عندما غادرعبد الصمد الإدريسي ومحمد زيان، دفاع الصحافي توفيق بوعشرين، مدير جريدة "أخبار اليوم" و"اليوم24"، مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بعد أول لقاء لهما مع موكلهم، يوم السبت 24 فبراير، تنبئا أن تكون محاكمته "محاكمة القرن"، ولم ينتظرا طويلا ليتأكدا فعلا أن المحكمة ستكون تاريخية بكل المقاييس، فتوفيق بوعشرين، أول صحافي يحاكم بقانون الاتجار في البشر، الذي صادق عليه البرلمان المغربي في الأسبوع الأخير من ولاية حكومة بنكيران، الذي دافع عنه بوعشرين طويلا، ويعتقد الصحافي أن ذلك هو السبب في متابعته اليوم.
نهاية أسبوع غيرعادية
بدأت القضية يوم الجمعة الماضي23 فبراير على الساعة الخامسة والنصف. ساعتها وصلت إلى مقر جريدة "أخبار اليوم" بعمارة الأحباس بالدار البيضاء فرقة أمنية كبيرة، قدرتها مصادر من عين المكان بحوالي عشرين فردا، توزعت إلى فريقين: الأول رابط أسفل العمارة، فيما صعد الفريق الثاني إلى الطابق 17.
بعد حديث وجيز إلى بوعشرين في مكتبه، غادر الجميع إلى مقر الفرقة الوطنية، بعد أن سحبوا مفاتيح مقر الجريدة من موظفة الاتصال، يشيعهم بلاغ للوكيل العام يقول "بناء على شكايات توصلت بها النيابة العامة أمرت بإجراء بحث قضائي مع السيد توفيق بوعشرين كلفت به الفرقة الوطنية للشرطة القضائية"، ورفض البلاغ الإفصاح عن موضوع الشكايات، مبررا ذلك بضرورة "ضمان مصلحة البحث وحفاظا على سريته وصونا لقرينة البراءة".
مصادر من النيابة العامة تحدثت إليها "تيل كيل" في حينها حرصت على توجيه رسالة واحدة" لاعلاقة لاعتقال بوعشرين والتحقيق معه بجرائم الصحافة والنشر"، وقد ظهرذلك واضحا في لغة البلاغ الذي أشار إلى بوعشرين باسمه المجرد، ولم يربطه بصفته مديرا للنشر، كما لم يذكر اسم الجريدة التي يديرها، ولا المواقع الإخبارية التي يملكها.
على امتداد يوم السبت، وجهت استدعاءت لعدد من العاملات في جريدة "أخبار اليوم"، و"سلطانة"، المملوكة أيضا لبوعشرين، فيما تحركت عناصر الأمن لاستقدام أخريات، دون أن تتوضح طبيعة الشكايات وموضوعها، مما جعل الشائعات تتناسل والسيناريوهات تتعدد.
في اتصال هاتفي ل"تيل كيل"، مساء السبت الماضي، مع عدد من اللواتي استمعت إليهن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، حرصن على ترديد نفس العبارات" كانت الأسئلة عن تاريخ الالتحاق بالعمل، وطبيعة المهام الموكولة إليك، والبرنامج اليومي لبوعشرين في مكتبه، والأشخاص الذين يترددون عليه، وهل يفتح بنفسه بريده الإليكتروني..."، قبل أن يتبين أن الحكاية أكبر من ذلك.
ففي نهاية اليوم، نزل بلاغ جديد لوكيل الملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، يعلن فيه أن الشكايات تتعلق ب" اعتداءات جنسية"، وأنه " تم الاستماع لبعض المصرحين وبعض الضحايا". وحرص البلاغ على تفنيذ الشائعات بوجود اعتقالات جديدة ، بالقول "يؤكد الوكيل العام للملك أنه خلافا للأخبار المتداولة فإنه لم يتم توقيف أي شخص آخر على ذمة هذه القضية، لحد ساعة صدور هذا البلاغ. كما أن البحث الجاري لا علاقة له بمهنة الصحافة".
ولتأكيد أن البحث لاعلاقة له بمهنة الصحافة، ستستعيد إحدى موظفات الاتصال مفاتيح الجريدة ليستأنف الصحفيون عملهم صبيحة الأحد. في ذلك اليوم، سيسمح لأربعة محامين بزيارة بوعشرين بمقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، ليزيدوا بعد خروجهم من الزيارة هذه القضية إثارة ، وهم يقولون " في حالة ثبوت ما نسب إلى بوعشرين من تهم، فإنها ستكون محاكمة القرن"، بعدها سيمدد الوكيل العام، بطلب من النيابة العامة الحراسة النظرية 24 ساعة إضافية، انتهت زوال الاثنين ببلاغ صادم، قال فيه الوكيل العام إنه تقرر " إحالة بوعشرين على غرفة الجنايات في حالة اعتقال، لمحاكمته من أجل "الاشتباه في ارتكابه جنايات الاتجار بالبشر، باستغلال الحاجة والضعف، واستعمال السلطة والنفوذ لغرض الاستغلال الجنسي، عن طريق الاعتياد والتهديد بالتشهير"، والتهم المذكورة، تتعلق بـ"ارتكابه لها ضد شخصين مجتمعين، وهتك العرض بالعنف والاغتصاب ومحاولة الاغتصاب"، ويتابع أيضا من أجل جنح "التحرش الجنسي وجلب واستدراج أشخاص للبغاء من بينهم امرأة حامل، واستعمال وسائل للتصوير والتسجيل". وهذه الأفعال، حسب بلاغ النيابة العامة، يشتبه أنها "ارتكبت في حق 8 ضحايا، وقع تصويرهن بواسطة لقطات فيديو يناهز عددهم 50 شريطاً مسجلاً على قرص صلب ومسجل فيديو رقمي".
بعد يومين، وقع تسريب لائحة بأسماء الضحايا، نتحفظ هنا على نشرها، باستثناء الأسماء التي خرجت بنفسها للعلن. فخلافا لبلاغ الوكيل العام، خلت اللائحة المسربة من أسماء المصرحين والشهود، فيما يقول دفاع بوعشرين إنه توجد شكايتان فقط ضد بوعشرين، واحدة قدمتها كل من نعيمة الحروري، الموظفة في ديوان كاتبة الدولة لدى وزير السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية، وخلود الجابري، الصحافية في "اليوم 24"، والثانية من مشتكية مجهولةن سيجري فيما بعد إسقاطها.
شهادات الضحايا
"تيل كيل"، اتصلت بخلود الجابري، للاستماع لروايتها، لكنها رفضت الحديث في الموضوع، بدعوى أنها غير مستعدة للحديث في الموضوع، مضيفة "أنها مدمرة نفسيا، ولايمكنها الحديث مع أي كان"، قبل أن تخرج في شريط فيديو على قناة في الأنترنيت، تقول فيه "إنها لم تتعرض للاغتصاب، بل لمحاولة الاغتصاب"، ونتيجة لرفضها محاولات بوعشرين، تعرضت لمضايقات، من بينها وقف برنامج لها على "اليوم 24" ، يدعى "الوجه الآخر".
رواية خلود وربطها توقيف برنامجها بضغوط مارسها عليها بوعشرين يكذبها زملائها في العمل . في هذا الصدد، كتب فهد التازي، مصور صحافي بموقع "اليوم 24" على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك "هاديك السيدة لي قالت أن بوعشرين وقف ليها البرنامج من أجل الخضوع له.. ياك البرنامج واقف من شحال هادي فين كنتي أنتي داك الساعة" وأضاف "أنا بصفتي مصور صحفي رافقتها في تصوير بعض حلقات البرنامج أشهد أن سبب التوقيف هو الصراعات لي كتخلقها مع أي واحد من فريق عمل البرنامج وأنا شخصيا خلات فيا غير لينسات.. وطلبت مانبقاش نخدم معاها .. وكل واحد خدم معاها غادي يأكد أش قلت.. مالقاوش لي يصبر ليها لتصرفاتها واستفزازها ومعاملتها المستفزة" وتابع "وأصلا هاد السيدة ماخلاتش شي واحد فالموقع ما تضارباتش معاه.. الله يهدي ماخلق".
المشتكية الثانية نعيمة الحروري، خرجت يوما واحدا بعد خروج خلود، لتقدم روايتها على صفحتها على الفايسبوك، تعترف فيها أنها قدمت الشكاية ضد بوعشرين، وأنها كانت أول من فعل ذلك، وأن الشهادات التي قدمت ضده بعد ذلك تجعلها فخورة لما فعلت، وأنه لايهمها من يكون الرجل في سوق الإعلام، ولا موقفه من المخزن، ولا موقف المخزن منه. تقول الحروري: "من ساءته شكايتي فهو يقبل ضمنا أن تسكت أخته أو ابنته أو زوجته أو أمه عن أي انتهاك لكرامتها وشرفها.. لايهمني من يكون توفيق بوعشرين في سوق الإعلام.. ولا يهمني من يعاديه ومن يحابيه.. ولا يهمني إن كان المخزن راضيا عنه أم ساخطا يتصيد عثراته.. يهمني فقط جرمه معي وأنا مارست حقي في المطالبة بمعاقبته قانونا ولست أفتري عليه حتى أخاف أو أخجل..
قدمت شكايتي قبل اعتقال بوعشرين بأسبوع.. واليوم، وبعد ما شاهدناه من تسلسل مؤلم لأطوار الملف، أؤكد لكم أني فخورة أن كنت أول مشتكية.. فخورة أني كنت سببا في اكتشاف أن ضحايا بوعشرين عديدات وأكثرهن فضلن الصمت خوفا أوطمعا..
أعرف أني أعرض ظهري للجلد من بعض منعدمي الضمير الذين بدأوا بمجرد ظهور اسمي في ترويج الأكاذيب عني والتشهير بي.. منهم من يؤلهون بوعشرين وينزهونه ويقدسونه.. منهم من يتهم المشتكيات والضحايا بالافتراء.. ومنهم من يعتبر الأمر كله مجرد تلفيق من "المخزن"..
مصادر من دفاع بوعشرين تقول إنه لا توجد أشرطة لصاحبة الشكايتين، سالفتي الذكر، فيما تذهب مصادر أخرى إلى القول إن الفرقة الوطنية استعرضت مشاهد فديو لبعض "الضحايا" أمامهن، مما جعلهن يؤكدن أنهن فعلن ذلك تحت التهديد والابتزاز.
"تيل كيل" تحدثت إلى إحدى "الضحايا" على القائمة المذكورة أعلاه، والتي لم تتردد في القول إن بوعشرين تحرش بها واعتدى عليها عدة مرات، وأنها كانت تنهار عندما تعود إلى بيت أسرتها ، دون أن يعلموا سبب ذلك، ودون أن تجرؤ على مصارحتهم بالحقيقة، وأنها لما استدعيت من قبل الفرقة الوطنية، لم تجد بدا من قول "الحقيقة".
"ضحية" أخرى تحدثت إلى تيلكيل عربي لم تتردد بدورها في القول إن بوعشرين تحرش بها العام الماضي حينما توجهت للقائه في مكتبه من أجل طلب عمل. وأضافت "التقيت بوعشرين في مكتبه من أجل تقديم طلب عمل، وبعد حديث مطول بيني وبينه عن العمل الصحافي، وبعد اطلاعه على عدد من المواد التي كنت أنشرها في احد من المواقع سلمني كتابا حول التحقيق الصحفي، تم ارتمى علي محاولا تقبيلي، وضمي إليه، بعدما أغلق الباب بالمفتاح، إلا أنني رفضت ذلك بشدة، وبقيت أردد "مبغيتش مبغيتش"، فتركني وشأني، تم غادرت المكتب، ولم أعد إليه منذ تلك الواقعة".
المتحدثة، قالت انها لم تقدم شكاية ببوعشرين مخافة ان لا يصدقها أحد، "الكل كان سيتهمني بأنني مدسوسة، لهذا تركت الأمر سرا، ولم أخبر زوجي، إلى أن تم استدعائي من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية".
وتابعت "حينما وصلت مقر الفرقة بالدار البيضاء عرضوا أمامي لقطة من شريط مصور تظهر ارتماء بوعشرين علي، وسألوني أن كان ذلك تم بإرادتي، وخنت زوجي، فأجبت بالنفي، وطلبت منهم عرض الشريط كاملا ليتأكدوا أنني رفضت، وكنت أصده، إلا أنهم لم يفعلوا"، مشيرة إلى أنها بعد ذلك عرضت عليهم تفاصيل الحكاية بكاملها.
الأسئلة العالقة
لتبني موقف موضوعي لابد من انتظارعرض الأشرطة التي يتهم على أساسها بوعشرين، والتأكد من صحة ماتضمنته، وهي الأشرطة التي لم يطلع عليها دفاع بوعشرين ، كما لم يطلب ذلك، بسبب الخوف من أن يتهم بالتسريب، حسب ما أفاد به عضو في الدفاع.
بعد حسم هذه القضية ، يحق أن نطرح السؤال: هل كانت الممارسات الجنسية للضحايا مع بوعشرين رضائية، ووجدت "الضحايا" أنفسهن بين نارين، إما الاعتراف بعلاقات غير شرعية مع الرجل، أو تقديم شكاية بأنهن مارسن تحت الإكراه، لتخليص أنفسهن ، وتبييض صحائفن؟
ذلك ما ستحسم فيه المحكمة التي ستنطلق في عيد المرأة، يوم 8 مارس.
سؤال آخر ينتظر أن يثار أثناء المحكمة، من صور أشرطة الفيديو؟
أثناء اعتقال توفيق بوعشرين، وبحسب ما كشفت يومية "أخبار اليوم" أشهر رجال الأمن كامرتين في وجه بوعشرين، تمت إزالتهما من مكتبه، وطالبوه بالتوقيع على محضر المحجوزات، لكنه رفض ذلك، مشددا على أنه لا علم له بهما، وأنهما مدسوستان، وهي الرواية نفسها التي أكدها تقني يعمل بالمؤسسة.
وبحسب محاميه، عبد الصمد الإدريسي، فإن بوعشرين رفض الاطلاع على تلك الفيديوهات، كما طالب بمواجهته بالمشتكيات، وهو ما لم تتم الاستجابة له، معتبرا أن مصدر الفيديوهات مجهول لحد الساعة، وهو ما يجعلها عرضة للتلاعب.
سؤال ثالث، يتوقع أن يثيره دفاع بوعشرين، ويتمثل في الخروقات المسطرية ، وأبرزها عدم عرضه على قاضي التحقيق ومواجهته بالمشتكيات.
بوعشرين يحصي الأيام في سجن "عين البرجة" بالبيضاء في انتظار يوم 8 مارس، وهو سجن أقل ازدحاما من سجن عكاشة، معتبرا أنه كان يعلم بأنه "سيدفع الثمن"، لأنهم، كما يقول، طلبوا منه أن لايكتب عن شخصين، أحدهما يراد له أن يختفي، في إشارة إلى عبد الإله بنكيران، والآخر، يراد له أن يظهر، في إشارة إلى عزيز أخنوش، فهل أدى ثمن مواقفه؟ أم أنه، كما يقول المثل، "لادخان بدون نار"؟