قمة الاتحاد الإفريقي.. كيف دبر المغرب معركة حقل الألغام الدبلوماسي وطحن عظام وحدة إفريقيا؟

أحمد مدياني

أحمد مدياني - أديس أبابا

ليس تشبيها، بل واقعا إن غاب عنك جزء من تفاصيله انفجرت الألغام بين يديك قبل قدميك. ودخلت مطحنة السياسة في نسختها التي لا تعترف بحسن النوايا مهما كانت أوهام منطلقاتها. هكذا هي إفريقيا حين تبحث عن موقع قدم متقدم داخل هياكلها ولدى دولها. أما إن أردت الاكتفاء بموقع المتفرج، فلن تخطئ، ولن تتقدم أيضا، لذلك، هناك خياران. قرر المغرب ركوب أمواج الأول.

منذ بداية الأسبوع المنصرم، كان مقر الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا ساحة طحن عظام دبلوماسي. معركته، بالنظر إلى الزمن السياسي الذي عادت خلاله المملكة إلى حضن المنظمة، لا يمكن القفز على أنها انتقلت من موقع مقعد العائد إلى لعب دور الفاعل.

فاعل يواجه كتائب تتحرك بعقيدة الجيوش. تعزف على وتر الدعاية والاستقطاب الشخصي الثنائي، كيفما كان المقابل، عوض الاحتكام إلى حسم المواجهات لصالح من يحمل المشروع الذي يخدم مصالح القارة ووحدتها.

النتائج تعرفونها. إذن، سنحاول، في هذا التقرير، انطلاقا من عيش القمة الإفريقية في دورتها الـ38 من المسافة الصفر، الإجابة عن أربعة أسئلة محورية؛ تؤطر ما أفرزته لمة الأفارقة لاختيار قيادتهم الجديدة.

الأول: هل خرج المغرب خاسرا؟ ثانيا: كيف دبر خوض أول منافسة انتخابية كبرى؟ ثالثا: هل اختيار أخرباش كان خطأ؟ وأخيرا: هل كان يمكن أن يكون أحسن مما كان؟

قبل بسط الإجابات، وجب الاعتراف، دون خجل، بأن الموقع الذي تنافس عليه المغرب ليس شكليا، وأن هناك نواقص وجب ويجب تداركها.

بالون اختبار مجلس السلم والأمن

يوم الأربعاء الماضي، اختارت الجزائر تدشين أولى معاركها الدبلوماسية ضد المغرب، بتقديم ترشيحها لاستعادة مقعدها داخل مجلس السلم والأمن. هنا، وكما هي قاعدة حسم انتخابات الأجهزة والعضوية داخل هياكل منظمة الاتحاد الإفريقي، الرقم السحري الذي يرفع الدولة أو يسقطها، هو الرقم 33.

حسب ما عاينه "تيلكيل عربي" واستقاه من معطيات رافقت انتخابات عضوية مجلس السلم والأمن عن شمال إفريقيا، كان إبقاء الوضع على ما هو عليه اختيارا لدى الدبلوماسية المغربية.

عبأت الجزائر كل قوتها في ذلك اليوم لبلوغ النصاب، ورغم ذلك تجمد عدد الأصوات التي تحصلت عليها عند ثلاثين صوتا إلى غاية الجولة السابعة والأخيرة، ليتقرر تأجيل تغيير هوية من يشغل المقعد إلى موعد لاحق.

محطة مجلس الأمن كانت أشبه ببالون اختبار للقاعدة الانتخابية للبلدين. جرى أيضا استثمار جلسة كانت مبرمجة للمجلس ستناقش أبرز ملفين اليوم على طاولة أشغال قمة القارة.

هل نجح المغرب هنا أم لم ينجح؟ الجواب هو أن النتيجة أبقت الوضع على ما هو عليه قبل شهر مارس المقبل.

وحضر المغرب، ممثلا بوزير الخارجية ناصر بوريطة، ليلة الخميس 13 فبراير الجاري، الجلسة التي ناقشت ملفي الأوضاع في السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

هل يمكن الربط بين تقييم نتائج التصويت على عضوية مجلس السلم والأمن وما جاءت به انتخابات نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي؟

الجواب: قبل صعود محمود علي يوسف من جيبوتي رئيسا للمفوضية الإفريقية كان يمكن ذلك. أما بعده، فقد تغيرت قواعد كثيرة في لعبة تكافؤ موازين القوى، أثرت فيها اختيارات مصر وضغوطات جنوب إفريقيا وخسارة كينيا لسباق الرئاسة.

أمام قاعدة نيلسون مانديلا، كنت شاهدا على تهنئة المغرب بفوز محمود علي يوسف.

الرجل عاش منذ عشية انطلاق قمة حملة إشاعات دعائية قوية، قادتها الجزائر بدعم من جنوب إفريقيا.

روج لسحب ترشيحه قبل أن يتدخل رئيسه لنفي ذلك. روج لضعف حظوظه وأن الرئيس السابق موسى فاقي محمد سوف تمدد ولايته لعام إضافي. خلال الدور السادس، وبعد سقوط ترشيح الكيني ورايلا أودينغا، تم اللجوء في حينه لتعميم خبر إلغاء الدور السابع لأنه لن يحصل على 33 صوتا.

حسب ما عاينه "تيلكيل عربي" هناك على أرض الواقع، انتزاع جيبوتي لرئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي كان ألمه أشد من فرح الفوز بمنصب نائبته.

لغة المال.. ضد المغرب وليس لأجل القارة

تغيرت أشياء كثيرة في إفريقيا، أكيد، من بينها نزوح عدد من الدول نحو الاصطفاف لصالح المشاريع الجامعة، وليس المصالح الثنائية الضيقة التي تُحدَد تحركاتها وفق أجندات يغذيها الصراع واستغلال بؤر المواجهات المسلحة والحروب الأهلية وخطاطات تفتيت سيادة الشعوب.

لكن لا يزال شيء من حتى! كيف؟

خلال كلمته أمام القمة، ركز الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، على شيء واحد لا غير. وهو نفس الخطاب الذي تتحرك وفقه البعثة الجزائرية، وتنزله على أرض الواقع سرا وعلنا.

تبون قال إن الجزائر سوف تضخ مليون دولار في ميزانية الاتحاد الإفريقي. جميل أن تحمل دولة من القارة هم تمويل المنظمة التي تحتاج دائما إلى السيولة لتأمين دوران هياكلها ومؤسساتها.

هل توجه هذه التمويلات، فعلا، لأجل إفريقيا أو جزء منها؟

ليست المرة الأولى التي يعلن فيها الرئيس عبد المجيد تبون عن "دعم مالي موجه للاتحاد الإفريقي ودوله". إذ سبق أن أعلن خلال الدورة الـ36 للقمة الإفريقية عن "دعم" بقيمة مليار دولار.

من حق أي دولة التحرك دبلوماسيا بلغة المال والتنمية والاقتصاد، هذا ظاهر ما تقوم به الجزائر.

لكن كل التمويلات السابق إعلانها، تذهب مباشرة للوكالة الجزائرية للتعاون الدولي. يعني أن أموال البلد تعود إلى الحسابات البنكية لنفس البلد، مع منحها غطاء تنزيل إنفاقها ببعد إفريقي، وما يمكن أن يجد طريقه لحسابات أخرى، يكون أقل، مع الاحتفاظ بنفس الأهداف.

حتى التمويل الأخير المعلن والموجه للآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء، لم يخرج عن هذا التحكم المطلق في كل دولار تستثمره الجزائر لأجل مصالحها دون غيرها.

ماري انطوانيت روز كارتر، المديرة التنفيذية للأمانة القارية للآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء، المعنية بإعلان التمويل الأخير، التقت الرئيس تبون نهاية شهر نونبر من العام الماضي، ويؤكد من يشتغلون داخل مقر الاتحاد أنه طلبت منها ضمانات لتنزيل توجهات الجزائر دون غيرها ولصالح الدول التي لا تزال تدور في فلك أطروحاتها لا غير.

يتحدث حلفاء الجزائر داخل الاتحاد الإفريقي، قبل من لا يتقاسم معها نفس توجهاتها، عن أن كل دولار تصرفه في إفريقيا، له عنوان واحد الآن: "مواجهة المغرب ومحاربة كل من له صلة به، وإن كان في صالح القارة!"

كل ما تصرفه الجزائر داخل الاتحاد الإفريقي منذ عودة المملكة المغربية إلى المنظمة، تضاعف مئات المرات، في اتجاه واحد. ضد المغرب وليس لأجل القارة.

اختيار أخرباش.. هل أخطأ المغرب؟

فعلا، الجزائرية سلمى مليكة حدادي، نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، امرأة خبرت دهاليز المنظمة، وتعرف كل كبيرة وصغيرة عن أجهزتها، ولها علاقات قوية مع منظماتها الموازية وكل ما يدور في فلكها في صيغته الرسمية وغير الرسمية.

بكل هذا الإرث، احتاجت حدادي للوصول إلى الدور السابع والأخير من أجل الفوز بالمنصب. قبل هذا الدور، أي قبل نزول أخرباش من السباق.

بلغة الأرقام، وحتى الجولة السادسة، حصل المغرب على 22 صوتا، والجزائر 26 صوتا.

قبل سقوط ترشح المصرية حنان مرسي، حازت أخرباش 18 صوتا، في الدور الأول، وحازت المصرية 7 أصوات، ثم في الدور الثاني، ارتفع عدد أصوات المغرب إلى 24 صوتا، ونزلت أصوات مصر إلى صوتين فقط، وزادت أصوات الجزائر بصوت واحد، لتصعد من 23 إلى 24 صوتا.

وبعد سقوط ترشح مصر، أضافت الجزائر لرصيدها صوتين.

يعني أن المغرب استقطب من القاعدة الانتخابية لمصر أربعة أصوات والجزائر ثلاثة.

بلغة الدبلوماسية، هذا التحول في حينه، ليس سهلا.

هذا دون إسقاط أن المغرب دخل سباق الترشح محروما من أصوات ست دول تعلن دعمها له بشكل علني، هي: مالي والسودان والغابون وبوركينافاسو وغينيا والنيجر.

دول تم تجميد عضويتها داخل الاتحاد الإفريقي بسبب الأوضاع الداخلية التي تعيشها.

وإذا ما افترضنا حضورها، فإن أعداد الأصوات التي كان من الممكن الحصول عليها بعد الوصول إلى ما بعد خروج المصرية، هو 28 صوتا لصالح المغرب مقابل 26 للجزائر.

ومكان سيكون الوصول للدور السابع الحاسم لصالح المغرب وليس الجزائر.

لم يكن المشكل في من تم اختيارها للترشح باسم المغرب، بل في الشروط التي سبقت ورافقت الترشيح.

مع ذلك، لا يمكن إغفال أنه لا يجب التوقف عند لحظة العودة للاتحاد الإفريقي. لا يملك المغرب أي بروفايل امرأة يمكن أن تترشح مكان لطيفة أخرباش. لم يعمل على ذلك. ولم يضع ما يجعله يربح معركته الاستباقية.

وهنا، ننتقل للجواب عن سؤال: هل كان يمكن أن يكون أحسن مما كان؟

كيف؟

انتهى أحد فصول معارك المملكة المغربية داخل أروقة الاتحاد الإفريقي باستخلاص عدد من الدروس. بعضها يتسلل للخروج إلى العلن، وأخرى يتغلب الحرج على شجاعة البوح بالحقيقة وإن في جزء منها.

ما هو مؤكد، ولا يجب إغفاله، هو ضرورة إقناع بعض المسؤولين الدبلوماسيين على مستوى سفارات المملكة بأن مصالح البلاد لا تقاس بالنزوات البطولية الشخصية، ورفع شعار: "أنا بوحدي مضوي داخل وخارج البلاد".

نتحدث هنا عن وقائع كان "تيلكيل عربي" شاهدا عليها، في أديس أبابا على الأقل، حيث الدبلوماسية عند من يرأسها لا يجب أن تتجاوز حدود ما هو رسمي ومقرر من طرف السفارة دون غيرها.

الاتحاد الإفريقي، كما غيره من المؤسسات الدولية والإقليمية، ليس الأنشطة التي تنظم على مستوى حضور الدول في التظاهرات الكبرى التي تعرف تسليط الأضواء الكاشفة عليها.

ففي إفريقيا الامتحان السياسي والدبلوماسي أعقد وأشد وأكثر حاجة للاهتمام بأدق تفصيل ومساهمة وانخراط في الخروج بنتائج يطمح إليها كل من له دخل في المنظومة ككل بنكران للذات.

هناك عشرات الوقائع التي أضعفت وتضعف حضور المغرب سياسيا واقتصاديا وثقافيا ودبلوماسيا... داخل أروقة مقر الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا، لا حاجة اليوم على الأقل، للخوض فيه. لكن من يهمه ويهمهم الأمر يعرفونها جيدا.

هل يتجاوزون هذا الخلل الذي يقترفونه؟

ما هو مفترض الآن أن توقظهم نتائج محطة القمة الأخيرة من النوم في عسل اجتهاد واشتغال المركز لأجل فروعه...؟

تنزيل قناعات التوجيهات الملكية بمنح الريادة لإفريقيا وليس البحث عن تزعمها...؟

هذه القناعة، تحتاج أكثر من الحضور حين يكون الحدث رسميا فقط!

يحتاج البحث عن كل مبادرة يقوم بها عشرات المغاربة والمغربيات داخل أروقة الاتحاد الإفريقي دون أن ينتبه إليهم أحد، بل في كثير من الأحيان يتم تجاهلهم وحتى عرقلتهم.

الدبلوماسية الموازية ليست من الكماليات هي كذلك، واقع، لا يجب تجاهله. يعرف ذلك جيدا من يشتغلون داخل أسوار الهيئات والمؤسسات الدولية والإقليمية، الذين واللواتي يقترفون ويقترفن السياسات الدولية دون الحاجة لقمع الاجتهاد.

أخيرا، يجب أن تفكر الخطوط الملكية المغربية بشكل عاجل في إطلاق خط مباشر بين المغرب وإثيوبيا. باستثناء الرحلات الخاصة، السفر إلى أديس أبابا عبر مصر أو تركيا يعد قطعة من الجحيم، لا يعيد خوضها غير الذين يمسكون على الجمر بقناعة مفرطة.