وجدت الشركة الأمريكية "ديلفي" المستثمرة في ثلاث مدن مغربية، وهي: طنجة والقنيطرة ومكناس، نفسها في مواجهة احتجاجات عمالية غير مسبوقة، بعدما انقلبت ما يصفه العمال، بمحاولة تملص الشركة من واجباتها والتزاماتها القانونية والاجتماعية اتجاه المشغلين"، إلى إضراب عام عن العمل شل وحداتها الإنتاجية بشكل شبه كامل على مدى الثلاثة أيام الأخيرة، ما دفع السلطات الأمنية للتدخل من أجل انهاء اضراب العمال، ليسقط عدد من الجرحى في صفوف هؤلاء حسب مصادر نقابية سبق وتحدثت لـ"تيل كيل عربي".
في عاصمة البوغاز طنجة، تتوفر الشركة على ثلاث وحدات صناعية كبرى متخصصة في صناعة ألياف كهرباء السيارات "كابلاج"، وتضم حسب إحصائيات غير رسمية أكثر من 15 ألف عامل، يشتغل المصنع 24/24 سبعة أيام في الأسبوع من دون توقف، وذلك عبر نظام "التفويج"، يستغرق مدة اشتغال كل فوج ثمانية ساعات في اليوم، في ظروف يصفها العمال بـ"القاسية، نظير أجور زهيدة تبدأ من ألفين درهم، وتتعداها بـ700 درهم بالنسبة لأصحاب المدد الطويلة".
بوادر الأزمة انطلقت منذ شهر يناير الماضي، عندما قامت إدارة الشركة بتغيير اسم "علامتها التجارية" في واجهات مصانعها، ووثائقها الإدارية، من "ديلفي أوطوموتيف سيستيم"، إلى "أبتيف سيرفيس ماروك"، وهو نفس الاسم الذي تحمله شركة أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي خلق التباسا وتوجسا لدى العاملين خاصة وأنهم لم يتلقوا أي توضيحات على استفساراتهم من الإدارة بخصوص الموضوع.
لكن بداية من شهر يونيو الجاري، لاحظ العاملون عند حصولهم على وثائق إدارية، (شهادة الشغل، بيانات الأجر، شهادة الأداء...)، وجود تغييرات همت وضعيتهم القانونية، ومدد الأقدمية، وعدد الأيام المصرح بها لدى صندوق الضمان الاجتماعي، ما جعلهم يقررون بعد نقاش نقابي موسع فيما بينهم، الدخول في معارك نضالية بعد شعورهم بأنهم أصبحوا مهددين بتسريح جماعي.
اقرأ أيضاً: طنجة.. تدخل أمني ضد إضراب عمال بشركة أمريكية يخلف 15 جريحاً - فيديو
وإذا كانت الأسباب المعلنة هي تغيير الاسم الاجتماعي للشركة، فإن الأسباب غير المعلنة حسب عمال استجوبهم "تيل كيل عربي"، هي "رغبة الإدارة الجديدة في التخلص من أصحاب الأقدمية على الرغم من فارق الأجر البسيط، وامتيازات هزيلة جدا، وذلك بهدف التعاقد مع يد عاملة جديدة بعقود المناولة"، وهي نفس المعطيات التي أمدها للعمال محامون متخصصون في قانون الشركات.
أمام هذه التطورات، انطلقت بوادر الاحتجاج بارتداء شارة حمراء في وحدات الإنتاج بكل من مدينتي طنجة والقنيطرة، ثم تطورت ابتداء من يوم الخميس الماضي إلى إضراب مؤقت عن العمل، واعتصامات داخلية، إلى أن وصلت خلال يومي السبت الأحد والاثنين، إلى شلل تام في سلسلة الإنتاج، إذ لم تفلح وعود الإدارة وتطميناتها في تبديد مخاوف الشغيلة.
وفي الوقت الذي توسعت دائرة الاحتجاجات بمستوى غير مسبوق، اتصل مسؤولو الشركة الأمريكية بالسلطات المغربية مطالبين بتأمين سلسلة إنتاجيتها، مهددة حسب مصادر مطلعة، بالرحيل عن المغرب وتسريح الآلاف من اليد العاملة، وهو ما يفسر تحركات كل من عامل عمالة القنيطرة، ووالي جهة طنجة، الذين حاولوا امتصاص أجواء الاحتقان وإخماد انتفاضة العمال دون جدوى.
وعن أسباب رفض العمال التفاعل إيجابا مع وعود السلطات لهم بتسوية وضعياتهم المهنية، قال عمال تحدثوا لـ"تيل كيل عربي"، إن "لجنة الحوار التي انتدبها العمال للتواصل مع الشركة، لم تنه بعد مفاوضاتها مع الإدارة بخصوص ملفها المطلبي"، موضحين أن "اتفاق يوم السبت الماضي، بينهم وبين مسؤولي ولاية جهة طنجة، كان هو استئناف جلسة الحوار للبت في نقط الملف المطلبي قبل عودة العمال إلى الشغل، لكنهم تفاجؤوا فجر يوم أمس الاثنين بإنزال أمني مكثف، لم يمهلهم سوى مدة محدودة ثم أعطيت الأوامر لتفريق تجمهر المئات من العمال باستعمال القوة".
"تيل كيل عربي" حاول منذ صباح يوم أمس الاثنين التواصل مع إدارة الشركة، وتم الاتصال بمسؤولة داخلها، توصلت برسالة حول الموضوع دون أن يصدر عنها أي رد فعل أو توضيح، كما انتقل الموقع إلى مقر الشركة في طنجة للقاء مسؤوليها هناك إلا أنه اصطدم بتعليمات أمنية تمنع الولوج إلى الموقع.