يعيش العالم ظروفا صعبة بسبب فيروس كورونا المستجد الذي فرض "أجندته" الخاصة على جميع دول العالم.
وإذا كانت كل مجالات العمل في المغرب قد تأثرت بضغط الفيروس، وأصبحت كل الإدارات تحاول جاهدة التقليل من حضور الموظفين لمقراتها والاكتفاء بالعمل عن بعد، فإن الوضع مختلف في مستشفيات المملكة، التي استنفرت أطرها لمواجهة عدو غير مرئي يهدد الجنس البشر.
كيف يقضي جنود "الجيش الأبيض" يومهم داخل المستشفيات، وما تأثير ذلك على أسرهم؟
"تيلكيل عربي" يحاول تقريب قرائه من يوميات الأطباء والممرضين في ظل "فيروس كورونا المستجد"من خلال شهاداتهم.
أجمعت الشهادات التي استقاها "تيلكيل عربي" أن العاملين في قطاع الصحة يعيشون ضغطا نفسيا رهيبا، فهم بدورهم يخشون تعرضهم للإصابة بفيروس كورونا المستجد، كما يتخوفون من نقله إلى أفراد عائلاتهم.
ضغط نفسي رهيب
تقول ربيعة بوكطاية، طبيبة بقسم المستعجلات بمستشفى محمد الخامس بطنجة "إن الأطقم الصحية يعيشون ضغطا نفسيا رهيبا، لكنهم مجندون لأداء رسالتهم مهما كلف الثمن".
وأضافت في شهادتها لـ"تيلكيل عربي"، "لقد أصبح العاملون في قطاع الصحة يخشون من انتقال الفيروس إليهم، كما يخشون نقله للمرضى، إذا كانوا هم مصابين ولم تظهر عليهم الأعراض بعد، لذلك يتم اتخاذ أقصى الاحتياطات لحماية الأطباء والمرضى"، مشيرة إلى أن ما يزيد الأمر صعوبة هو توجه عدد من المواطنين للتأكد من عدم إصابتهم بفيروس كورونا من عدمها بدل الاتصال برقم "ألو يقظة".
وتؤكد أن الدكتورة بوكطاية أن "فيروس كورونا" فرض عليها تغيير عدد من العادات داخل منزلها خشية نقل العدوى لأفراد أسرتها، حيث أصبحت لا تلمس أبناءها إلا بعد غسل اليدين، ومع ذلك يظل التخوف قائما، مشيرة إلى أن هناك توجه داخل طنجة لتوفير فضاء للأطر الصحية بعيدا عن أسرهم.
الضغط النفسي الذي يعيشه العاملون في قطاع الصحة، الذي تحدثت عنه الطبيبة بوكطاية، أكدته إلهام المالكي، الممرضة المختصة في التخدير والانعاش بمستشفى سيدي سعيد بمكناس.
الممرضة قالت، في حديث مع "تيلكيل عربي"، إن العاملين في قطاع الصحة أصبحوا يبدلون مجهودا مضاعفا، رغم الخوف الذي يعتريهم من خطر انتقال الفيروس.
وأضافت "أصبحت أغسل يدي كل مرة، وكأنني أُصبت بوسواس النظافة، كما لم أعد أقترب من أفراد أسرتي مخافة أن أكون مصابة وأنقل إليهم الفيروس"، مشيرة إلى أن فيروس كورونا غيّر كل العادات الاجتماعية.
وتؤكد المالكي أنه نتيجة الخوف الذي يسيطر على الأطر الصحية، فقد تم فصلهم عن أسرهم، حيث سيبيتون، هم أيضا، في أحد الفنادق لتجنب الاتصال مع أبنائهم.
من جهته، يقول رضى شروف، أخصائي الفيزياء الاحيائية بالمعهد الوطني للصحة بالرباط، الذي يتم فيه إجراء تحاليل فيروس كورونا، إلى جانب معهد باستور بالدارالبيضاء: "من الطبيعي أن يكون هناك ضغط نفسي على العاملين في قطاع الصحة في ظل الظروف التي نعيشها، خاصة أن إمكانية تعرضنا للإصابة واردة".
شروف أوضح، لـ"تيلكيل عربي"، أن "الأشخاص الذين يستقبلون عينات الحالات المشكوك فيها يمكن أن يتعرضوا للإصابة إذا لم يتم اتخاذ الاحتياطات اللازمة".
أما نور الدين العظم، الممرض بالمركز الاستشفائي بأكادير، فيؤكد أن الضغط النفسي الذي يواجهه العاملون في قطاع الصحة لا ينقص من عزيمتهم، وتفانيهم في أداء واجبهم ورسالتهم.
وأشار العظم أن العاملين في المستشفى شرعوا في المبيت بعيدا عن أسرهم، مشيرا إلى أن جمعية الأعمال الاجتماعية لوزارة الصحة وضعت فضاء رهن اشارتهم، بعد تزايد المخاوف من نقل الفيروس لأسرهم.
"الزموا بيوتكم وادعوا لنا"
الدكتور ساري إخلاص، الاختصاصي في أمراض التخدير والانعاش بالمستشفى الاقليمي مولاي عبد الله بسلا، اختار اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي من أجل توجيه رسالة الأطباء والممرضين لعامة المواطنين من أجل حماية أنفسهم من "فيروس كورونا" المستجد ومساعدة الطاقم الصحي الذي يخوض معركة دون هوادة هذه الأيام.
طبيب الانعاش قال، لـ"تيلكيل عربي": "إننا في حرب وجهاد ضد عدو غير مرئي، وإذا أردتم مساعدتنا فالزموا بيوتكم، وادعوا لنا".
وأضاف "نحن اليوم في لحظة الحسم، إما نوقف الوباء، أو أنه سيتفشى ولن نقدر على ايقافه"، مشددا على أن الحل بيد المواطنين.
من جهتها، وجهت صابرين برارة، الممرضة بمستشفى محمد الخامس بمكناس، نداء إلى المواطنين، عبر "تيلكيل عربي"، من أجل لزوم بيوتهم، معتبرة تحلي المواطنين بهذا السلوك هو أكبر هدية يمكنهم توجيهها للأطقم الصحية.
ودعت برارة المواطنين إلى عدم التوجه للمستشفيات، إذا ما ساورتهم شكوك بشأن إصابتهم بفيروس كورونا، والاكتفاء بالاتصال بالأرقام التي وضعتها وزارة الصحة رهن إشارتهم، معتبرة أن توجه الحالات المشكوك فيها إلى المستشفيات، دون اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة، يشكل خطورة على العاملين في قطاع الصحة.
وتعتبر ربيعة بوكطاية، الطبيبة المستعجلات بمستشفى محمد الخامس بطنجة، أن "أي تهاون من قبل المواطنين مع الفيروس وعدم التزامهم بالحجر الصحي قد يتسبب في ارتفاع عدد الإصابات ويضرب بالمجهودات الكبيرة التي قامت بها الدولة لمحاصرة الفيروس عرض الحائط".
بوكطاية وجهت نداء للشباب، خاصة، من أجل المكوث في بيوتهم، خلال هذه الفترة، مشيرة إلى أن هذه الفئة قد تنقل الفيروس للأشخاص المسنين، الذين يكونون عرضة للوفاة في كثير من الأحيان.
بدوره، يؤكد نور الدين العظم على ضرورة بقاء المواطنين في بيوتهم تجنبا لانتقال العدوى، مشددا على أن هذا هو السبيل الوحيد.
وأضاف في تصريحه لـ"تيلكيل عربي": "أصبحنا نشتغل بدون توقف خدمة لأبناء وطننا، لكن هذا العمل كله قد يذهب هباء، إذا لم يساعدنا المواطنون بالبقاء في بيوتهم"، مشيرا، في هذا الصدد، إلى أن المستشفيات تحاول ما أمكن تفادي الاكتظاظ داخلها، واتخاذ الإجراءات الاحترازية الضرورية.
ضغط العمل
خلال جمعه لشهادات العاملين في قطاع الصحة، ربط "تيلكيل عربي"، اتصالا بأحد الأطباء بمستشفى مولاي عبد الله بسلا، الذي يستقبل الحالات المصابة بفيروس كورونا.
كان الاتصال على الساعة العاشرة صباحا، رحب الطبيب بتقديم شهادته، لكنه اعتذر عن الادلاء بها لوجود حالة في قسم الانعاش تنتظره، وطلب معاودة الاتصال به مساء.
على الساعة التاسعة ليلا أعاد "تيلكيل عربي" الاتصال بالطبيب، لكنه وجده لم ينه عمله، واعتذر له بلطف، مؤكدا أنه يواصل عمله رغم الإرهاق والتعب الذي أصابه.
وضع هذا الطبيب لا يختلف عن كثير من زملائه، فمع بدء توافد حالات الإصابة بفيروس كورونا على المستشفيات أصبح الأطباء والممرضون يقضون ساعات طويلة في العمل.
الدكتور محمد زكيري، أحد أطر وزارة الصحة بمدينة الدار البيضاء، يؤكد أن مستشفيات المملكة تعيش استنفارا غير مسبوق.
وقال "لم يعد هناك وقت محدد لانتهاء العمل. أصبحنا لا ننهي عملنا إلا في حدود الساعة الواحدة أو الثانية صباحا".
بدوره، يقول نور الذين العظم "نحن الآن نشتغل أكثر من الأيام العادية، لكن اللحظة التي نعيشها تتطلب ذلك"، مضيفا أن مطالبهم المادية ستظل معلقة إلى حين القضاء على هذا الفيروس.
أدوات الحماية
أجمعت الشهادات التي استقاها "تيلكيل عربي" من الأطقم الصحية على أن وزارة الصحة وفرت أدوات الحماية من الفيروس للعاملين في القطاع، لكنهم يؤكدون على ضرورة توفير المزيد منها حماية لهم وللمرضى.
وقالت إلهام المالكي، الممرضة بمستشفى سيدي سعيد بمكناس "إن وسائل الحماية متوفرة لحد الساعة".
تأكيدات المالكي على توفر معدات الحماية، يزكيها باقي الأطر الصحية الذين تواصل معهم "تيلكيل عربي"، لكن ذلك ليس كافيا لتبديد مخاوفهم، إذ ظلوا يلحون على ضرورة بقاء المواطنين في بيوتهم لتفادي ارتفاع الإصابات واكتظاظ المراكز الصحية، خاصة في أقسام الانعاش...