بعد قرابة عام على القرار المشترك بين الجزائر وإيران بإلغاء التأشيرات الدبلوماسية، يأتي الدور على تونس التي فتحت دخول ترابها، بشكل كامل، أمام الإيرانيين، بدون الحاجة إلى الحصول على "الفيزا".
قرار ليس منفصلا عن حزمة من التحركات التي يتم فيها التنسيق بين الجزائر وتونس، وقودها نسج علاقات دولية وفق شرط العداء لجارها، ووسائلها وضع مجموعة من المؤسسات في مرمى القصف، وفق هدف واحد، هو مرحليا، محاولة إلحاق أضرار وشقوق صغيرة تطال الحصون التي شيدها المغرب سياسيا، ودبلوماسيا، واقتصاديا.
هذه المناورات التي ارتفع إيقاعها، مؤخرا، تركز، بالأساس، على المنطقة المتوسطية، بكل ما يمثلها من مؤسسات ومنظمات، وكذا استغلال التحولات في منطقة دول إفريقيا جنوب الصحراء، واستدعاء دعم الفاعلين الجدد فيها، وفق نهج "التأثير الهادئ" على المدى المتوسط.
مبادرة الأطلسي وتحدي المتوسط
"سوف نقاطع أي تظاهرة أو لقاء أو مؤتمر أو اجتماع يهم مؤسسات ومنظمات دول منطقة البحر الأبيض المتوسط، إذا ما نظمت في المغرب"، هذا ما روج له ممثلو القطاع الخاص من تونس، مؤخرا، في إسبانيا، مستغلين تواجدهم، بصفة غير رسمية، في عدد من الأنشطة، ومجالستهم لمسؤولين في كواليس التحضير لمحطات مقبلة، من المنتظر أن تستضيفها المملكة المغربية.
وفي هذا السياق، قال مصدر جيد الاطلاع على الملف، التقاه "تيلكيل عربي" بإسبانيا، بداية الشهر الجاري: "نتابع، اليوم، حملة عدائية من قبل الدول المجاورة؛ الجزائر وتونس، مع العلم أن الأولى، منذ فترة طويلة، واضحة في هذا، ولكن من المفاجئ أن تونس تظهر، الآن، سلوكيات واضحة ضد المغرب، وشرع ممثلون عنها، على المستويين الرسمي وغير الرسمي، في إعلان العداء، صراحة، ضد المملكة".
وأوضح المصدر ذاته: "عندما نعلم أن القطاعات الخاصة، بالإضافة إلى القطاع العام، يقاطعون أو يرفضون المشاركة في أي حدث، سواء كان وطنيا أو دوليا، إذا تم تنظيمه من قبل المغرب، أو بواسطة منظمة دولية فيه، فنحن أمام تحول يؤكد أن هناك تنسيقا قويا بين الجزائر وتونس في هذا الاتجاه".
وبالنظر إلى معطيات ووقائع جمعها "تيلكيل عربي"، في حديثه مع مصادر متعددة، فإن "كل المؤشرات تحيل على أن المبادرة الملكية من أجل الأطلسي أزعجت الجزائر، كما اعتبرتها تونس، التي تعد واجهتها البحرية أصغر، مقارنة بباقي الدول المغاربية، مصدر إزعاج لمصالحها ذات العلاقة بالامتداد الإفريقي".
وفي المقابل، اعتبر الكاتب والمهتم بالشؤون المغاربية، طالع سعود الأطلسي، في تصريح لموقع "تيلكيل عربي"، أن "تحركات الجزائر وتونس لا تتجاوز كونها شغبا بدون تأثير أو نتائج في الواقع".
وقال المتحدث ذاته: "أعتقد أنه لا يمكن الربط بين تحركات الجزائر وتونس ضد المغرب على مستوى منطقة المتوسط، وبين المبادرة الملكية من أجل الأطلسي؛ لأن الأخيرة، وقبل دخولها حيز التنفيذ، بدأت تستقطب مستثمرين أجانب يبحثون عن الاستفادة منها عبر المغرب، وتحديدا أقاليمه الجنوبية، ونذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر؛ فرنسا".
كما قلل الكاتب المغربي من "أهمية الاتحاد من أجل المتوسط"، الذي يوجد مقره بمدينة برشلونة الإسبانية، موضحا في هذا الصدد: "الاتحاد لم يعد أولوية عند مجموعة من الدول، بالنظر إلى التحولات السياسية التي تعرفها أوروبا، وتغيير نظرة قادتها للتكتلات".
وشدد على أن "الدول أصبحت تتعامل مع المنطقة المغاربية بمنطق الربح السياسي والاقتصادي. لذلك، حليفها القوي، اليوم، هو المغرب. ونحن، نتابع تطور مواقف عدد من الدول؛ مثل إسبانيا، وفرنسا، وألمانيا، وحتى إيطاليا، في ما يخص الوحدة الترابية للمملكة، وأيضا، تزحزح الموقف البريطاني لصالح المغرب"، قبل أن يستدرك بالقول: "هذا لا يمنع من ضرورة مواصلة المغرب لتركيزه على الحفاظ على كل مواقعه المتقدمة وتقويتها".
وختم الكاتب والمهتم بالشؤون المغاربية تصريحه لموقع "تيلكيل عربي" بالتذكير بأن "كل مواقف تونس غير نابعة من إرادتها السياسية، بل نتاج تبعية للجزائر، يتحكم فيها التهديد والمساومة بالأمن وضمان بعض من السلم الاجتماعي، عبر مساعدات اقتصادية".
ما هي الأولوية؟
"هذه الفترة هي فترة تغيير الرئاسات، سواء على مستوى جمعية غرف التجارة والصناعة للبحر الأبيض المتوسط (ASCAME)، وكذلك الاتحاد من أجل المتوسط (UPM)"، يقول مصدر لموقع "تيلكيل عربي"، يشتغل مستشارا لدى مجموعة من المنظمات على مستوى التكتلات الإفريقية والأوروبية.
وأضاف المتحدث نفسه: "نحن نتحدث عن منظمتين؛ الأولى تدير الجانب الاقتصادي، فيما تدير الثانية الجانب السياسي للبحر الأبيض المتوسط. واليوم، نشهد حركات وردود أفعال، وأيضا، إجراءات، من قبل الجزائر وتونس، للسيطرة على هذه المنظمات، أو على الأقل، فرملة مصالح المغرب داخلها".
وتابع: "هنا، نرى أن دول جنوب البحر الأبيض المتوسط؛ مثل المغرب، وتونس، والجزائر، وليبيا، ومصر، بالإضافة إلى الأردن، ولبنان، وفلسطين، ليسوا على كلمة واحدة، رغم بعض المشترك الذي يجمعها. لذلك، قد تكون التحولات القادمة تعاكس مصالح المغرب".
وكشف مصدر "تيلكيل عربي" أن "معركة الكواليس داخل مؤسسات ومنظمات المتوسط تنقل لنا أن لبنان وفلسطين لديهما الكثير من المشاكل. أما ليبيا، فمازالت تبحث عن نفسها. الآن، يبقى الاستقطاب ما بين الأردن ومصر، ولكل منهما موقفه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الثانية التي ترأس، اليوم، "ASCAME"، تتخذ مواقفها وفق تأرجح موازين القوى، وليس وفق مبدأ الدعم المطلق لأي طرف".
انتخابات "ASCAME"
ومن المنتظر، في شهر أكتوبر القادم، أن يترك المصري أحمد الوكيل كرسي رئاسة جمعية غرف التجارة والصناعة للبحر الأبيض المتوسط. وللإشارة، فإن الوكيل يتقلد، أيضا، منصبي رئيس اتحاد الغرف الإفريقية للتجارة والزراعة والصناعة والمهن، وأمين مال اتحاد الغرف العربية.
فهل المغرب مهتم بالرئاسة؟ وهل الجمعية مهمة إلى الحد الذي يفرض ضبط إيقاعات سباق رئاستها، بشكل مسبق؟
حسب المعطيات التي حصل عليها "تيلكيل عربي"، بعد ما رفعت الإجراءات الاحترازية التي فرضت أيام جائحة "كورونا"، تردد الرئيس الحالي لجمعية غرف التجارة والصناعة للبحر الأبيض المتوسط، أكثر من مرة، على برشلونة، وعدد من عواصم الدول الأعضاء، من أجل تمديد ولايته.
وكان له ذلك، بمبرر أن "الجائحة حرمته من تنزيل برنامجه كاملا".
وبهذا الخصوص، أوضح مصدر من الجمعية، في حديث لموقع "تيلكيل عربي"، أن "طلب الوكيل تمديد ولايته، كان بتوجيه مباشر من الرئاسة المصرية".
وفسر المصدر ذاته ذلك بأن "المسؤولية داخل الجمعية توفر امتيازات مهمة جدا، على المستوى الاقتصادي، وتوفر قنوات اتصال مباشرة مع صناع القرار والمستثمرين. لأجل ذلك، وبالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها مصر، منذ سنوات، رفضت أن تترك الرئاسة دون الاستفادة من موقعها إلى أبعد نقطة".
وحسب ما هو متوفر من معطيات بحث عنها "تيلكيل عربي"، وتحقق منها لدى أكثر من مصدر، فإن المغرب مهتم برئاسة "ASCAME"، خلال الولاية القادمة.
لكن المعطيات ذاتها تشير إلى أن "حلفاء المغرب داخل الجمعية، خاصة من دول أوروبا، متخوفون من الاسم الذي تم اقتراحه، قبل أشهر؛ لأنه لن يستطيع مواجهة المرشح اليوناني".
وبالعودة إلى سؤال أهمية رئاسة الجمعية، يجيب مصدر "تيلكيل عربي"، الذي يشتغل مستشارا لدى مجموعة من المنظمات على مستوى التكتلات الإفريقية والأوروبية، بالقول: "دول الخليج التي ليست عضوا في الاتحاد، حولت اهتمامها اتجاهه، خلال السنوات الأخيرة، وأبلغت أعضاء "ASCAME"، عبر مصر، باهتمامها البالغ لضخ استثمارات ضخمة".
وأوضح: "والدليل على ذلك أن السعودية حضرت بثقل كبير، خلال آخر نشاط للجمعية في إسبانيا، ممثلة بثلاث شركات كبرى، كل واحدة منها جلبت أكثر من 20 مسؤولا لديها، بالإضافة إلى أكاديمية للتكوين، بحثت من خلالها المملكة عن استقطاب تظاهرات كبرى للجمعية فوق أراضيها، تستهدف بالدرجة الأولى الشركات الناشئة في قطاعات التكنولوجيا، والطاقة، والذكاء الاصطناعي، وأيضا الصناعات الغذائية".
لماذا مقدمة إيران وتأشيرات الجزائر وتونس؟
من حق من سيقرأ هذا التحقيق، وهو يبحر عبر فرضياته وعناوينه الفرعية ومعطياته، أن يتساءل: هل كان من الضروري اختيار نقطة انطلاقه موضوع التأشيرات؟
الجواب هو: نعم.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، ومن بين ما تم ذكره هنا، مصر التي تعد عنصرا رئيسيا وأساسيا، بل فاعلا يفرض نفسه، خاصة على المستوى الدبلوماسي بكل تفرعاته، وجب العودة إلى تجربة ما نهجته المؤسسة العسكرية في أرض الكنانة، بالتعاون مع المخابرات العامة وجهاز الأمن الحربي والأمن الوطني، عندما قرر "الإخوان المسلمون" فتح كل المنافذ أمام إيران تحت غطاء السياحة.
والاطلاع على عدد من التقارير والشهادات البعيدة عن تأثير من يحكم مصر اليوم، والتي ورغم اختلافها معهم، تؤكد أن "اللجوء إلى فتح كل شيء أمام إيران يحيل على شيء واحد؛ وهو تقوية حضور مسلح مواز، بالنظر إلى خبرة دولة المرشد الأعلى في هذا المجال. حضور يستهدف أي وجود مؤسساتي، خاصة على مستويات الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي".
وهنا يحق طرح مجموعة من الأسئلة؛ وهي:
ضد من تتم تقوية العلاقات مع دولة تعيش على وقع عقوبات اقتصادية قاسية؟
ماذا يمكن أن تقدم إيران لتونس، وقبلها الجزائر، غير خبرة عسكرية لصالح مجموعات مسلحة؟
كيف ستستفيد دولة المرشد الأعلى من إفريقيا، التي تعيش دول جنوب صحرائها وغيرها على وقع الاضطرابات المسلحة؟
أخيرا: لماذا اختارت تونس طارق بن السالم، الذي يبلغ من العمر 64 سنة، كاتبا عاما جديدا لاتحاد المغرب العربي؟
مع الأخذ بعين الاعتبار أن بن السالم كان، قبل ذلك، سفيرا فوق العادة لتونس لدى روسيا، وهو أرفع منصب دبلوماسي يمكن صاحبه من صلاحيات استثنائية، واطلاع، بدون قيود، على كافة الملفات الإستراتيجية.