أعلن الاحتياطي الفدرالي الأمريكي رفع نسب الفائدة الرئيسية بنصف نقطة مئوية، في أول خطوة بهذا الحجم، منذ العام 2000، في إطار جهوده لاحتواء أعلى معدل تضخم يسجل في البلاد، في غضون أربعة قرون، فيما أكد رئيسه، جيروم باول، أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال قويا رغم تباطؤ النمو، الشيء الذي لا يطرح أي مخاطر ركود حاليا.
وبعد زيادة بربع نقطة مئوية، في مارس، قرر الاحتياطي الفدرالي رفع النسب إلى ما بين 0,75 في المائة و1 في المائة، في خطوة تندرج في إطار تشديد سياسته لتهدئة الاقتصاد، مشيرا إلى أن زيادات أخرى "قد تكون مناسبة"، وفق لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك المركزي الأمريكي.
وأشارت اللجنة أيضا إلى التأثير "غير المؤكد" للعوامل الخارجية، بما فيها الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي "يحدث ضغطا إضافيا على التضخم، ومن المرجح أن يؤثر على النشاط الاقتصادي".
وبالإضافة إلى ذلك، أوضح البيان أن عمليات الإغلاق المرتبطة بـ"كوفيد" في الصين، "من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم اضطرابات سلاسل الإمداد".
ومنذ ذلك الحين، استمر التضخم في الارتفاع، وتفاقم بسبب الحرب في أوكرانيا، ووصل في مارس، إلى ذروة غير مسبوقة منذ دجنبر 1981: 8,5 في المائة، خلال عام واحد، وفق المؤشر "سي بي آي" (CPI) الذي يعتمده البنك المركزي الأمريكي معيارا.
وقال باول في مؤتمر صحافي: "إنه اقتصاد قوي. لا شيء يوحي بأنه قريب أو معرض للركود"، مشيرا إلى احتمال إقرار زيادات أخرى.
وسبق لباول أن أعلن أمام حكام المصارف المركزية، على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي، أنه "من الضروري جدا" إحلال استقرار في الأسعار، ورفع نسب الفائدة "سريعا".
ويملك البنك المركزي الأمريكي مهمتين رئيسيتين؛ هما ضمان استقرار الأسعار، والقضاء على البطالة.
ويقترب معدل البطالة من مستواه قبل الجائحة (3,6 في المائة، في مارس، مقارنة بـ3,5 في المائة، في فبراير 2020). لكن الشركات تواجه منذ أشهر، نقصا في اليد العاملة، واستقالات جماعية شهريا.
وبهدف جذب مرشحين للعمل والاحتفاظ بالموظفين، تزيد الشركات الأجور، ما يؤدي إلى زيادة التضخم.
وبالإضافة إلى رفع أسعار الفائدة الرئيسية، أعلن الاحتياطي الفدرالي أنه سيبدأ خفض سياسة شراء الأصول، اعتبارا من الأول من يونيو، ما يعني أن الاحتياطي الفدرالي لن يعيد شراء الأوراق المالية، وسيسمح للسندات بأن تصبح مستحقة، ما سيؤدي إلى خفض تلقائي للحساب الختامي السنوي.
وتغير السياق الدولي منذ مارس؛ حيث قال الاحتياطي الفدرالي في بيانه، إن "النشاط الاقتصادي العام انخفض بشكل طفيف في الربع الأول"، في الولايات المتحدة. فيما تراجع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 1,4 في المائة، في الربع الأول من العام.
لكنه اعتبر أيضا أن "إنفاق الأسر والاستثمار الثابت في الأعمال التجارية بقيا مرتفعين".
وتابع البنك المركزي الأمريكي أن "استحداث فرص عمل جديدة كان متينا في الأشهر الأخيرة. كما أن معدل البطالة انخفض بشكل كبير".
وفي الوقت الحالي، ما زال خبراء الاقتصاد متفائلين، قائلين بدورهم إن الاستهلاك مستمرا رغم التضخم.
وحتى الآن، ما زال مسؤولو الاحتياطي الفدرالي يعتقدون أن بإمكانهم إعادة التضخم إلى هدفهم البالغ 2 في المائة.
وأشاروا في وقت سابق، إلى أنهم لن يحتاجوا إلى رفع أسعار الفائدة إلى أكثر من 3 في المائة، كي لا يؤدي ذلك إلى عرقلة الطلب؛ حيث يقولون في هذا الصدد، إن هذه النسبة تعتبر "محايدة"، ولن تحفز النمو الاقتصادي أو تبطئه.
ويتوقع غالبية الخبراء الآن، زيادة أخرى أكثر جرأة، بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية، في اجتماع يونيو؛ حيث ستكون سابقة منذ العام 1994.
وستكون اللجنة "منتبهة بشدة لمخاطر التضخم"، بحسب الاحتياطي الفدرالي.
يذكر أن رفع سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة أقر بالإجماع.
وعقب الإعلان، ارتفعت أسهم "وول ستريت"، وقرابة الساعة 19,30 بتوقيت غرينتش، أمس الأربعاء، ارتفع مؤشر "داو جونز" بنسبة 2,4 في المائة إلى 33,917.72، فيما ارتفع "ستاندارد آند بورز 500" بنسبة 2,5 في المائة إلى 4,277.78، في حين قفز مؤشر "ناسداك" بنسبة 2,6 في المائة إلى 12,886.82.
5 دول خليجية ترفع سعر الفائدة بعد القرار الأمريكي
رفعت البنوك المركزية في 5 دول خليجية، شملت السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر، أسعار الفائدة، اليوم الخميس، وذلك تماشيا مع قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة بنحو 50 نقطة أساس لاحتواء التضخم.
وقرر البنك المركزي السعودي رفع معدل اتفاقيات إعادة الشراء "الريبو" بمقدار 0.5 في المائة، من 1.25 إلى 1.75 في المائة.
وقرر أيضا رفع معدل اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس "الريبو العكسي" بمقدار 0.5 في المائة، من 0.75 إلى 1.25 في المائة.
كما قرر البنك المركزي الإماراتي، وفقا لبيان، رفع "سعر الأساس" على تسهيلات الإيداع لليلة واحدة بـ50 نقطة أساس، وذلك اعتبارا من اليوم الخميس، وكذا الإبقاء على السعر الذي ينطبق على اقتراض سيولة قصيرة الأجل من المصرف المركزي، من خلال كافة التسهيلات الائتمانية القائمة عند 50 نقطة أساس فوق سعر الأساس.
وقال بنك الكويت المركزي، في بيان، إنه قرر رفع سعر الخصم بواقع ربع نقطة مئوية، من 1.75 في المائة إلى 2.00 في المائة، اعتبارا من اليوم، عقب قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي زيادة أسعار الفائدة.
وفي سياق متصل، قال مصرف البحرين المركزي، اليوم الخميس، إنه رفع سعر الفائدة الأساسي للودائع لمدة أسبوع، بمقدار 50 نقطة أساس، إلى 1.75 في المائة، في أعقاب قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي زيادة أسعار الفائدة.
وزاد المركزي البحريني أيضا سعر الفائدة للودائع والإقراض لليلة واحدة، 50 نقطة أساس، إلى 1.5 في المائة، و3.0 في المائة على التوالي، ورفع سعر فائدة الودائع لمدة أربعة أسابيع، بمقدار 25 نقطة أساس، إلى 2.5 في المائة.
كما قرر مصرف قطر المركزي رفع فائدة الإيداع 50 نقطة أساس، إلى 1.5 في المائة، وفائدة الإقراض 25 نقطة أساس، إلى 2.75 في المائة، وسعر إعادة الشراء بـ50 نقطة أساس، ليصبح 1.75 بالمائة.
وجاءت قرارات بنوك الكويت والبحرين والإمارات والسعودية وقطر المركزية بعد رفع البنك المركزي الأمريكي، أمس الأربعاء، سعر الفائدة الرئيسي، بمقدار نصف نقطة مئوية، كخطوة جديدة لمواجهة الارتفاعات القياسية للتضخم.
وخليجيا، من المتوقع على نطاق واسع، أن يرفع البنك المركزي بسلطنة عمان، أسعار الفائدة أيضا.
وأقر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، أمس الأربعاء، أكبر زيادة في أسعار الفائدة، منذ عام 2000، وأعلن أنه سيبدأ تقليص ميزانيته العمومية الهائلة، الشهر المقبل، مستخدما أقوى تشديد للسياسة النقدية منذ عقود لمكافحة التضخم المتصاعد.
وتوقع المجلس أن تفاقم الإغلاقات المرتبطة بـ"كوفيد-19" في الصين سيسبب مشاكل سلاسل الإمداد، إضافة إلى أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا تتسبب في صعوبات إنسانية واقتصادية هائلة.