يدخل التحالف الذي أسس له عبد الإله بن كيران ومحمد نبيل بن عبد الله، بين حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، منعطفاً عصيباً وحاسماً، والحدث هو المواجهة المباشرة التي وقعت على ترؤس لجنة مراقبة المالية العامة، والتي آلت نتائج انتخابها عددياً لصالح مرشح فريق "البيجيدي" على حساب مرشح فريق الـPPS، وفشل اللجوء إلى التوافق بين حزبين كانا يعزفان، إلى وقت قريب، على النغمة ذاتها داخل الأغلبية الحكومية.
هل يتجه تحالف "الإخوان" و"الرفاق" نحو التفكك؟ سؤال يجيب عنه مصدر قيادي موثوق من المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، ويكشف كواليس ما وقع بخصوص انتخاب رئيس لجنة مراقبة المالية العامة، والتي آلت لحزب العدالة والتنمية بـ107 صوتاً مقابل 83 صوتاً لحزب PPS الذي رشح البرلماني رشيد الحموني.
المصدر ذاته، وفي حديث لـ"تيل كيل عربي" معه أمس الخميس، أطلع الموقع على تفاصيل فحوى مكالمة هاتفية، تمت قرابة ساعة قبل الدخول إلى التصويت على هيكلة مجلس النواب (يوم الاثنين 22 أبريل الماضي)، بمبادرة من رئيس الحكومة، جمعت بين هذا الأخير والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بن عبد الله، "مضمونها كان سيكون مختلفاً عن ما دار بين قيادة الحزبين لو كان بنكيران الأمين العام للبيجيدي"، حسب ما جاء على لسان مصدر "تيل كيل عربي". لكن ماذا وقع ليكون تقييمها من طرف "الرفاق" بهذا الشكل؟
كما يتطرق عضو المكتب لحزب الكتاب، للدور الذي لعبته باقي مكونات الحكومة في حسم من ستؤول إليه رئاسة اللجنة، وكيف كان موقف قيادات "الاتحاد" و"الأحرار" و"الحركة الشعبية" من ما اعتبره "الالتزام باحترام تغيير القانون الداخلي لمجلس النواب".
"اتفاق" مسبق
خلال انعقاد اجتماع مكتبها السياسي يوم الثلاثاء الماضي، تداولت قيادة التقدم والاشتراكية في نتيجة التصويت لصالح نائبهم البرلماني لرئاسة لجنة مراقبة المالية العامة، اجتماع شددوا فيه، حسب القيادي من المكتب السياسي لـPPS، على أن "رد فعل حزبهم وحديثه عن انقلاب عليه في الموقف بخصوص هيكلة مجلس النواب، مرده عدم احترام تغيير القانون الداخلي لمجلس النواب، وذلك بحذف عبارة (رئاسة اللجن يجب أن تعود للفرق البرلمانية) لتصبح (رئاسة اللجن تعود بالنسبية للمجموعات الممثلة للبرلمان)، ما يعني أن حزب التقدم والاشتراكية له الحق في رئاسة اللجنة التي طالب بها".
وعن الخلاف الذي وقع بسبب تشبث العدالة والتنمية برئاسة مراقبة المالية العامة، وهو الذي يعتبر "حليفاً" للتقدم والاشتراكية، أوضح مصدر "تيل كيل عربي" أن "جميع الأطراف لم تلتزم بالاتفاق الذي تم منذ مدة، بما فيها رئيس مجلس النواب الحبيب المالكي".
في هذا السياق، يشرح القيادي في PPS ما وقع بالقول: "تحدثنا منذ مدة في التحالف عن منح التقدم والاشتراكية رئاسة إحدى اللجن البرلمانية، والكل التزم بضرورة تنزيل هذه الخطوة على أرض الواقع، وطلب منا تأجيل حسم الأمر إلى لحظة الانتخاب في أبريل، لكن أطرافاً تدخلت لغرض في نفس يعقوب ودفعت بالانقلاب على الالتزام. قاموا بعملية حسابية خلصوا من خلالها إلى أن المواجهة سوف تكون في الأخير بيننا وبين البيجيدي وذلك ما وقع".
وتابع المصدر ذاته، بأنه "جاء موعد الانتخابات، وأصبح هناك كلام آخر، رغم أن رئيس مجلس النواب كان مطالباً بأن يتدخل ويؤجل موعد التوصيت إلى وقت آخر"، ليتساءل: "لماذا نتفق معهم على تأجيل مرور مجموعة من الأمور، مثلا قانون التعليم إلى أن يحدث توافق ولا يقومون بنفس الشيء في هذه الحالة؟! ولماذا لم تدفع كل الأطراف باحترام القانون الداخلي لمجلس النواب؟".
اتصال العثماني ببن عبد الله
في السابق، كانت تدار الخلافات التي تطرأ بين العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، خلال التأسيس للتحالف بينها في عهد عبد الإله بن كيران، بالتواصل المباشر بين الأخير ونبيل بن عبد الله، يقول مصدر "تيل كيل عربي".
ليعيد الموقع طرح سؤال حول دور فريق العدالة والتنمية وقيادة حزبه في ما وقع خلال التصويت على ترأس اللجنة، وكان جواب عضو المكتب السياسي لـPPS أن "فريق البيجيدي حصل على رئاسة ثلاثة لجن وكان يجب أن يتخلى عن اللجنة المذكورة لصالح التقدم والاشتراكية. لماذا رفض التخلي؟ هذا موضوع آخر، لكن أكدنا خلال اجتماع مكتبنا السياسي أنه لو كنا في فترة قيادة عبد الإله بنكيران للعدالة والتنمية، كنا سوف نتصل به مباشرة ونحسم الأمر، وهذا الخيار لم يعد متاحاً اليوم، لذلك تركنا تدبير الملف للمجموعة النيابية ورئيستها".
وعلاقة بموقف قيادة العدالة والتنمية وأمينها العام سعد الدين العثماني من هذه التطورات، وهل كان هناك تواصل بين الطرفين، أطلع المصدر القيادي الموثوق "تيل كيل عربي" على تفاصيل اتصال للعثماني بنبيل بن عبد الله، ساعة قبل موعد التصويت على رؤساء اللجن البرلمانية، ودار فيها حسب ما ورد على لسانه الحديث التالي:
"اتصل العثماني قبل التصويت بساعة بالأمين العام، وبدأ يسأل: عن ما يقع؟ أجابه نبيل بن عبد الله: الناس انقلبت على التزاماتها، كلهم، بمن فيهم رئيس مجلس النواب، وتابع: الآن يصعب أن نتراجع. ليخبر العثماني بن عبد الله أن هذه الأمور يجب أن تطرح من قبل. ليقول الثاني للأول: ماذا سوف نطرح؟ هناك التزام منذ مدة بمنح رئاسة لجنة للتقدم والاشتراكية. ليرد العثماني مرة أخرى، على بن عبد الله، بأن الأمانة العامة لحزبه اجتمعت وقررت تقديم مرشح لرئاسة اللجنة. فأجابه الأمين العام: اسمع آ السي سعد الدين إذا كانت الأمانة العامة عندكم اجتمعت وقررت فإن المكتب السياسي عندنا بدوره اجتمع وحسم بأنه لن نتارجع عن الترشيح".
مصدر "تيل كيل عربي" أوضح أن المكتب السياسي لـPPS والأمين العام، اعتبروا أن الغاية من اتصال سعد الدين العثماني "لم يكن بغرض البحث عن حل أو مخرج، بل دفع الحزب لسحب ترشيحه، ولا يمكن أن نقبل بأن يتخذ قرار باسمنا في أي مكان آخر خارج أجهزة الحزب".
"تحالف داخل التحالف"!
"هناك تحالف داخل التحالف الحكومي"، هكذا لخص مصدر "تيل كيل عربي" ما وقع ويقع منذ مدة، من وجهة نظره. وأضاف: "الأمين العام للحزب قال، خلال اجتماع المكتب السياسي الأخير، نحن مستمرون في هذه الحكومة لكن دون إغلاق سجل الحسنات والسيئات، ويظهر أن سجل الأخيرة بدأ يثقل".
وتابع المصدر ذاته أن هناك "قناعة داخل التقدم والاشتراكية بأن الأطراف الأخرى لا تكنّ لنا خيراً، خاصة التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي، لكن نخبرهم بأننا لن نكون لا ظلاً لحزب العدالة والتنمية ولا تابعين للطرف الذي يقوده عزيز أخنوش".
لكن أين يلمس حزب "الكتاب" أن الأطراف الأخرى "لا تريد به خيراً"؟، ويجيب القيادي في حزب الـPPS بتساؤل مفاده: "لماذا كلما طرحت مسألة تعديل القانون الداخلي للبرلمان لتشكيل الفرق البرلمانية من 12 نائباً فقط يتراجعون عن ذلك؟". وأضاف: "عندنا قناعة أن الأحرار والاتحاد لم يساندونا بتعليمات من قيادتهم، وحتى الحركة الشعبية كان هناك توجيه بل تعليمات للتصويت لصالح مرشح العدالة والتنمية لرئاسة لجنة مراقبة المالية العامة، ونحن نعرف أن موقفهم مرتبط بخلاف حاصل في جهة فاس مكناس يجب أن يحل في القريب العاجل".
دعم "الاستقلال"
حليف جديد للتقدم والاشتراكية أفرزته هذه الأزمة، بعدما أعلن دعمه للحزب علانية خلال التصويت على تشكيل لجن البرلمان، كما سبق التزم رئيس برلمانييه نور الدين مضيان موافقتهم على تعديل القانون الداخلي ليحصل الـPPS على فريق برلماني.
وشدد مصدر "تيل كيل عربي" على أن الدعم الوحيد الذي حصل عليه حزب التقدم والاشتراكية، كان من طرف فريق برلمانيي حزب الاستقلال "الوحدة والتعادلية".
وأضاف: "فريق الاستقلال الوحيد الذي أعلن صراحة أنه سوف يصوت لنا لنترأس اللجنة، ودافع عن رأيه بضرورة ضمان التعددية الحزبية والسياسية في رئاسة الفرق البرلمانية، لذلك حصلنا على تلك النتيجة في التصويت، ولو تحرك الأمين العام بشكل مكثف لكنا قلبنا النتيجة لصالحنا، لكن للأسف كان خارج أرض الوطن، خلال لحظة تدبير هذا الملف من طرف المجموعة النيابية للحزب".
هل يغادر الـPPS الحكومة؟
أعاد "تيل كيل عربي" طرح السؤال المتجدد حول تأثير مثل هذه التطورات على موقع حزب التقدم والاشتراكية داخلها، وعن فتح النقاش مجدداً داخلها بخصوص الاستمرار في التجربة. وكان جواب القيادي في الحزب: "باقي عندنا عامين في الحكومة. هل سوف نستمر أم لا؟ هناك مؤشرات كثيرة موحالش نكملو معاهم وكل الظروف هي في صالح أن نخرج منها؟".
وأضاف: "في البيان وقفنا عند ذلك الحد للتعبير عن ممارسة حقنا المشروع، ولم يكن موقفنا نابعاً عن رغبة ذاتية لنائبنا البرلماني رشيد الحموني، كما جاء على لسان عضو الأمانة العامة للعدالة والتنمية عبد العزيز أفتاتي، المكتب السياسي هو من قرر ترشيح الحموني رغم أننا كنا أمام ثلاث أو أربع خيارات، واختياره نابع من الاحترام الذي يكنه له مجموعة من البرلمانيين، لذلك حصل على 83 صوتاً".
وبالعودة لموقفهم من الاستمرار في الحكومة، صرح مصدر "تيل كيل عربي" الموثوق: "إذا جاءت أزمة وصدر نفس التصرف، سيكون لنا كلام آخر، لأنه، كما قلت في السابق، كفة السيئات ثقلت، ربما مع اقتراب الانتخابات من الأفضل أن نكون خارج الحكومة بالنظر إلى الصورة التي أصبحت عليها. هذا الموضوع لن يكون مطروحاً، خلال الاجتماع القادم للجنة المركزية، لكن، في المقابل، لن نستمر في قبول أنه يكون التقدم والاشتراكية آخر عجلة في عربة الحكومة".