يعيش قطاع غزة، اليوم الخميس، على وقع الغارات الجوية والقصف والمعارك الشرسة بين الجيش الإسرائيلي ومقاتلين فلسطينيين، والتي خلفت عشرات القتلى، خلال الليل، بحسب حركة "حماس"، في وقت وافقت إسرائيل على إرسال وفد إلى واشنطن لبحث الهجوم البري الذي تعد له على رفح.
وانتقدت الولايات المتحدة رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتانياهو، بسبب الارتفاع الهائل في أعداد القتلى المدنيين في غزة، والنقص الحاد في الماء والغذاء، فيما حذر قادة العالم من اجتياح رفح التي يتكدس فيها نحو 1,5 مليون شخص، معظمهم نازحون على الحدود المغلقة مع مصر.
وأغضب صدور قرار ملزم من مجلس الأمن الدولي يطالب "بوقف فوري لإطلاق النار"، وإطلاق سراح الرهائن، نتانياهو، الذي ألغى زيارة مقررة لوفد إسرائيلي إلى واشنطن. لكنه عاد ووافق على إرساله، وفق المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيار، التي قالت إن العمل جار لتحديد موعد.
وتعتزم واشنطن عرض خطة بديلة للهجوم على رفح تركز على ضرب أهداف لحركة المقاومة الفلسطينية، مع الحد من الخسائر في صفوف المدنيين.
وفي ظل الأزمة الإنسانية الكارثية الناجمة عن الحصار، وتدمير البنية التحتية في القطاع، البالغ عدد سكانه 2,4 مليون نسمة، تكرر الأمم المتحدة إن المجاعة "أقرب أن تكون حقيقة واقعة في شمال غزة"، محذرة من أن النظام الصحي ينهار؛ "بسبب استمرار الأعمال العدائية، والقيود المفروضة على الوصول" إلى مختلف المناطق.
وبموازاة ذلك، تحدثت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) عن مواجهات في بلدات عدة في الضفة الغربية المحتلة، فيما أصيب ثلاثة أشخاص في إطلاق نار على مركبات؛ بينها حافلة مدرسية إسرائيلية قرب أريحا.
- قصف مستشفى الشفاء -
قالت وزارة الصحة التابعة لـ"حماس" إن 62 قتيلا و91 جريحا وصلوا إلى المستشفيات، خلال 24 ساعة، حتى صباح الخميس، جراء القصف والغارات المتواصلة في الشمال على مدينة غزة، ومخيم جباليا، وبيت لاهيا، ومخيم البريج، وحي الزيتون، وفي الوسط في الزوايدة، وفي الجنوب في خان يونس، ورفح؛ حيث تتعرض كذلك خيام النازحين للقصف، كما حصل، مساء أمس الأربعاء، في مخيم الصلاح برفح؛ حيث قتل طفلان وامرأة ورجل، وفق وزارة الصحة، في غارة جوية ضربت خيمتين. ويوم أمس الأربعاء كذلك، خلف القصف على المستشفى الكويتي بالمدينة قتلى وجرحى.
وتحدث مسؤول في القطاع عن معارك محتدمة قرب مدينة غزة في الشمال، وخان يونس في الجنوب.
وقال الإعلام الحكومي التابع لـ"حماس" إن "الاحتلال يواصل عملية الاقتحام في مجمع ناصر الطبي، ويحاصر مستشفى الأمل (وكلاهما في خان يونس)، ويواصل عملية اقتحام مجمع الشفاء الطبي ومحيطه"؛ حيث تم "تدمير 4 عمارات سكنية في حي الرمال" غرب مدينة غزة.
وقالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني إن آلاف المدنيين يحتمون في مجمع ناصر، وهو الأكبر في جنوب القطاع.
وأعلن الجيش الإسرائيلي مواصلة عملياته في مجمع الشفاء الطبي والأحياء المحيطة به في مدينة غزة ومنطقة الأمل؛ حيث صار مستشفى الأمل خارج الخدمة، وفي منطقة القرارة في خان يونس.
ويتهم الجيش حركة "حماس" بـ"استغلال المستشفيات، بشكل منهجي، لأغراض عسكرية، مستخدمة السكان المدنيين كدروع بشرية"؛ حيث يقول إن عملياته تستهدف "البنية التحتية للإرهاب".
وقال شاهد عيان لـ"فرانس برس"، مساء يوم أمس الأربعاء، إن "النيران تشتعل في مبنى الطوارئء في الدور العلوي في مستشفى الشفاء، بعد تعرضه للقصف بعدة صواريخ من الطيران الحربي".
وتحدثت الأمم المتحدة عن "تبادل مكثف لإطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي والمقاتلين الفلسطينيين". ونقلت عن وزارة الصحة أن الجيش وضع الطاقم الطبي والمرضى في الشفاء في مبنى واحد، ولا يسمح لهم بالمغادرة.
ولا تعرف حصيلة القصف والمعارك في الشفاء والأحياء المحيطة؛ حيث ذكر شهود عيان أن الجيش اعتقل المئات من الرجال والشباب، وحتى أطفال، وقصف عشرات المنازل ودمرها، وأرغم السكان على النزوح باتجاه الجنوب.
وأكد الجيش أنه اشتبك مع مقاتلين، وقتل 200 منهم، منذ توغلت دباباته في الأحياء المحيطة بمجمع الشفاء، الذي اقتحمه، فجر 18 مارس، للمرة الثانية، منذ نونبر. كما قتل "عشرات" آخرين في منطقة مستشفى الأمل، الذي أجلى كل من فيه وأغلقه، في ثاني عملية تستهدفه، وفق جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
وقالت الجمعية، في بيان لها، اليوم الخميس: "أفرجت قوات الاحتلال عن سبعة من طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني، الذين تم اعتقالهم خلال اقتحام مستشفى الأمل، في 9 فبراير، وبعد قضاء 47 يوما في سجون الاحتلال؛ من بينهم مدير الإسعاف والطوارىء في قطاع غزة ، محمد أبو مصبح".
وأضافت: "يواصل الاحتلال اعتقال ثمانية من طواقم الجمعية لا يزال مصيرهم مجهولا حتى اللحظة".
- 174 يوما -
قالت مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيزي، إنها تلقت "تهديدات"، بعدما أكدت، في تقرير، أن "ثمة أسبابا منطقية" تدفع إلى القول إن اسرائيل ارتكبت "أعمال إبادة" في حالات كثيرة.
وعبرت دول عدة؛ غالبيتها عربية ومسلمة وأمريكية لاتينية، عن دعمها للمقررة الخاصة، التي قال مراقبون إنها تدلي، أحيانا، بـ"تصريحات قوية جدا".
ومنذ نحو ستة أشهر، يعيش أهل غزة أهوال الحرب والحصار اللذين أسفرا عن تدمير البنية التحتية، وحرمانهم من الغذاء والماء والوقود والكهرباء.
وجراء ذلك، صار من الصعب تلافي المجاعة بين السكان الذين دمرت منازلهم، وتحول معظمهم إلى نازحين، دون أن يسلموا من القصف.
ومنذ اندلاع الحرب، لا تسمح إسرائيل، التي تسيطر على المعابر، سوى بدخول عدد محدود من شاحنات المساعدة، وتخضعها لعمليات تفتيش مطولة.
وبهدف تخفيف المعاناة، لاسيما عن سكان الشمال الأكثر حرمانا، لجأت بعض الدول إلى إلقاء الأغذية من الجو.
وقال الناطق باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، جيمس إلدر: "المساعدات الغذائية تنزل، عادة، بالمظلات، عندما يكون الناس معزولين، على مسافة مئات الكيلومترات. ولكن هنا، المساعدة التي نحتاج إليها لا تكاد تبعد بضعة كيلومترات. لذلك، علينا استخدام الطرق البرية!".
ودعت "حماس" إلى وقف عمليات الإنزال، بعد مقتل 12 شخصا غرقا، وستة جراء التدافع للحصول على الطعام.
وبموازاة ذلك، لم يسجل تقدم في المفاوضات التي تتوسط فيها قطر ومصر والولايات المتحدة للتوصل إلى هدنة تترافق مع الإفراج عن رهائن إسرائيليين محتجزين في قطاع غزة، في مقابل معتقلين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية.