بقلم: المهدي الزوات – محامٍ بهيئة الدار البيضاء
" في دولة الحق والقانون، لا ينبغي أن يكون تصوير الناس فعلاً عبثياً أو متروكاً لتقدير الأفراد، بل يجب أن يكون مؤطراً بقواعد دقيقة، واضحة، ومُحترمة من الجميع".
في الآونة الأخيرة، أصبحت كاميرات المراقبة مشهداً مألوفاً في حياتنا اليومية. نجدها منتشرة في المحلات التجارية، المقاهي، العمارات السكنية، المكاتب، بل وحتى على أبواب بعض الشقق. هذا الانتشار السريع غالبًا ما يُبرَّر بالبحث عن الأمن، لكنه يتم في ظل غياب إطار قانوني مُنظم ورقابة فعالة.
ما يغيب عن أذهان الكثيرين، هو أن تصوير الأشخاص في الفضاءات الخاصة أو حتى عند مداخل المحلات والسكن، يُعد معالجةً للمعطيات ذات الطابع الشخصي، وفقًا لما ينص عليه القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية. هذا القانون يُلزم أي شخص طبيعي أو اعتباري يرغب في تركيب كاميرات مراقبة، بأن يُصرّح بذلك لدى اللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، ويحصل على ترخيص مسبق للقيام بذلك.
لكن في الواقع، لا أحد تقريباً يلتزم بهذا الإجراء. فحتى القانون الجنائي لا يتضمن عقوبات واضحة في حال عدم التصريح، مما يجعل هذا الالتزام القانوني شكلياً أكثر منه إلزامياً في غياب مفهوم الردع القانوني للمخالف. والنتيجة؟ أن أي شخص يمكنه تركيب كاميرات أمام منزله أو محله التجاري، حتى لو كانت تُصوّر جيرانه، أو زبائنه أو المارة أو واجهات منازلهم، دون أن يخشى متابعة أو مساءلة أو عقاب.
هذا الفراغ التشريعي يفتح الباب أمام ممارسات خطيرة تمس الحياة الخاصة للمواطنين، حيث يتم تصويرهم دون علمهم، وفي أحيان كثيرة داخل فضاءاتهم الخاصة. والأسوأ من ذلك، أنه لا توجد وسيلة قانونية واضحة لإجبار من قام بالتركيب على إزالة الكاميرا أو تعديل زاويتها.
وقد جاء البيان الصادر عن اللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي بتاريخ 21 مارس 2025 ليُسلط الضوء على هذه الإشكالية. فقد أشار إلى المخاطر المرتبطة باستخدام المراقبة بالفيديو، خاصة مع تطور تقنيات التعرف على الوجه la reconnaissance faciale، ودعا إلى نقاش عمومي هادئ ومسؤول يُراعي مبادئ الدستور، وعلى رأسها احترام الحق في الخصوصية.
لكن التصريحات وحدها لا تكفي. نحن بحاجة إلى تدخل تشريعي عاجل يُحدّد بدقة شروط استعمال كاميرات المراقبة، ويُقرّ عقوبات واضحة على من لا يحترم هذه الشروط. كما يجب منح اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية صلاحيات فعلية للمراقبة والزجر، مع ضرورة التنصيص على جريمة خاصة في القانون الجنائي تتعلق بتركيب الكاميرات غير القانونية.
إن الحق في الخصوصية، كما هو مضمون في الفصل 24 من دستور المملكة، لا ينبغي أن يظل مجرد مبدأ نظري. بل يجب أن يُترجم إلى إجراءات عملية، من خلال ترسانة قانونية واضحة، تُلزم الجميع وتحمي الأفراد من أي تطفل أو مراقبة غير مشروعة.
المسألة لا تتعلق برفض المراقبة أو الاستخفاف بالحاجة إلى الأمن، وإنما بالتأكيد على أن الأمن لا يمكن أن يتحقق على حساب الحقوق الدستورية للمواطنين. فحين تغيب القواعد، يُفتح الباب أمام الفوضى، وأحياناً أمام تجاوزات خطيرة تمس كرامة الإنسان وحقه في الحياة.
في دولة الحق والقانون، لا ينبغي أن يكون تصوير الناس فعلاً عبثياً أو متروكاً لتقدير الأفراد، بل يجب أن يكون مؤطراً بقواعد دقيقة، واضحة، ومُحترمة من الجميع.