كرنفال حكومي

تيل كيل عربي

إيمان الرازي - أستاذة محاضرة بجامعة محمد الخامس وكاتبة رأي.

في صورة هي أقرب إلى استعراض سياسي خارج توقيته، نزلت السيدة كاتبة الدولة للصيد البحري إلى سوق الهراويين، بقلب المغرب الاقتصادي النابض، بالبيضاء تسأل عن الأسعار كأنها تكتشف ولأول مرة أن الاحتكار يبتلع الأسواق في بطنه، وأن المضاربات أصبحت الهواية اليومية المفضلة لأباطرة اقتصاد الريع.

كاتبة الدولة، السيدة زكية الدريوش، الوصية على قطاع الصيد البحري، التي لها يد طولى على كل التقارير الرسمية والأرقام الدقيقة من مكتبها الفخم والمكيف بالعاصمة الرباط، قررت دون سابق إنذار، أن تنزل من عليائها و "تتحقق بنفسها". ربما يكون كل هذا مجرد فايك نيوز/ خبر زائف من يدري؟ كل شيء وارد.

هذه الزيارة الحكومية هي خطوة متهورة في هذا السياق المشحون والمفتوح على أكثر من سيناريو، بل يكاد يكون شعبوية بئيسة تهدف إلى إقناعنا بأن الحكومة "تتفقد" آلام المغاربة بدل أن تضرب بيد من حديد على رؤوس تجار الأزمات وجيوب لوبيات التحكم.

لقد أضاف هذا التجوال وسط الباعة الغاضبين طبقة سميكة من السخرية إلى جروح المواطنين الذين أصبحوا يتعاملون مع هذه الزيارات وكأنها فصل آخر من كوميديا سياسية لا نهاية لها، منتجها بئيس وطاقمها الفني والتشخيصي وحبكتها اللا درامية أشد منه بؤسا وعبثا.

لكن لنكن صريحين: منذ متى كان النزول إلى الأسواق يحل الأزمات؟ هل تحولت كتابة الدولة إلى لجنة لمراقبة الأسعار؟ هل سيشهد المغاربة انخفاضًا سحريًا في الأسعار لأن الوزيرة سألت بائع السمك عن ثمن البيع؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد محاولة لشراء الوقت في انتظار أن ينسى الناس غضبهم كما اعتادوا؟

يبدو أن الرهان على صبر المغاربة وتحملهم وتجلدهم لن ينفع بعد الآن، وصل السكين العظم على رأي المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني.

إن المشكلة ليست أبدا في "شناقة" صغار يلهثون وراء هامش ربحهم البسيط، بل في شبكة احتكارية منظمة من كبار "الشناقة" الغارقين في وحل تضارب المصالح، سيرا على هدي كبيرهم الذي علمهم "تشناقت" وفق نهج "أغراس أغراس" وعلى عينك أ ابن عدي…

إنهم يريدون خلق دولة داخل بنية الدولة، مستعملين أداة اسمها الحكومة التي لا يفقهون في صلاحياتها ولا أدوارها كسلطة تنفيذية تسهر على تطبيق البرنامج الحكومي الذي تم التصويت عليه من داخل البرلمان.

إن زيارة من هذا النوع، وفي هذا التوقيت بالذات من شأنها أن تصب الزيت على نار تكاد تشتعل في الهشيم، ما يجعلنا نطرح سؤالاً من قبيل: كيف للسيدة كاتبة الدولة أن تترك كل تلك القنوات التي تمكنها من المعلومة وتنزل إلى سوق الجملة للسمك الهراويين في خطوة كرنفالية قد تزيد الوضع سوءا أكثر مما هو عليه؟!
إن محاربة الاحتكار والضرب بيد من حديد على الشناقة لا يتحققان أبدا بمجرد نزول استعراضي مدجج، بل يحتاج الحسم الجذري والشامل مع كل مظاهر الاحتكار المتحكم في رقاب المغاربة الذي يرهنهم في خانة اللا استقرار وغبش الأفق.

واصل أيها التغول المحترم مشروعك في صناعة الاحتقان!

ادفع المواطنين أيها التغول المحترم إلى التفكير ألف مرة قبل التجرؤ على شراء كيلوغرام من السمك!

لا تترد أيها التغول المحترم في رمينا جميعا إلى "الزوبية" التي ستحرقنا جميعا.