قرارات بوتفليقة.. استجابة لمطالب الشعب الجزائري أم انقلاب عليه؟

موسى متروف

ماذا بعد القرارات التي اتخذها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، بعد يوم من عودته من رحلة العلاج بسويسرا، والمتعلقة بعدم ترشحه لولاية خامسة وتأجيل الانتخابات الرئاسية إلى ما بعد تنظيم "ندوة وطنية جامعة مستقلة" ستتكفل بإعداد دستور جديد للبلاد سيتم طرحه على الاستفتاء الشعبي، فضلا عن تعيين وزير أول جديد؟ هل يتعلق الأمر باستجابة لمطالب الشعب الجزائري أم بالتفاف على تلك المطالب؟ يبدو أن الجزائريين الذين خرجوا اليوم الثلاثاء 13 مارس، بعد يوم واحد من إعلان قرارات الرئيس الجزائري، احتجاجا على تمديد الولاية الرابعة له فهموا "الحيلة"، وهو ما يشير إليه بشكل واضح الباحث المغربي والمطلع على دقائق النظام الجزائري محمد بن حمو.

التفاف على المطالب

يبدو محمد بن حمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والفيدرالية الإفريقية للدراسات الإستراتيجية، حاسما في رأيه. فصاحب كتاب "الجزائر.. أزمة النظام وسراب الدولة"، الذي أصدره قبل حوالي عامين، عن دار نشر المعرفة، يعتبر أن "بوتفليقة يلتف على مطالب الشعب الجزائري ويسعى إلى كسر موج مدّه".

بن حمو، الذي يعتبر كتابه الأخير "قراءة موضوعية"، ووسيلة "لفهم طبيعة النظام الجزائري"، يشدد على آخر ما جاء في الإصدار، وهو الفصل السادس المعنون بـ"مرحلة ما بعد بوتفليقة.. تصدع النظام أو الجزائر ما قبل العاصفة"، المتعلق بالتطورات التي يعرفها هذا البلد، خاصة الإعداد لمرحلة ما بعد بوتفليقة وتداعياتها على استقرار البلاد والانتقال الديمقراطي...

ويرى هذا الأستاذ بجامعة محمد الخامس (كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية)، في تصريح لـ"تيل كيل عربي"، أن "بوتفليقة يحاول أن يجهض تطلع الشعب الجزائري لمرحلة جديدة ولعهد جديد. وبالتالي هي مناورة منه ومن النظام لإبقاء الوضع على ما هو عليه"، مضيفا "نحن نعلم أن هذا النظام لديه قدرة كبيرة على إعادة إنتاج ذاته ولديه قدرة كبيرة على التمويه".

ويصف ما يقع في الجارة الشرقية للمملكة بـ"محاولة لبعثرة الأوراق والالتفاف على هذا الحراك"، مؤكدا أن قرار الرئيس الجزائري "هو لا قرار في الحقيقة وهو استمرار الوضع، وكأنه يقول للشعب: رفضتم الترشح لولاية خامسة فلأمدد الولاية الرابعة. ترفضون عبد العزيز بوتفليقة، سيستمر بوتفليقة عبد العزيز".

جنازة رئيس

وأوضح بن حمو أن "تغيير النظام هو سقف مطالب الشعب الجزائري وليس العهدة الخامسة التي تجاوزها الشعب، ليرفع مطلب الدخول في نظام جديد أكثر ديمقراطية وأكثر انفتاحا وأكثر تعايشا مع جواره. نظام جديد يواكب الجزائر اليوم والشعب الجزائري اليوم وليس استمرارا لما كان، وبالتالي، فبوتفليقة يقدم اليوم نفس ما قدمه، قبل أسبوعين، غير أنه قبل أسبوعين، كان قد حدد المدة الزمنية للإصلاح، وقال إن ذلك سيحدث خلال سنة واحدة. أما اليوم، فما تم اقتراحه أفظع لأنه لم تحدد فترته الزمنية".

ويتصور الباحث أن ما يقدمه بوتفليقة كبرنامج يتطلب، كأقل فترة زمنية يمكن أن يتحقق فيها، ثلاث سنوات على الأقل.

ويعتبر رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والفيدرالية الإفريقية للدراسات الإستراتيجية أن الأمر يتعلق، في الواقع، بمناورة، و"بوتفليقة يريد أن يخرج من قصر المرادية رئيسا ميتا ولا يريد أن يموت خارج القصر الرئاسي المرادية ولا يريد أن يموت وهو ليس رئيسا ممارسا"، على حد تعبيره.

واعترف بن حمو أن "هذه المسألة قد تبدو للبعض تافهة"، ولكنه يصر على أن "هذا هو جوهر الأمر بالنسبة إليه. فبوتفليقة لا يريد أن يتخلى عن السلطة والرئاسة وهو حي؛ يعني يريد أن يحظى بدفن وتأبين رئيس دولة بحضور رؤساء دول وبكل ما يرافق ذلك". وشدد على أن "الرحلة التي يراها بوتفليقة هي من القصر الرئاسي المرادية إلى مقبرة العالية التي دفن بها رؤساء الجزائر".

المحيط والاستمرار

وحول ما إذا كان الباحث يشخصن أزمة النظام الجزائري في شخص الرئيس بوتفليقة، يرد، في حديث لـ"تيل كيل عربي"، بأن "النظام الجزائري هو أخطبوط بعدة رؤوس، وهو مربع ما يميزه هو الغموض"، وأن الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع (وزير الدفاع هو بوتفليقة نفسه)، هو "في موقف ضعف تجاه الرئيس بوتفليقة لأنه كانت له عليه أياد بيضاء، لما أحاله رئيس الأركان الفريق الراحل محمد العماري على التقاعد وأقصاه، فأعاده بوتفليقة وتبناه وهو اليوم يجد نفسه مدينا له بذلك". ولكنه يؤكد على أن " كل هذه مناورات وهي آخر الخدع لبوتفليقة. وفي جميع الأحوال، ورغم كل ما يقال، فالرجل، رغم حالة عجزه ومرضه، فهو من يتشبث بالوضع وهو من يفرض على محيطه الاستمرار".

وتساءل بن حمو "بأي شرعية دستورية، يمدد بوتفليقة الولاية الرابعة، والفصل 107 من الدستور الجزائري يتحدث عن هذه الحالة إذا كان أمن البلاد مهددا؟"، ليجيب بسؤال "فمن يهدد أمن الجزائر اليوم؟ هل الشعب الجزائري يهدد أمن بلاده؟"، ثم تساءل "هل كل هذه العمليات التي تتم اليوم هل هي فعلا مطمح الجزائريين"، قبل أن يوضح أن "بوتفليقة أتى بوزير الداخلية نور الدين بدوي ليجعله وزيرا أول، وهذه رسالة للداخل، بأن القبضة الحديدة حاضرة، وجاء وأخرج من جعبته الأخضر الإبراهيمي لمهام أخرى وهذه رسالة موجهة للخارج. فهذا نظام لديه أساليب ويبتدعها بشكل كبير. فهل سيستمر الشعب الجزائري في مطلبه بتغيير النظام؟ وهل سيتمر الحراك؟"، قبل أن يجيب بأن "هذا الأمر داخلي وهو يهم الشعب الجزائري، أما واقع الأمر بتحليله فهو انقلاب لبوتفليقة على الحراك وخداع له"، على حد تعبيره.