قصة محمد الكحص و"بطاقة الشباب".. المبادرة الأصلية التي غيّبها "جواز الشباب"

محمد فرنان

يطرحُ الاعتراف بالمشاريع السابقة إشكالية تتجاوز البعد السياسي إلى مساءلة نزاهة الفاعلين ومدى التزامهم بالأمانة التاريخية واستمرارية السياسات العمومية، ويتجلى ذلك بوضوح في الجدل حول برنامج "جواز الشباب"، الذي يكشف إشكالية الاعتراف في المشهد السياسي المغربي، حيث تتم أحيانا إعادة تقديم المبادرات السابقة بثوب جديد بدل تثمين تراكماتها.

من ذلك، حرصت الفيدرالية الوطنية للشبيبة التجمعية، بعد إطلاق "جواز الشباب" من طرف وزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، عن حزب الأصالة والمعاصرة، على تقديمه باعتباره مبادرة جديدة ومنبثقة عنها.

في حين، يعد البرنامج، في جوهره، وفق شهادة رجل عاش قريبا من السياسات العمومية للشباب ومن وزير لا تزال صدى كلماته ومشاريعه إلى الآن، امتدادا لمشروع "بطاقة الشباب" التي أطلقها الوزير السابق بقطاع الشباب، محمد الكحص، القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في حكومة الوزير الأول إدريس جطو (2002-2007).

تاريخ ميلاد "بطاقة الشباب"

في هذا الصدد، قال مصطفى بنرهو، مستشار محمد الكحص، عندما كان كاتبا للدولة مكلفا بالشباب إن "جواز الشباب ابن شرعي لبطاقة الشباب، إذا أخذنا بمبدأ استمرارية السياسات العمومية، فتاريخ ميلاد البرنامج يعود إلى 10 أبريل 2003 أثناء تقديم كاتب الدولة في الشباب مخطط العمل أمام المجلس الحكومي".

وأضاف، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، "اعتبر آنذاك أن التفكير في خلق هذه البطاقة مقدمة ضرورية في أفق مشروع "الوضعية الاجتماعية للشباب"، من خلال تمكين الشباب المغربي من وضعية اعتبارية خاصة تقديرا من المجتمع لأهمية مرحلة الشباب وتعبيرا منه عن تجاوبه وتفهمه لخصوصيته واحتياجاته كالاستفادة من بعض الخدمات العمومية أو الخاصة بشروط تفضيلية".

وأبرز الخبير في قضايا الشباب والسياسات العمومية، في حديثه للموقع، "بالفعل اشتغلنا عليها، وقمنا بزيارة إلى بعض الدول الأوروبية للاطلاع على بعض التجارب الرائدة، وحظيت الفكرة باهتمام كبير والعناية اللازمة من طرف كاتب الدولة في الشباب، ليتم توفير شروط الإعداد ودراسة الضمانات والفرص المتاحة حتى لا تتحول بطاقة الشباب إلى وهم يضخم انتظارات الشباب بلا إنجاز يذكر".

محمد الكحص

وتابع: "خلصنا إلى أن هذا المشروع لا يجب أن يبقى قطاعيا تهتم به كتابة الدولة في الشباب، بل يجب أن يصبح حكوميا تنخرط فيه كل القطاعات الحكومية المعنية، والتي يمكنها أن تسدي خدمة بأسعار تفضيلية للشباب، وفكرنا حتى في طبيعة 'البطاقة' وشكلها، ومع الأسف، تجاوبت بعض القطاعات، والبعض الآخر لم يستجب، المهم في هذه المرحلة هو البناء الفكري للبطاقة، وأعتقد أنها مرحلة مهمة في أي مخطط عمل يستهدف الشباب، وهنا تطرح مسألة الاستمرارية في السياسات العمومية والاستثمار في الأشياء الإيجابية".

وأورد أن "هذه الفكرة بقيت، وبطبيعة الحال السياسات العمومية مستمرة، ويجب أن يكون فيها نوع من الاعتراف وليس الإقصاء، إذا جاء وزير واشتغل عليها، وحاول تطويرها فهذا أمر جيد، مع نسبة الأمر لأصحابه".

دور محمد أوزين

وذكر أنه "من حسن الصدف، بعد مغادرة محمد الكحص، اشتغلت في ديوان محمد أوزين، الذي كان وزيرا للشباب والرياضة خلال الفترة من 2012 إلى 2015 في حكومة عبد الإله ابن كيران، وأعاد إحياء هذا المشروع، وأطلقه بروح رؤية محمد الكحص وفلسفة بطاقة الشباب، كما أن السياق السياسي بعد دستور 2011 واشتغال الوزارة على السياسة الوطنية المندمجة للشباب ساهم بشكل كبير في بروز خطاب حول الشباب وحقوق الشباب، مما رفع من وتيرة الاشتغال عليها بنفس جديد، وتم التواصل مع خبراء، وعقدت لقاءات متعددة".

عقبة المعطيات الشخصية

وأشار إلى أن "هذا المشروع عرف انتعاشا واعترافا وأهمية، وبدأ الاشتغال عليه، حضرت مجموعة من اللقاءات مع عدة قطاعات، مثل السكن والصحة والنقل ومكتب السكك الحديدية، مما أعطى له أهمية، وبقيت عملية كان حولها نقاش كبير، حول "هذه البطاقة" التي سيكون فيها عدد من معطيات الشباب المغربي، ولكن (فين نحطو هاذ) الأسماء والمعلومات، ويمكن أن تستثمر معطياتهم، ومن هو الجهاز الذي يمكن أن يخزن هذه الأسماء بشكل آمن دون استغلالها لأغراض أخرى".

وأوضح المتحدث ذاته أن "الموضوع بقي في هذه النقطة، ذهب محمد أوزين، ولم تجد تلك البطاقة من يعتني بها".

أزيل الاسم الشرعي

وأبرز أن "الوزير الحالي، غير اسم بطاقة الشباب إلى اسم تسويقي جديد، أزال الاسم الشرعي، وأعطاها اسم جواز الشباب، ولكن بروح ومضمون بطاقة الشباب، المهم يجب أن يكون في النهاية مكسبا للشباب، وأن يكون لها وقع في حياة الشاب، وليس فقط تسويقا سياسيا، والنقاش يجب أن ينصب على مدى قوة الخدمات المقدمة، وأن تفتح أمام الشباب أبواب موصدة، البطاقة لا يجب أن ترتبط بقطاع حكومي، إنما هي شأن حكومي وقرار سياسي وليس ظرفيا يزول بزوال الوزير".

خلية توليد الأفكار

وأورد أن الوزير الكحص "أنشأ خلية خاصة في ديوانه لتوليد الأفكار وتطويرها، ومراجعتها وتدقيقها، وكانت مثل خلية نحل، بطبيعة الحال، الكحص هو القائد والمفكر، وكنا نجتمع مع الوزير لبلورة المخطط الذي أتى به، وكنا نشتغل معه كفريق، وكان ذلك مستمرا، والأفكار لا تبقى أفكارا، بل يفتح عليها نقاش حول آثارها في المجتمع، وفي مجال السياسات العمومية ومن يقودها، ليس فقط أن يكون سياسيا يقوم بدغدغة انتظارات الشباب وتضخيمها، بل التجاوب معها".

قائد سياسي بعمق فلسفي

وأشار إلى أن "محمد الكحص قاد سياسة بعمق فلسفي واجتماعي وثقافي وتربوي، تحتكم لسلطة المعرفة والفكر، وليس سياسة فقط للاستهلاك، بل كانت مبنية على مبادئ وقيم، هي التي تغذي كل الأنشطة والبرامج، من حيث العناوين، مثل الجامعة الشعبية، وزمن الكتاب، وسينما الشباب، ومسرح الشباب، وأجيال كوم للإعلاميات، ومعهد الشباب والديمقراطية الذي جمع كل الشبيبات الحزبية، وخصصنا له مقرا".

الكحص حرر دور الشباب

وذكر أن "الكحص نزل سياسة الوزارة إلى الشارع، مثلا في الجامعة الشعبية كان 450 أستاذا ومحاميا ومفكرا ومبدعا يشاركون في الجامعات الشعبية بالمجان، والجامعة الوطنية للأندية السينمائية تؤطر الشباب وتعد برامج داخل دور الشباب، هذه أشياء لها بعد يربط الشباب بالمبدع والمفكر والسياسي بجميع المكونات السياسية والثقافية للمجتمع، وكانت لدينا فكرة مسارح الشباب، وبدأنا فيها، وكنا نود أن تصبح تقليدا في الأحياء".

وأوضح أن "الكحص حرر دور الشباب من الطابوهات، وأصبحت حينها نقاشات وحوارات شبابية بدون قيود، والسياسيون بكل تلويناتهم كانوا يحضرون في دور الشباب، الآن، نترك للمواطن المقارنة بين العناوين والأنشطة في دور الشباب في ذلك الوقت، وفي الزمن الحالي".

الأرضية الأولى لبطاقة الشباب

  وأدلى مصطفى بنرهو لـ "تيلكيل عربي"  بـ"الأرضية الأولى لبطاقة الشباب" وهي فكرة جنينية، أعدت في عهد الوزير الأسبق بقطاع الشباب محمد الكحص صاحب الفكرة.

وجاء في وثيقة البطاقة التقنية أن "بطاقة الشاب إشارة رمزية وخدمة عملية ملموسة، تمنح للشباب حق الاستفادة من التخفيضات والإعفاءات المرتبطة ببعض الخدمات التي تهم مجالات حياته، التخفيض من تذاكر القطار والخطوط الجوية الملكية والنقل الطرقي (وفقا لاتفاقيات مع الجهات المعنية)، التخفيض من تذاكر الملاعب الرياضية، التخفيض من تذاكر القاعات السينمائية، التخفيض من تذاكر الدخول للمتاحف والمركبات الثقافية، التخفيض من أثمنة الفنادق ومراكز الاستقبال".

ودعت حينها الأرضية الأولى إلى ضرورة "دراسة بعض الإمكانيات والتسهيلات الأخرى لتعزيز مجالات الاستفادة والتسهيلات التي تمنحها بطاقة الشاب"، وشددت على أن "هذه المبادرة تفترض انخراط مختلف القطاعات الحكومية والقطاع الخاص وتحديد نوع الإعفاءات الممكنة في هذا المجال".

وأشارت إلى أن "بطاقة الشباب ستمكن من توسيع مجال التسهيلات وبلورة اتفاقيات مع الهيئات والمهن الحرة والمقاولات الخاصة (أطباء، محامين، منظمي التظاهرات الثقافية والفنية..).

وأبرزت أن أهم "ما يميز بطاقة الشاب كونها إشارة قوية للاعتراف للشباب بوضعه الاعتباري، وفي نفس الوقت تعبير من طرف المجتمع على أنه يأخذ بعين الاعتبار ضعف قدرته الشرائية ويحثه على ولوج عدد من الأنشطة والمرافق بشروط تفضيلية".

حصيلة العمل لسنة 2003 والآفاق لسنة 2004 - محمد الكحص

"بطاقة الشباب" لم تكن في البطاقات التقنية داخل الوزارات، بل كانت محورا رابعا في حصيلة العمل لسنة 2003 والآفاق لسنة 2004، المكون من 65 صفحة، يتوفر "تيلكيل عربي" على نسخة منه، قدّمه مستشار الوزير الأسبق بقطاع الشباب.

وذكرت الحصيلة أن "التفكير في خلق "بطاقة الشباب" يشكل بالنسبة لكتابة الدولة المكلفة بالشباب مقدمة ضرورية ومتواضعة في أفق مشروع "الوضعية الاجتماعية الخاصة بالشباب"، الأمر الذي يقتضي تضافر جهود كل القطاعات الحكومية المعنية".

وينطلق المشروع، وفق الوثيقة، من "الإرادة الملكية السامية المتجهة نحو إيلاء كامل الاهتمام وبالغ العناية بأوضاع الشباب المغربي، وتركيز التصريح الحكومي على ضرورة النهوض بقطاع الشباب وتطوير خدماته وأدائه، ومخطط العمل الذي قدمه كاتب الدولة في الشباب خلال المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 10 أبريل 2003".

وهدفت إلى "تمكين الشباب المغربي من وضعية اعتبارية خاصة تقديرا من المجتمع لأهمية مرحلة الشباب وتعبيرا منه عن تجاوبه وتفهمه لخصوصياته واحتياجاته كالاستفادة من بعض الخدمات العمومية أو الخاصة بشروط تفضيلية والولوج إلى بعض الفضاءات الثقافية والاجتماعية، وبلورة الاستراتيجية الجديدة للحكومة في ميدان الشباب المتجهة نحو تحويل مرافق قطاع الشباب إلى بنيات إدارية متمثلة لقيم الخدمة العمومية".

وسعت إلى "الانتقال من وضعية قطاع الشباب كتدبير يومي لمجموعة من المصالح الإدارية، والتي لا تفي بكل حاجيات الشباب، إلى وضعية القطاع الذي ينسق ويقود منظومة من التدخلات الحكومية والخاصة في مجال الشباب".

ورامت "ربط الشباب المغربي بالمؤسسات التي تنطلق من مبدأ الخدمة العمومية الموجهة للشباب (دور الشباب، مراكز الاستقبال…) وذلك عبر هذه البطاقة باعتبارها "منتوجا" عموميا، يتميز بالفعالية والجاذبية بالنظر للخدمات الممكن توفيرها".

وحددت استراتيجية العمل، في تحديد الشروط المرتبطة بالحصول على بطاقة الشباب، واستقبال الاقتراحات الواردة من الشركاء وهم جميع الجهات المرتبطة بشكل مباشر بتقديم خدمات عمومية أو خاصة للمواطنين من قطاعات حكومية، ومؤسسات عمومية، وقطاع خاص، ومنظمات غير حكومية، وتنظيم اجتماع تنسيقي لجميع الشركاء قصد التدقيق النهائي لملامح المشروع، إعلان انطلاق عملية "بطاقة الشباب" ويقترح شهر مارس 2004 كموعد لهذه العملية".

حكومة عبد الإله ابن كيران

وأثبتت وثيقة أخرى، قدمها لنا نفس الخبير في قضايا الشباب والسياسات العمومية، وهي بطاقة تقنية مطورة، أنتجت في عهد محمد أوزين، لما كان وزيرا للشباب.

وأشارت إلى أن "بطاقة الشباب ترتكز على أساس مفاهيمي يهدف إلى تلبية احتياجات الشباب، وهي مبادرة تسعى في المقام الأول إلى التعبير بوضوح عن الاهتمام الذي توليه الدولة لشبابها، كما تمثل رسالة مباشرة إلى جميع الشباب في المغرب، تعكس الاهتمام الذي نوليه لكل فتاة وكل شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و30 سنة".

هذا التعريف، والفئة العمرية، نفسه، في موقع "جواز الشباب" الذي يعرفها بأنه "تطبيق مجاني مخصص حصريا للشباب المغاربة والأجانب المقيمين في المغرب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و30 سنة، يقدم هذا التطبيق تخفيضات وعروضا مجانية وامتيازات أخرى لتمكين الشباب من الاستفادة من العديد من الخدمات الثقافية والرياضية وكذا خدمات التنقل والإقامة، وخدمات أخرى، في جميع أنحاء التراب الوطني".

تطرقت الورقة المكونة من أربع صفحات، إلى أهمية البطاقة كأداة لدعم الشباب ومساعدتهم على مواجهة تحديات الحياة، من خلال حزم تشمل ريادة الأعمال، الثقافة والترفيه، الصحة، السكن، التمويل البنكي، الاتصالات، النقل، والسفر، وتناولت أهمية تهيئة البيئة التقنية والتنظيمية لإنجاح المشروع، عبر شراكة مع "بريد المغرب" لإنتاج وتوزيع البطاقة، وشددت الورقة على أهمية التسويق القائم على القيم الأساسية، وإبرام اتفاقيات شراكة لضمان استدامة المشروع وتحقيق أهدافه.

مبادرات فترة تولي محمد الكحص، كتابة الدولة المكلفة بالشباب: 

No photo description available.

No photo description available.

No photo description available.

No photo description available.

No photo description available.

No photo description available.

No photo description available.

No photo description available.

No photo description available.

No photo description available.

No photo description available.

No photo description available.

No photo description available.

No photo description available.

No photo description available.