كورونا.. شهادات أطباء وممرضين أصابهم الفيروس

الشرقي الحرش

أصيب العشرات من الأطباء والممرضين والأطقم الطبية في المغرب بفيروس كوفيد 19. عدد منهم فقدوا حياتهم وهم يواجهون الفيروس اللعين، فيما أخرون انتصروا عليه.

 

16يوليوز الجاري كان يوما حزينا في تاريخ "الجيش الأبيض" المغربي، اذ أعلن عن وفاة الدكتور عبد اللطيف الكنزي بمستشفى محمد السادس بمراكش نتيجة إصابته بفيروس كورونا أثناء قيامه بواجبه المهني بمنطقة سيدي يوسف بنعلي بمدينة مراكش.
ويعتبر الكنزي ثالث طبيب مغربي يتوفى نتيجة مضاعفات الإصابة بفيروس كورونا المستجد، بعد الدكتورة مريم أًصياد، التي كانت تشتغل في مستشفى محمد الخامس بالدار البيضاء والدكتور نور الدين بن يحيى بمدينة مكناس.

وإذا كانت وفاة الأطباء الثلاثة قد حظيت بمتابعة إعلامية، فإن عشرات الأطقم الصحية قد أصيبوا بالفيروس دون أن يتم الإعلان عن ذلك. وبحسب مصادر طبية متعددة، فإن مدينة طنجة لوحدها عرفت إصابة أزيد من 40 شخصا من الأطقم الصحية،في مقدمتهم الأطباء والممرضون، كما لا تخلو باقي المدن من إصابات في العاملين في القطاع الصحي، الذين يواجهون خطر الإصابة يوميا بسبب اتصالهم اليومي مع المرضى وحاملي الفيروس.
في هذا الصدد، اختار "تيلكيل عربي" منح الكلمة لأطباء وممرضين وأطر صحية عرفوا الفيروس من خلال علاجهم وتعاملهم مع المرضى، ثم عاشوا التجربة بأنفسهم ، بعدما أصبحوا حاملين للفيروس، وفي حاجة إلى رعاية واهتمام زملائهم.

توقع الإصابة

"بحكم عملي بمصلحة الأشعة بمستشفى محمد الخامس بطنجة، كنت أتوقع أن أصاب في أي لحظة. كان لدي استعداد نفسي لذلك، لأننا خط الدفاع الأول في مواجهة الوباء، وهو ما حدث إذ تم اكتشاف إصابتي بعد مخالطتي لعدد من المرضى، حيث ظهرت علي بعض الأعراض، من قبيل ارتفاع درجة حرارة الجسم، وصداع الرأس" .
هكذا تحدث "حمزة"، تقني بمصلحة الأشعة بطنجة لـ"تيلكيل عربي"، مؤكدا أن إصابته كانت متوقعة بحكم العدد الكبير من المرضى الذين يخالطهم أو يستقبلهم يوميا.
الهاجس الأول بالنسبة لحمزة، بعد اكتشاف إصابته بفيروس كورونا المستجد كان هو عائلته، التي كان يخشى أن يكون قد نقل إليها العدوى، مشيرا إلى أن قلبه لم يطمئن إلا بعد التأكد من خلوهم من الفيروس.
ويؤكد حمزة أن موجة الهلع التي رافقت فيروس كورونا في صفوف المواطنين لم تؤثر عليه، إذ أن عملي في المستشفى جعلني ألتقي بأشخاص يعانون من أمراض خطيرة كثيرة ويتم علاجهم، مما جعلني أفوض أمري إلى الله، وأعتبر أن ما قد يحدث لي هو قضاء وقدر.
حمزة، قضى تسعة أيام بالتمام والكمال في المستشفى ، مشيرا إلى أنه خضع كغيره من المرضى للبروتوكول العلاجي القائم على تناول دواء الكلوروكين وفيتامين سي وباراسيتامول. ويضيف حمزة أن برنامجه اليومي خلال فترة العلاج كان يتوزع بين المشي والقراءة
ويؤكد حمزة أن هذه التجربة التي مر بها جعلته يحتاط أكثر لنفسه، ويسعى جهده لعدم مخالطة الناس تجنبا للعدوى، لكن ما يزعج حمزة هو تعامل فئة كبيرة من المواطنين مع هذا الوباء باستهتار، حيث يلاحظ غياب التقيد بالإجراءات الوقائية في عدد من الأماكن، بما في ذلك عدم ارتداء الكمامات، واستمرار عادات المصافحة والعناق مع ما يشكله ذلك من خطورة.
ودعا حمزة المواطنين عموما وشباب مدينة طنجة خصوصا إلى التقيد بالإجراءات الوقائية الصارمة لتجنب مزيد من تفشي الفيروس، مشددا على أن الوقاية خير من العلاج

فقدت حاسة الشم

عبد العظيم أقبيب، طبيب بمستعجلات مستشفى محمد الخامس بطنجة، أصيب بدوره في بداية الشهر الجاري بفيروس كورونا لينضاف إلى العشرات من الأطر الصحية الذين أصيبوا بالفيروس. يقول في اتصال مع "تيلكيل عربي" منذ بداية ظهور الوباء في طنجة كنت أتوقع إصابتي في كل لحظة، كما أن زوجتي كانت تتوقع ذلك بحكم أنها طبيبة".
ظل أقبيب يترقب إصابته بالفيروس بحكم مخالطته المستمرة للمرضى، وفي بداية الشهر الجاري ستظهر عليه أولى علامات وأعراض الإصابة. يقول أقبيب "عدت إلى منزلي، بعد يومين قضيتهما في الحراسة داخل المستعجلات، ثم بدأت تظهر علي أعراض مرض كوفيد 19 المتمثلة في ارتفاع درجة حرارة الجسم والعياء الشديد، مما جعلني أجري اختبار الكشف عن الفيروس، حيث تبين أنني مصاب بكورونا".
وبحسب أقبيب، فإن أعراض الإصابة بفيروس كورونا لم تقتصر على ارتفاع درجة الحرارة، بل إنه فقد حاسة الشم بعد 48 ساعة منذ بداية إحساسه بالعياء، قبل أن يسترجعها.
وكغيره من المصابين بفيروس كورونا، فإن الشغل الشاغل لأقبيب كان هو الخوف من تعرض أفراد عائلته للإصابة. كان يخشى أن يكون الفيروس قد انتقل إليهم، خاصة زوجته وأبناءه، إلا أن مخاوفه تبددت، بعدما تبين أن نتيجة اختبارهم سلبية.
ورغم الأعراض التي ظهرت على أقبيب في البداية، إلا أنها كانت عادية وبسيطة، ولم تستمر طويلا، حيث ذهبت بعد 48 ساعة من خضوعه للبروتوكول العلاجي، الذي دام أسبوعا فقط.
التحول من طبيب إلى مريض، بحسب أقبيب يولد شعورا خاصا، فكونه طبيبا يجعله يتعامل بجدية وبحذر شديد مع وضعيته، مسلحا بالمعرفة والخبرة التي اكتسبها، قبل أن يصبح في حاجة إلى زملائه.
وبخصوص برنامجه اليومي، أشار أقبيب إلى أنه كان رفقة زملاء آخرين يتابعون العلاج، حيث كان برنامجهم يتضمن القراءة ومشاهدة التلفزيون، وكذا الاهتمام بأحد زملائهم، الذي كانت حالته حرجة، قبل أن تتحسن ويغادر المستشفى بدوره.
ويعتبر أٌقبيب أن البعض يتعامل باستهتار زائد مع موضوع فيروس كورونا، خاصة في صفوف الشباب، مشيرا إلى أن ما يشجع على هذه اللامبالاة هو كثرة الفيديوهات التي تروج في وسائل التواصل الاجتماعي لأشخاص مصابين لا تظهرعليهم أعراض.
وحذر أقبيب من خطورة التعامل باستهتار مع فيروس كورونا، مشددا على أن ذلك قد يؤدي إلى انتشار أكبر للفيروس، مما قد يتسبب في وفاة عدد من كبار السن والأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة، داعيا المواطنين إلى أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر من خلال اتباع الإجراءات الوقائية المتعارف عليها.

الشباب لا ينجي من مضاعفات كورونا

إذا كان عدد من المصابين الشباب لا تظهر عليهم أعراض فيروس كورونا، أو تظهرعليهم أعراض خفيفة، فإن وضع ياسين محمد، الطبيب المقيم بمصلحة الجراحة بالمستشفى الجامعي بمدينة طنجة كان مختلفا، إذ أصيب هذا الشاب الذي لا يتجاوز عمره 28 عاما بفيروس كورونا بداية الشهر الجاري، ووصلت حالته إلى وضع حرج.
يقول ياسين في اتصال مع "تيلكيل عربي": " مع بداية تخفيف الحجر الصحي، أصبح المستشفى الذي أشتغل به مكتظا بسبب توافد مختلف المرضى، الذين لم يكن المستشفى يستقبلهم خلال فترة الحجر الصحي". ويضيف "كنا نتخذ احتياطات كثيرة من أجل تفادي الإصابة، لكن مع طول ساعات العمل، وكثرة الاختلاط مع المرضى، كان من الصعب تجنب الإصابة".
لا يحمل ياسين مسؤولية إصابته لأحد، فهو يعتبر الأمر ابتلاء وامتحانا مر به، خاصة أن حالته كانت حرجة، قبل أن تعرف تحسنا بفضل العمل الكبير الذي قامت به الأطقم الطبية، التي كان حريصا على توجيه الشكر لها.
يقول ياسين " لم تكن أعراض المرض بسيطة بالنسبة لي، خاصة في اليوم السادس من الاستشفاء، حيث تدهورت حالتي جدا، وأدخلت الانعاش".
يتذكر ياسين اللحظات الأولى لشعوره بأعراض الإصابة فيقول، عدت إلى المنزل بعد إجراء عملية جراحية لأحد المرضى. وخلال نومي، أحسست بعياء شديد وارتفاع في درجة الحرارة ثم الإسهال، وهي علامات تدل على أنني مصاب بفيروس كورونا، وهو ما تأكد بعد خضوعي للتحاليل المخبرية".

لا تختلف هواجس الطبيب كثيرا عن هواجس كل مصاب بفيروس كورونا لحظة التأكد من إصابته، فياسين يؤكد أن أول ما تبادر إلى دهنه هو إمكانية نقله العدوى لعائلته، إلا أن نتائج اختبارات من خالطوه من العائلة كانت سلبية. كان ذلك خبرا مطمئنا له، وكان يعتقد أنه سيشفى قريبا من الفيروس وأن أعراضه ستختفي، إلا أن توقعاته كانت خاطئة، فالأعراض بدأت تزداد حدة يوما بعد يوم، حتى أصبح يتنفس بصعوبة بالغة.

"رغم أنني أمارس الرياضة، ولا أدخن ولا أتناول الكحول، ولا أعاني من أية أمراض، إلا أنني عانيت كثيرا بسبب الإصابة، وهو دليل على أن كورونا لا يفرق بين الشباب والشيوخ".
ويعتقد ياسين أن ما تسبب في تدهور حالته هو عدم تناوله للكلوروكين في البداية، مشيرا إلى أنه اكتفى في أول الأمر بتناول فيتامين سي والزنك، إلا أن حالته تدهورت في اليوم السادس وأصبح يتنفس بصعوبة مما استدعى الانتقال إلى العناية الخاصة.
ويضيف "رغم أنني طبيب، إلا أنني لم أدرك خطورة هذا الأمر جيدا إلا بعد إصابتي. كانت تجربة صعبة، لكنها علمتني الكثير، خاصة أنني تحولت من طبيب إلى مريض يحيط به زملاؤه ويرقد في نفس المصلحة التي كان يشرف فيها على علاج المرضى".
يشدد ياسين أن هذا الامتحان الذي مر به علمه الكثير من الدروس، أولاها أن المريض يحتاج عناية خاصة ودعم نفسي.
ويتابع "أنا بطبعي أطمئن المرضى وأرفع من معنوياتهم، لكنني الآن مصمم على أن تعاملي سيكون مختلفا كثيرا، فالمرضى يحتاجون لمن يطمئنهم بداية، ولمن يبتسم في وجوهم، قد يبدو ذلك بسيطا، لكن مفعوله كبير بالنسبة لشخص مريض".
لا يتفق ياسين مع الاعتقاد السائد بأن الشباب لا يعانون بسبب الإصابة بالفيروس، ويقدم نفسه كنموذج ودليل يدحض هذا الزعم الخاطئ، وينصح الشباب بالالتزام بالإجراءات الوقائية، مشيرا إلى أن أغلب المصابين حاليا هم من الشباب، والذين قد ينقلون العدوى لكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة، كما أنه لاشيء يمنع من إمكانية تدهور حالة الشباب المصابين، وربما وفاتهم.

لم أخبر عائلتي بعد

لا تقتصر الإصابة في صفوف الأطقم الصحية على الممرضين والأطباء، فياسين شاب لا يتجاوز عمره 27 عاما، يعمل تقنيا في الإسعاف الصحي بمدينة طنجة، وأصيب بدوره بفيروس كورونا بسبب مخالطته الدائمة للمرضى.
اختار "يونس" أن لا يعلن عن اسمه الكامل لقراء "تيلكيل عربي" فهو لم يخبر عائلته بعد بإصابته بالفيروس، نظرا لإقامته بعيدا عنهم. ويؤكد يونس أن أعراض الإصابة التي ظهرت عليه كانت بسيطة، وسرعان ما ذهبت بفضل العناية الطبية التي تلقاها.
وبخصوص مضاعفات تناول دواء الكلوروكين، يؤكد يونس أنها لم تكن مضاعفات حادة بالنسبة له، بل كانت مضاعفات بسيطة.

ويربط يونس بين مضاعفات الكلوروكين وبين مناعة المرضى، إذ كلما كانت مناعة المصابين قوية كلما كانت المضاعفات قليلة وبسيطة والعكس صحيح.
ولا يتردد يونس في القول بأن تجربة المرض جعلته يتخذ أقصى الاحتياطات لنفسه، كما ينصح غيره بعدم التهاون في الالتزام بالإجراءات الوقائية، خاصة النظافة وارتداء الكمامات والالتزام بالتباعد الجسدي، وعدم السفر إلا للضرورة، خاصة في هذه الفترة.

أولويات جديدة

بدوره لم يتردد "بدر الدين معاش"، وهو شاب في الثلاثينات من عمره، لحظة واحدة، في تقاسم تجربته في مواجهته "كورونا" مع قراء "تيلكيل عربي"، فوظيفة الإعلام بالنسبة له أساسية لنشر الوعي وسط المواطنين وزرع الأمل في صفوف المصابين.
"بدر الدين"، الممرض المختص في الأمراض العقلية والنفسية، أوضح لـ"تيلكيل عربي" أنه فور ظهور أعراض الفيروس عليه، خضع للتحليلات المخبرية التي أكدت إصابته بالفيروس، قبل أن يخضع للعلاج بمستشفى مولاي عبد الله بسلا.
ويؤكد "بدر الدين" أنه تناول دواء "الكلوروكين"، كغيره من المرضى، إلا أن الأعراض الجانبية التي ظهرت عليه كانت بسيطة. ويضيف: "هذه المحنة استفدت منها دروسا كثيرة، من بينها إعادة ترتيب أولوياتي في الحياة، والإقبال، ما أمكن، على فعل الخير".
وينصح "بدر الدين" المصابين بفيروس "كورونا" بعدم السقوط في فخ التوتر النفسي، لأن من شأنه المساهمة في تدهور حالتهم، كما يؤكد على ضرورة التعايش مع المرض وتسطير برنامج يومي لقضاء الوقت، والأكل الجيد.
ويقول: "كنت أحرص على قراءة القرآن، ومشاهدة الأفلام، بعيدا عن أخبار فيروس كورونا، فالمتابعة اليومية لهذه الأخبار قد يكون لها انعكاس سلبي على المريض، لذلك لا أنصح بها، بقدر ما أنصح بضرورة تسطير برنامج يومي لكل مريض مع التقيد التام بنصائح الأطباء.