفاع نسب النجاح راجعة إلى النفخ في نقاط المراقبة المستمرة، ويقول إنه تفسير واه، لأن المراقبة المستمرة لا تشكل سوى 25 في المائة من المعدل العام، بينما تبقى 25 في المائة للامتحان الجهوي، و50 في المائة للامتحان الوطني، وبالتالي فإن 75 في المائة من المعدل السنوي تجري عبر امتحانين، ويقر "صحيح علينا أن نراقب أكثر نتائج المراقبة المستمرة لأنها تعطينا صورة أدق عن مستوى التلميذ طوال السنة، لكن لا يجب تعميم هذا الطرح على الجميع".
ويضيف لساسي موضحا "ما بين سنتي 2003 و2009 لم يتحرك عقرب معدل النجاح، ولم يتجاوز نسبة 47 في المائة، وكان علينا انتظار سنة 2010 لنرى تقدما ملموسا في نسب النجاح، كما أنه منذ أربع سنوات لاحظنا تحسنا كبيرا في أداء التلاميذ في امتحانات السنة الأولى، والتي كان التلميذ يتعامل معها بنوع من الاستخفاف، وهو ما تغير اليوم، إذ تظهر الأرقام، أن نسبة التلاميذ الذين حصلوا على معدل 10 على 20 في الامتحان الجهوي انتقل من 38 في المائة العام الماضي إلى 45.5 هذا العام، وأن 78 في المائة لديهم المعدل في المراقبة المستمرة والجهوي، مقابل 70 في المائة السنة الماضية" .
تفوق مسلك الفرنسية
وعن سيطرة أصحاب مسلك الفرنسية، خاصة في شعب العلوم، على المعدلات العالية، يرى البكاري أن أغلب التلاميذ المتفوقين هذا العام، تابعوا دراستهم الابتدائية والإعدادية في مدارس التعليم الخاص، التي تولي أهمية كبرى للغات، عكس التعليم العمومي.
ويتابع "أغلب المتفوقين، يستغلون تكوينهم الجيد في اللغات لسلك خيار الباكالوريا الدولية، لكن ما أريد الإشارة إليه، هو أن هؤلاء التلاميذ متفوقون سواء كانوا في مسلك الفرنسية أو العربية، فلا علاقة للمسلك اللغوي بالمعدل المرتفع، بل له علاقة بنوعية التلميذ".
تفوق الإناث
ويفسر الأستاذ الجامعي البكاري، توفق الإناث سواء من حيث نسبة النجاح العامة مقارنة بالذكور، أو من حيث سيطرتهن على المراتب العشر الأولى، إذ من أصل العشرة الأوائل في المغرب، هناك ثماني فتيات، (يفسر) الأمر بكون طبيعة المجمع المغربي تمنح حرية أكبر للذكور، كما أن نسبة المكوث في المنزل هي أكبر لدى الإناث، ما يمنحهن وقتا أكبر للمراجعة، بينما تجد هذه الأسر صعوبة أكبر في التحكم في الذكور من الأبناء، ما يفرز تفوقا للإناث خاصة في التعليم الإعدادي والثانوي على حساب الذكور.
ويوضح البكاري "ليس للأمر علاقة بمستوى الذكاء، بل بالظروف المحيطة بالاستعداد للامتحانات، فالملاحظ، أنه إذا كان تفوق الجنس اللطيف في هذه المراحل التعليمية، فإن الآية تنقلب إلى العكس في مراحل التعليم العالي، إذ لدى الذكور قدرة أكبر على متابعة الدراسات العليا، كما أن قدرتهم على الولوج إلى المدارس العليا تبقى مرتفعة من نسبة الإناث، بينما تتركز نسبة الإناث بشكل ظاهر في كليات الاستقطاب المفتوح، والتي تتفوق فيها الإناث في المواظبة على الحضور وفي تحقيق نقاط مرتفعة، وبالتالي فإنه لفهم الموضوع علينا التركيز على المقاربة المجتمعية، وليس مقاربة جينية تعتمد على نسب الذكاء".
بالنسبة لمحمد الساسي، فإن للأسر دورا كبيرا اليوم في تأطير أبنائها، من خلال الاستثمار المتزايد للأسر في الاستعدادات لرفع حظوظ أبنائها للولوج إلى مؤسسات الاستقطاب المحدود، وهو ما أدى إلى ارتفاع في معدلات النجاح، ويقول "لقد خلق استثمار الأسر في توجيه وتأطير أبنائها خلال فترات الاستعداد للامتحانات نوعا من التنافس للحصول على معدلات مرتفعة، تمكنهم من اجتياز المحطات الانتقائية، ثم إن نسبة النجاح الحالية ليست نهائية، لأنه علينا انتظار نتائج الدورة الاستدراكية".