من المنتظر أن يصادق مجلس المستشارين، اليوم الجمعة 2 غشت، على مشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين، ليسدل بذلك الستار على مشروع أثار جدلا واسعا على الساحة السياسية والأكاديمية في المغرب. "تيلكيل عربي" يعيد تركيب أهم المحطات التي مر منها مشروع القانون، وأبرز النقاشات التي واكبته.
في البدء كانت الرؤية
مطلب اعتماد قانون إطار لمنظومة التربية والتكوين يكون ملزما لكافة الفاعلين كان مطلبا تقليديا لكل المهتمين بالمنظومة التربوية، خاصة بعد فشل تنزيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين.
في سنة 2014، سيعين الملك محمد السادس مستشاره عمر عزيمان رئيسا للمجلس الأعلى للتربية والتكوين رئيسا للمجلس ويكلفه بإعداد خارطة طريق كفيلة بإصلاح المدرسة المغربية.
وبناء على ذلك، انكب المجلس الأعلى للتربية والتكوين على إعداد رؤية لإصلاح منظومة التربية والتكوين سماها "الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015_2030، اختار لها شعار "من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء".
في 20 ماي 2015، قدم عمر عزيمان، رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين مشروع الرؤية الاستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية للملك في حفل حضره رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، الذي كلفه الملك بتحويلها إلى مشروع قانون.
متاهات السياسة
انكب عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق على إعداد أول مشروع قانون إطار يتعلق بمنظومة التربية والتكوين، حيث كلف مستشاره السابق خالد الصمدي بمهمة التنسيق والتشاور مع باقي الفاعلين.
وقد صرح بنكيران، أنه سعى لإخراج مشروع القانون إلى حيز الوجود في عهده، إلى أن "جهات"، لم يذكرها بالاسم، طلبت منه عدم التسرع.
ويبدو أن موقف عبد الإله بنكيران الرافض لتدريس المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية بدل العربية قد كان من الأسباب التي جعلت " تلك الجهات" تطلب منه عدم التسرع في إخراج القانون، إذ صرح بنكيران أنه رفض التناوب اللغوي، الذي اقترحه المستشار الملكي عمر عزيمان، قبل أن يقبله على مضض.
ظل مشروع القانون الإطار مجرد مسودة في رفوف رئاسة الحكومة، كما أن تزامن ذلك مع انتخابات 7 أكتوبر 2016 وما واكبها من تجاذبات سياسية لم يسمح بأن يرى المشروع النور في ذلك الوقت.
ولم يخرج مشروع القانون إلى حيز الوجود إلا في يناير من العام 2018 في عهد الحكومة الحالية، حيث قدمه محمد الأعرج، الذي تولى مهمة وزير التربية الوطنية بالنيابة، بعد إعفاء الملك محمد السادس لمحمد حصاد.
جدل الفرنسة والمجانية
بعد مصادقة المجلس الحكومي على مشروع القانون الإطار، احتدم النقاش السياسي والأكاديمي حول نقطتين أساسيتين تتعلقان بالهندسة اللغوية ومجانية التعليم.
والملاحظ أن النسخة التي صادق عليها المجلس الحكومي كانت تنص على تدريس بعض مضامين ومجزوءات المواد العلمية والتقنية بلغة أجنبية، قبل أن يتم تعديلها في المجلس الوزاري، الذي انعقد تحت رئاسة الملك محمد السادس في 20 غشت 2018 ويتم التنصيص على "تدريس المواد العلمية والتقنية بأكملها بلغة أو بلغات أجنبية".
أما بخصوص مجانية التعليم، فقد نص مشروع القانون على مساهمة الأسر الميسورة في تمويل منظومة التربية والتكوين، وهو ما أثار جدلا حول معايير تحديد هذه الأسر، كما اعتبرها البعض ضربا لمجانية التعليم.
ورغم أن مشروع القانون أحيل على مجلس النواب في 5 شتنبر من 2018 إلا أن النقاش، الذي احتدم حول لغات التدريس والمجانية كان سببا في تعثره، قبل أن يتم الاتفاق على حذف المادة 48 من مشروع القانون التي تنص على مساهمة الأسر الميسورة في تمويل التعليم وإلزام الدولة بتعبئة موارد التمويل وتنويع مصادره من خلال مساهمة الجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية والقطاع الخاص.
وإذا كانت الفرق النيابية قد اتفقت على الإبقاء على مجانية التعليم، فإن لغات التدريس أدت إلى انقسام في صفوف الفرق النيابية، حيث ظل يعارضها حزب العدالة والتنمية والاستقلال، قبل أن يقرر الفريق النيابي للعدالة والتنمية الامتناع عن التصويت على المادتين المتعلقتين بالتناوب اللغوي، والتصويت بالايجاب للمشروع برمته، فيما امتنع الفريق الاستقلالي عن التصويت للمشروع برمته، مما مكن مجلس النواب من تمريره في جلسة عامة في 22 يوليوز المنصرم.
وحصل مشروع القانون على موافقة 241 نائبا ومعارضة 4 نواب، هم نائبا فدرالية اليسار، ونائبان من حزب العدالة والتنمية وامتناع 21 نائبا من حزب الاستقلال.
الزامية التعليم
في هذا الصدد، حسم المشروع الجدل حول إجبارية التعليم بالنسبة للأطفال البالغين سن التمدرس. و يبدأ، بحسب مشروع القانون من أربع سنوات إلى تمام 16 سنة.
كما نص المشروع على أن إلزامية التعليم تقع على عاتق الدولة والأسرة أو أي شخص مسؤول عن رعاية الطفل قانونا، ملزما الدولة بتحقيق هذا الهدف داخل أجل لا يتعدى ست سنوات.
إعادة تنظيم التعليم
ومن بين المستجدات التي جاء بها مشروع القانون إعادة تنظيم التعليم المدرسي، ويشمل التعليم المدرسي التعليم الأولي، والتعليم الابتدائي والتعليم الإعدادي، والتعليم الثانوي التأهيلي.
وبموجب القانون الجديد، سيتم إرساء التعليم الأولي وفتحه في وجه جميع الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين أربع وست سنوات ودمجه تدريجيا في التعليم الابتدائي في أجل أقصاه 3 سنوات، ويشكلان معا "سلك التعليم الابتدائي"، كما سيتم ربط التعليم الابتدائي بالتعليم الإعدادي في إطار سلك التعليم الإلزامي.
وبخصوص التكوين المهني، نص المشروع على إرساء روابط بين التعليم المدرسي والتكوين المهني ودمجهما في تنظيم بداغوجي منسجم من خلال إحداث مسار للتعليم المهني يبتدئ من التعليم الإعدادي، وتعزيز سلك التعليم الثانوي التأهيلي بتنويع مسالكه والإعداد للتوجه نحو متابعة الدراسة بالتعليم العالي أو بالتكوينات المهنية التأهيلية والتعلم مدى الحياة.
إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة
نص مشروع القانون على ضرورة تعبئة جميع الوسائل المتاحة، واتخاذ التدابير اللازمة لتيسير اندماج الأشخاص في وضعية إعاقة أو في وضعية خاصة في منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، وتمكينهم من الحق في التعلم واكتساب المهارات والكفايات الملائمة لوضعيتهم.
وألزم القانون الحكومة بوضع مخطط وطني متكامل خلال أجل ثلاث سنوات للتربية الدامجة للأشخاص في وضعية اعاقة أو في وضعية خاصة.