واهم من يعتقد أن التراكمات التي تفرض على المجتمع المغربي ستضمن مزيدا من الاستقرار في المستقبل. وإن كان تبقى شيء من حتى في أوساط النخبة المثقفة، فإنها، وعلى قلتها، مدعوة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أمام تسونامي الاستيلاب الجماعي والفردي الذي ينخر ركائز وطن كان صمام أمانه لقرون، خصوصية إنتاج طبقته الحاكمة ومن يعارضها، وأيضا الذين يتحركون في الوسط بين النقيضين.
منذ مدة، أعترف أنني فقدت، إلى حد كبير، بوصلة إنتاج الرأي بتجرد عن السرعة الجنونية التي يساق بها قطار حاضر ومستقبل المغرب. فوق سكة لا تضمن أقل شروط أمان بقاء عجلاته الحديدية على خط الوصول كيفما كانت هوية وقناعات الذين استقلوا ويستقلون عرباته. من يتحكمون بمقود الاتجاهات، يقررون ثم يصرفون متى وحيث يجب الضغط على الفرامل في حالة الأخطار الاستثنائية، وضبط السرعة وفق المكاسب الاستثنائية.
كان الركاب، قبل زمن الاستيلاب، كما قرأنا وعشنا، ومهما اختلفت مقصورات وكراسي الدرجات التي يجلسون بها، يقتنون التذاكر لأجل وجهة واحدة دون غيرها.
وجهة الوطن، له ولأجله.
لكن يبدو أننا جميعا، ومنذ مدة، نركب قطارا آخر، مختلفا تماما، محطاته خارج شبكات الربط السككي الوطني، قيمة تذاكره تتم تأديتها بالعملة الصعبة أو بشراء الرقاب مقابل ضمان الصعود. أيضا، توفير فرصة السفر على متنه ولو كنت تجهل مصيرك، وفي أي محطة سوف تنزل منه، طواعية أو كرها، وفي الحالة الأخيرة تتهشم رقبتك التي أديت بها سعر التذكرة.
صعود قطار المغرب لم يعد آمنا، التفرج على مروره أمامك لم يعد آمنا، بقاؤك بعيدا عن محطات عبوره لم يعد آمنا، لا شيء آمنا على متن القطار ولا على كراسي محطاته، ولا بعيدا عما تنتجه سرعته الجنونية اللامتناهية.
الآمنون من مصير الطحن تحت عجلاته وسكته الحديديتين، هم السواد الأعظم الذين لا يعرفون لحدود اللحظة أنه تم "اختراع القطار أصلا"، لأجلهم. مع ذلك، هم فقط يتجنبون فعل الطحن حرفيا لا غير.
وهم بدورهم، مثل النخبة القليلة، صامتون، دون إسقاط أن جريمة الصمت قد تترجم لنعمة أو نقمة.
أتفهم دائما الانتقادات بكوني أستعمل أكثر من اللازم أساليب الاستعارة والإسقاط والإيحاء، بل إن هناك حتى من يرى في ما أكتب وأنشر "طلاسم" لا حاجة إليها ولا غرض منها.
في المقابل، أجدني في لحظات التيه وفيا للغة التي أسست منذ الأزل، لمحاولات الدفع بالفهم والتغيير والتنبيه، أيضا زعزعت مسلمات صياغة قناعات تهديم استسهال تشكل الوعي والموقف بدون كلفة وبدون تضحية.
أجدني أحمل الهم المختلط بالبؤس الذي أمقته. أعتقد، لا، بل أجزم أن ما اخترته لعنة أكثر منها اختيار؛ لا أتقن لعبة القفز ما بين تصريف الرأي والمواقف وفق "طلبات العروض" الدولية والشبه وطنية.
اللغة المباشرة والصريحة مطلوبة، لكن الإفراط فيها متاح اليوم، وما أكثر من جعلوا منها أصلا تجاريا لأجل الذات والفرد، وليس العامة والمجتمع.
هنا، أقترح على من استطاع إتمام فقرات هذا المقال مشاهدة فيلم سينمائي أمريكي أنتج عام 2013.
عنوانه: "SNOWPIERCER". يعالج انقراض البشرية بسبب الاحتباس الحراري. ثم الانتقال كرها لعيش كل فئات المجتمع الناجية على متن قطار ضمِن للبعض الحدود الدنيا ولآخرين القصوى، من أجل استمرار الجنس البشري وفق أسطوانة استقرار تمت صناعتها وصياغة تفاصيلها بعناية فائقة.
من يحمل هم الفهم والخروج من شرنقة التراكمات التي تُفرضُ، سيجد وهو يتفرج، لأجله ولغيره، نسخته المغربية من "كاسر الثلوج".
هل يمكن فهم الرسالة؟
تلك تفاصيل أخرى، الجواب عنها، رهينة لمواعيد إنطلاق، مرور ووصول قطار "SNOWPIERCER" المغربي.